40 عاما من الأسر في السجون الإسرائيلية.. كريم يونس للجزيرة نت: لا أخشى التهديدات بسحب الجنسية
القدس المحتلة- كشف كريم يونس، الأسير الفلسطيني الذي أفرج الاحتلال عنه بعد 40 عاما متواصلة في سجونه، عن التفاصيل التي سبقت خروجه من الأسر فجر الخميس، وعن تعامل أفراد مصلحة السجون الإسرائيلية معه في ساعات أسره الأخيرة.
وبينما أحاط به المئات ممن جاؤوا لاستقباله وتهنئته بالحرية من أنحاء فلسطين التاريخية، تحدث يونس (66 عاما) والمعتقل منذ عام 1983، في حوار مع الجزيرة نت، عن واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والتحديات التي تواجههم مع تولي الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تتوعدهم بمزيد من التضييقات.
ونقل يونس، وهو من بلدة عارة في الداخل الفلسطيني، رسالة الأسرى لشعبهم بالوحدة. كما تحدث عما كان يرشح من أنباء حول صفقة تبادل محتملة بين تل أبيب والمقاومة الفلسطينية.
وبمشاعر مختلطة بين الحزن والفرح، تحدث عن زيارته لقبر والدته الحاجة صبحية يونس التي انتظرته 4 عقود لكنها فارقت الحياة قبل 8 أشهر من تحرره دون أن تحقق حلمها باحتضانه. وكان قد وقف أيضا أمام قبر والده الذي توفي قبل 10 سنوات وحُرم زيارته لأكثر من 17 عاما.
ما الرسالة التي تحملها من الأسرى للشعب الفلسطيني؟
الأسرى يبعثون رسالة حب وتقدير ويقدمون الشكر والعرفان لشعبهم في كل أماكن وجوده بالضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والداخل والشتات، على نضاله لعقود وتفانيه في نصرة الحركة الأسيرة.
والأسرى على قناعة تامة بأن شعبهم الفلسطيني لم ولن يخذلهم ولا بأي شكل من الأشكال، وقالوا ويقولون إن هذا الشعب وفي للأسرى والوطن ولقضيته، وسيواصل نضاله حتى الاستقلال.
في أي حال تركت الأسرى من خلفك؟
فرحتي بالحرية والتحرر منقوصة، لقد تركت خلفي الكثير من الأسرى وقلبي معهم، هناك من يحملون الموت على أكتافهم. ولكن عزاءنا أنهم جميعا موحدون أمام همجية الاحتلال، ونحن معهم وسنبقى صامدين حتى ينالوا حريتهم.
تركت آلاف الأسرى خلفي موحدين بشكل أكبر في وجه الوزير إيتمار بن غفير وزمرته، ولن يرفعوا الراية البيضاء ولن يستسلموا لهذه الحكومة المتطرفة.
جرى الحديث مؤخرا عن صفقة تبادل للإفراج عن أسرى فلسطينيين مقابل جنود إسرائيليين أسرى في غزة. هل تلقى الأسرى أية معلومات بهذا الخصوص؟
حقيقة لا أدري إذا كانت هناك مفاوضات جديّة بشأن صفقة تبادل مستقبلية. ولكن حسب رأيي لا تلوح بالأفق صفقة جديدة، لأننا منذ البداية كنا نعرف ماذا الذي يتم تداوله، وما يتم اقتراحه من قبل الجانب الإسرائيلي الذي حاول استغلال قضية الأسرى لأغراض سياسية.
واليوم الحركة الأسيرة، ومن ضمنهما أسرى حركة حماس، يدركون أن ما يجري لا يلبي احتياجات الأسرى. ويمكن أن تكون صفقة متواضعة جدا لن تفرج عن جميع الأسرى، خصوصا الأسرى القدامى والمحكومين بالمؤبدات.
كيف انعكس الانقسام السياسي الفلسطيني على الأسرى؟
الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال كانت وما تزال السباقة في الدعوة إلى الوحدة. والانقسام دخل عليها بأقبح أوجهه، لدرجة أنه حصل فصل بين أبناء الفصائل في الأقسام داخل السجون الإسرائيلية.
لكن الأسرى من مختلف الفصائل يدعون لإنهاء الانقسام وإلى الوحدة الوطنية لأنها “قانون الانتصار” فجميعهم على استعداد للتضحية ولعقود أخرى من حياتهم وأعمارهم في سبيل الحرية والتحرر والاستقلال.
هل وظفت إدارة سجون الاحتلال الانقسام للنيل من الأسرى؟
حاولت إدارة السجون توظيف الانقسام لإضعاف الحركة الأسيرة، لدرجة أنها اعتمدت سياسة فرق تسد، بيد أن الأسرى تنبهوا لذلك وفوتوا الفرصة للتفرد بهم.
كانت إدارة سجون الاحتلال تنفرد بأسرى كل فصيل لوحده، وفي مرحلة ما كان كل فصيل يعمل ويخطط منفردا، لكن في الفترة الأخيرة تم التغلب على هذا الواقع وأعيدت اللحمة والوحدة لصفوف الحركة الأسيرة في مختلف سجون الاحتلال.
ما الحدث الذي أعاد للحركة الأسيرة وحدتها؟
أخذت تتشكل ملامح وحدة الصف وتكرست في أعقاب عملية الهروب من نفق “جلبوع” وتحرر 6 أسرى منه، وهذا الحدث دفع الأسرى إلى تشكيل لجنة طوارئ عليا تضم أسرى من كافة الفصائل، وتعمل بين كل السجون.
تجربة الأسرى في التوحد ليست جديدة، ولا وليدة الصدفة، بل منذ ستينيات القرن الماضي، وهي التي عززت من معنوياتهم ومنحتهم القوة لمواجهة سياسات إدارة السجون الإسرائيلية واستطاعوا بها تحقيق الإنجازات.
ماذا عن تهديدات الحكومة الإسرائيلية الجديدة بمزيد من التضييق على الأسرى؟
ثبت أن وحدة الحركة الأسيرة والنضال المشترك مكّن الأسرى من تحقيق الإنجاز تلو الإنجاز. وصحيح أن الانقسام خلف أزمة وتراجعا في حالتهم، لكنهم تجاوزوا هذه المرحلة وفوتوا الفرصة على الحكومة الإسرائيلية للنيل منهم.
اليوم وفي هذه المرحلة، تشهد الحركة الأسيرة حالة وحدة ورص للصفوف أوسع وأكبر مما كانت عليه، فالأسرى متحدون على قلب رجل واحد لمواجهة الغول القادم والحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تريد ترويضهم فردا فردا لدرجة أنها تسعى لتحويلهم إلى أدوات بشرية تلبي ما تريده مصلحة السجون، وهذا لن يكون.
كيف تقرأ التهديدات بسحب الجنسية الإسرائيلية منك ومن أسرى الداخل (فلسطينيي 48)؟
تهديدات وزراء الحكومة الإسرائيلية بسحب وإسقاط الجنسية عني لا تخيفني ولا تخيف أيا من أسرى الداخل. فقد أشاعوا المطالبات بسحب الجنسية، وأرادوا سلب فرحتي بالحرية مع أبناء شعبي، ولذا أفرجوا عني في ساعات الفجر الأولى بالسر ودون إبلاغ عائلتي، وقاموا بنقلي بين 4 مركبات عسكرية وأنزلوني وحيدا في في منطقة “إسرائيلية” بمركز البلاد لا أعرفها، ولم يكن بانتظاري أي أحد.
لقد اعتمدت سلطات السجون الإسرائيلية أسلوب التضليل بغية إفشال ما كان ينتظرني من حفل استقبال أعدته عائلتي بين أبناء شعبي، كما اقتحمت الشرطة الإسرائيلية الخيمة التي نصبت من أجل الاحتفال بالحرية، واعتمدت أسلوب التهديد والوعيد لمنع توافد الجماهير، بغية التنغيص علينا فرحتنا.
وقبل تحرري بأيام جاء إلى سجني مسؤول في المخابرات الإسرائيلية، وأبلغني بحظر إقامة الاحتفالات، وأنه لن يكون هناك حفل استقبال في أي من القاعات، ولن يرفع العلم الفلسطيني. وقلت له بثقة دون تردد هذا الشيء لا تقرره أنت، نحن أصحاب القرار، وسأخرج من السجن وسأحتفل في بيتي ومع عائلتي وأهلي ولا يمكنك أن تمنعني من ذلك “وأعلى ما بخيلك اركبه”.
لقد خرجت من السجن لأنشد نشيد بلادي وأواصل طريق الحرية والنضال مع شعبي، قد تكون حريتي بادرة لحرية الأسرى. وأنا ابن فلسطين وأتمنى زيارة الضفة وغزة وكل محافظات الوطن.
خرجت من السجن وذهبت إلى قبري والديك. ماذا تقول عنهما؟
وعدتُ أبي أن أصمد ليس لأنني مجبر على الصبر، بل لأن في الصمود نضالا. وأبي من خطّ لي خارطة الطريق وأوحى لي بهذه الرحلة.. أبي الذي علمني رواية شعب يحلم بالعودة والاستقلال.
ووعدت أمي أنني قادم حتما، وقلت لها انتظري ولا تستعجلي الساعات ولا الأيام. لكنها غافلتني، وقد ملّ الانتظار من انتظارها، وطال صبرها حتى كلّ الصبر من صبرها..
أقول دائما: أمي التي حملتها فوق طاقتها، حملتني كل يوم وكل دقيقة في دموعها ومع كل نبضة من نبضات قلبها. لكن هذه مشيئة الله، أرادها الله أن تستقبلني من الأعلى، من السماء وهي تحتضنني وتحتضن جميع من حولي.