الاخبار العاجلةسياسة

“عصر جديد”.. عمليات “صاخبة” للموساد قبل تدمير المفاعل النووي العراقي

القدس المحتلة- تحت عنوان “عصر جديد”، خاضت إسرائيل في السبعينيات ومطلع الثمانينيات حملة خاصة لعرقلة وإحباط المشروع النووي العراقي؛ إذ نفذ جهاز استخباراتها (الموساد) عشرات العمليات السرية في العراق وحول العالم، وشملت تجنيد عملاء عرب وأجانب وعمليات تفجير بغرض منع بناء المفاعل النووي العراقي “تموز”.

وفي تقرير موسّع نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، يستعرض محلل الشؤون الاستخباراتية، يوسي ميلمان، حملة “العصر الجديد” التي قادها نائب رئيس الموساد في حينه، ناحوم أدموني. وتحدثت الصحيفة عن عمليات للموساد في دول أوروبية هدفت إلى إحباط المشروع العراقي، إلا أن تل أبيب قررت قصف وتدمير المفاعل النووي بعد إخفاق حملتها الاستخباراتية.

وكانت البداية في منتصف 1976، حين انفجر مغلف صغير خارج منزل في بلدة بالقرب من العاصمة روما، وبعد دقائق كان هناك طارق على الباب. وفوجئ أفراد العائلة، الذين اعتقدوا أن الشرطة أو الجيران وصلوا، بحضور رجلين أجنبيين (كانا من الموساد)، وطلبا التحدث مع رب الأسرة الذي لم يكن أحد يعلم وظيفته.

لكن الرجلين عرفا أن صاحب البيت عالم نووي يعمل لدى شركة إيطالية تقدم خدمات لشركة الذرّة الفرنسية “براتام”. وأنه شارك في مشروع بناء مفاعل نووي قرب العاصمة العراقية بغداد.

مذكرات نشرتها صحيفة “هآرتس” من حوار مع أحد مسؤولي الموساد الذين تتبعوا بناء المفاعل العراقي قبل تدميره (الجزيرة)

الدبلوماسية السرية والاستخبارات

حاولت إسرائيل باستمرار ثني الفرنسيين عن بناء المفاعل في العراق في السبعينيات. وبالتزامن، لم يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين إسحاق رابين ووزيرا أمنه وخارجيته، عن التحذير من “خطر” هذا المشروع.

استخدمت إسرائيل الوسائل الدبلوماسية السرية والعلنية لثني فرنسا ودول أخرى عن مساعدة صدام حسين في بناء مفاعل نووي، لكن من وراء الكواليس نفذ الموساد عمليات تفجيرية وتجنيد للعملاء لإحباط المخطط العراقي.

غير أن المساعي الدبلوماسية الإسرائيلية لم تنجح، ووفق ما جاء في تفاصيل خطة “عصر جديد”، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 1975، وقّعت فرنسا اتفاقية لتزويد العراق بمفاعلين نوويين.

في البحث عن موقع المفاعل

جرى خلال هذه الحملة تكليف شعبة “تسوميت” في الموساد بتجنيد عملاء، وشارك في الحملة رؤساء بعثات وضباط جمع معلومات وعناصر كثر في الجهاز؛ حيث كان أهارون شيرف يرأس بعثة “تسوميت” في فرنسا.

وأصدر شيرف مؤخرا كتابا بعنوان “رسائل بريد من الموساد”، وتضمن مذكرات يكشف فيه عن كواليس عمله في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي خلال عشرات السنين.

وعن خطة “عصر جديد”، يقول شيرف (85 عاما)، في مقابلة مع ملحق “هآرتس”، “لقد عملنا تحت أنظار الفرنسيين.. وفي مرحلة مبكرة جدا حصلنا على الخرائط والخطط الأولية للمفاعل..”.

لكن هذا لم يكن كافيا، واحتاج الموساد إلى مصادر بشرية مطّلعة وبإمكانها الوصول مباشرة إلى بناء المفاعل، كما قال شيرف. وأضاف أن مصادر كهذه كانت كثيرة، فالشركة الفرنسية التي بنت المفاعل كانت تشغّل بشكل مباشر وغير مباشر مئات التقنيين والمهندسين والفيزيائيين والكيميائيين، واستأجرت خدمات خبراء وشركات أجنبية بينها ألمانية وإيطالية. وبحث الموساد خصوصا عن أشخاص عملوا وزاروا موقع بناء المفاعل.

 

 

تجنيد عرب وأجانب

يقول شيرف “ليس من السهل تجنيد العملاء.. عليك أن تكون مبدعا ولن يضر أن تكون محظوظا أيضا”. وهنا تحدث المسؤول الاستخباري عن “ضابط من دولة عربية مهمة جاء للدراسة في باريس، وعلمنا أنه مسلم ومتدين وقومي، وأن دولته فوق أي شيء بالنسبة له. لكن من جهة أخرى، علمنا أنه وحيد ولا يعرف اللغة المحلية (الفرنسية) وأنه لم يكن مقبولا جدا في مكان عمله. أدركنا نقطة ضعفه”.

اقرأ ايضاً
حاكم كييف: القوات الروسية تسيطر على بلدة سلافوتيتش

ثم فجأة، أصبحت جارته لطيفة معه وتنصحه بالتسوق وتدبير أموره اليومية، وصار يشتري “باغيت” (خبز فرنسي) جيد. ويقول شيرف “من الواضح أنها كانت من قِبلنا (أي عميلة للموساد)”.

وبمرور بعض الوقت، وصل رجل إلى منزل الجارة وعرّف عن نفسه باعتباره ابن عمها من إيطاليا. وفي الواقع، كان ضابط جمع المعلومات الاستخباراتية في الموساد، وقام الاثنان بدعوة الضابط العربي للقاء في الحانة.

يقول شيرف “كنت أراقب اللقاء من الشارع.. الحديث تطور، ودعا عميلا الموساد الضابط العربي لتناول الويسكي الذي شربه بعد معارضته الأولية”.

وباللغة المهنية، يقول شيرف “تسمى عملية الإغواء هذه الكدح، حيث يتم التقليل من قدر الشخص المستهدف للتجنيد ويجري الإيقاع به تدريجيا بالابتزاز والتهديد.. ولكن بدلا من ذلك، يتم تقديم عروض له من الصعب رفضها سواء بالإغراء المالي، والعناية به وبعائلته، والأهم محاولة عدم إخباره بأن محاوريه إسرائيليون”.

ويعتبر المسؤول الإسرائيلي تجنيد هذا الضابط العربي، الذي تقدم في مسار مسيرته العسكرية في بلاده، أحد أبرز إنجازات مندوب الموساد في فرنسا. وقال “أقنعناه بأن المعلومات تهمنا من أجل السلم العالمي، حيث قام بتزويدنا -طوال 20 عاما وبعد ترقيته في الرتب العسكرية- بمعلومات من دون أن يعلم أنه يعمل لصالحنا”.

وكذلك الأمر بالنسبة لعملية تجنيد ذلك المهندس النووي الإيطالي الذي استهدف باب منزله بمغلف متفجر، حيث أقنعه عميلا الموساد بتزويدهما بمعلومات حول المفاعل العراقي، وفق ما كشف شيرف في مذكراته.

مدونات - مناحيم بيغن
مع تقدم بناء المفاعل العراقي، أوعز مناحيم بيغن بسلسلة إجراءات “صاخبة” تمثلت في عمليات اغتيال وتفجير (مواقع التواصل)

إجراءات “صاخبة”

رغم حملة “عصر جديد” الاستخباراتية الإسرائيلية، استمر تقدم بناء المفاعل النووي العراقي. وفي أوائل الثمانينيات، أدركت إسرائيل أن التهديدات والتحذيرات لم تمنع صدام حسين من الاقتراب من بناء المفاعل النووي.

وعليه، أوعز رئيس الوزراء مناحيم بيغن إلى الموساد بالتحول إلى الإجراءات المضادة “الصاخبة”، وتنفيذ عمليات تفجيرية واغتيالات لعلماء من أجل منع استمرار بناء المفاعل.

وتضمنت الجهود الاستخباراتية والعملياتية التي نفذها الموساد، وفق ما نشرته وسائل إعلام أجنبية في حينه، عمليات تخريب في المعدات التي كان من المفترض أن توفرها فرنسا لبناء المفاعل العراقي.

وأتضح أنه في السادس من أبريل/نيسان 1979، فجّر الموساد مخازن تابعة لشركة فرنسية متخصصة بإنتاج قطع لسفن ومفاعلات نووية باسم “سي إن آي إم” (CNIM) في بلدة “لا سين سور مور” قرب طولون على شاطئ البحر المتوسط.

وسبق العملية حضور رئيس الموساد حينها، إسحاق حوفي، إلى فرنسا متنكرا بهوية وهمية من أجل متابعة العملية عن كثب. ولكن، اتضح لاحقا أن القطع المخصصة للمفاعل النووي العراقي لم تتضرر من جراء التفجير، وتم إصلاحها ونقلها إلى بغداد.

ومن بين العمليات التي نفذها الموساد، اغتيال المهندس المصري يحيى المشد، في غرفته بفندق “المريديان” في باريس، في 14 يونيو/حزيران 1980، بزعم أنه أحد المسؤولين في خطة بناء المفاعل العراقي. ونفذ الاغتيال عناصر من وحدة “كيدون” المسؤولة عن الاغتيالات في الموساد.

بعد سنوات من العمل الاستخباري لمنع بناء “مفاعل تموز” قررت إسرائيل قصفه عام 1981 (الفرنسية)

قصف المفاعل

في النهاية، يلخص شيرف مذكراته بشأن حملة “عصر جديد” قائلا ” في بداية 1981، كان واضحا للإسرائيليين أن الحملة الاستخباراتية وعمليات الموساد التفجيرية والاغتيالات لا تمنع تقدم بناء المفاعل النووي العراقي الذي شارف على الانتهاء”.

وعندها، “قام نائب رئيس الموساد بإبلاغ رئيس الوزراء بيغن أن هجوما عسكريا بإمكانه فقط القضاء على البرنامج النووي العراقي”. وفي يونيو/حزيران 1981 قصفت طائرات حربية إسرائيلية المفاعل النووي “تموز” ودمرته.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى