العقوبات الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية.. طبيعتها وتأثيرها
رام الله – أثارت سلسلة عقوبات أقرها الاحتلال الإسرائيلي أمس الجمعة بحق السلطة الفلسطينية مخاوف من انعكاسات قاسية على المستويين الشعبي والرسمي.
وتمتد العقوبات الإسرائيلية إلى أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل من المنافذ نيابة عن السلطة الفلسطينية، والتي قد يؤثر الاقتطاع منها على قدرة السلطة على صرف رواتب موظفيها.
وأمس الجمعة، قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر فرض 5 عقوبات على السلطة الفلسطينية، بسبب توجهها إلى المؤسسات الدولية لملاحقة إسرائيل.
ومن بين العقوبات اقتطاع نحو 40 مليون دولار من أموال المقاصة لصالح إسرائيليين تضرروا من عمليات فلسطينية، واقتطاع مبالغ مالية تعادل ما تدفعه السلطة الفلسطينية مخصصات شهرية لعائلات الأسرى والشهداء، وتقدر بنحو 600 مليون شيكل سنويا (نحو 171 مليون دولار).
ومن العقوبات أيضا سحب بعض “الامتيازات” من مسؤولين فلسطينيين، وتجميد مخططات بناء فلسطينية في المنطقة “ج”، وملاحقة منظمات أهلية فاعلة في مجال ملاحقة إسرائيل قانونيا.
وإن كانت سلطات الاحتلال تخصم شهريا مبالغ تعادل ما تصرفه السلطة للأسرى والشهداء، فإن الجديد في العقوبات هو اقتطاع أموال لصالح متضرري العمليات الفلسطينية.
الهدهد/مكتب نتنياهو:
مشاهد من جلسة المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية “الكابينت” التي عقدت اليوم في مقر وزارة الجيش “الكرياه” في تل أبيب pic.twitter.com/CoMPAR55KJ— الهدهد (@hodhod_pal) January 5, 2023
غرامات بحق أسرى المؤبدات
وكشف رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس عن توجه في المحاكم الإسرائيلية تزايد مؤخرا، يضيف لكل حكم بالمؤبد غرامات مالية باهظة على الأسرى.
وأشار فارس -في حديثه للجزيرة نت- إلى قضايا معدودة رفعت في المحاكم الإسرائيلية، وصدرت فيها قرارات بتعويض المتضررين من عملياتهم، لكن المبالغ التي أقرتها تلك المحاكم لا تبلغ 40 مليون دولار.
ويلفت فارس إلى تدوينة اطلع عليها مؤخرا في قرار لمحكمة إسرائيلية جاء فيها أن “على الدولة (إسرائيل) أن تفكر في طريقة تحصيل تلك الغرامات”.
وذكر أن أحد الذين تجري مطالبتهم بتعويضات القيادي الأسير مروان البرغوثي، الذي أُحضر إلى المحكمة قبل أيام، وخرج منها صامتا كما دخلها.
بدوره، قال الناطق الإعلامي باسم هيئة شؤون الأسرى حسن عبد ربه للجزيرة نت إن القرار الخاص بمستحقات الأسرى ليس جديدا، وإنما إقرار لسياسة مستمرة منذ 2018.
وأضاف أن الكنيست الإسرائيلي أقر عام 2018 خصم ما يعادل مستحقات الأسرى والجرحى، المقدرة بنحو 600 مليون شيكل (نحو 171 مليون دولار) توزع على 12 شهرا.
أما بخصوص التعويضات لمتضرري العمليات، فقال إن تفاصيل القرار حتى الآن غير واضحة للجانب الفلسطيني، لكن جرى سابقا فرض غرامات في حدود مليون دولار، وخصمت من أموال السلطة.
الاحتلال يتحكم في الأموال
ونيابة عن السلطة الفلسطينية، تجبي سلطات الاحتلال ضرائب على البضائع الواردة إلى الأراضي الفلسطينية من خلال المنافذ التي تسيطر عليها، والمقدرة شهريا بنحو 700 مليون شيكل (نحو 200 مليون دولار) مقابل عمولة 3%.
وفي عرض مالي أمام المانحين في العاصمة البلجيكية بروكسل في مايو/أيار 2022، قال وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة إن المبلغ التراكمي للخصومات منذ عام 2019 بلغ 500 مليون دولار.
وبين يوليو/تموز 2021 ومايو/أيار 2022، ذكر بشارة أن الحكومة الإسرائيلية ضاعفت من الخصومات التي تقتطعها من أموال المقاصة، من متوسط 50 مليون شيكل شهريا إلى 100 مليون شيكل.
وتدفع السلطة الفلسطينية شهريا نحو 300 مليون دولار أجورا لنحو 240 ألف مستفيد.
المستهدف بالعقوبات وكيفية المواجهة
وتستهدف توجهات حكومة الاحتلال اليمينية الجديدة الكلَّ الفلسطيني: السلطة والفصائل والشعب، وفق المحلل السياسي سامر عنبتاوي.
وأضاف عنبتاوي للجزيرة نت أن لتوجه السلطة إلى محكمة العدل الدولية لاستصدار فتوى لتعريف الاحتلال، تأثيرا إيجابيا في القدرة أكثر على الذهاب للمحكمة الجنائية الدولية، وتعرية الاحتلال على المستوى العالمي، ودعم حركة مقاطعة إسرائيل، وفرض العقوبات على الاحتلال.
لهذا -يضيف عنبتاوي- قررت دولة الاحتلال مواجهة التحرك الفلسطيني في اتجاهين: الضغط على الشعب من خلال عقوبات اقتصادية وحجز أموال المقاصة، والضغط على السلطة من خلال سحب الامتيازات.
وقال إن الأخطر هو التوجه لفرض عقوبات اقتصادية على الشعب، “وهذا يتطلب موقفا فلسطينيا موحدا، وإعادة بناء الجبهة الداخلية باسترجاع الوحدة الوطنية والبرنامج الموحد، وفضح الممارسات الإسرائيلية”.
ويرى عنبتاوي أنه ما دام هناك عقوبات إسرائيلية، فمن الضروري محاكمة الاحتلال دوليا على اختلاس الأموال الفلسطينية، وفي الوقت ذاته التوجه للتقشف بتوزيع الموازنة وإعادة الهيكلة بحيث تتواءم مع أي ضغوط إسرائيلية، والسعي لتفعيل شبكة الأمان العربية.
وبعد أكثر من عام على تقاضي الموظفين 80% من رواتبهم، أشار المحلل السياسي إلى أن المواطن الفلسطيني لا يستطيع تحمل المزيد من الضغوط، “ولا بد من خطط مواجهة التحديات القادمة”.
وفي ردها على العقوبات الإسرائيلية، تعهدت الرئاسة الفلسطينية على لسان الناطق باسمها نبيل أبو ردينة بمواصلة النضال السياسي والدبلوماسي والقانوني “لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية”.
أما الخارجية الفلسطينية فقالت اليوم السبت -في بيان وصل الجزيرة نت- إنها رغم إجراءات الاحتلال ستواصل قيادة الحراك الدبلوماسي والقانوني الفلسطيني ضد إسرائيل.