طالب بمحاكمته.. أفغاني من ولاية هلمند يروي للجزيرة نت قصة فقدان عائلته في قصف شارك به الأمير هاري
كابل- كانت عائلة الأفغاني عبد الواجد خان قد أنهت عشاءها للتو في منزلها الواقع بالقرية السفلى في مديرية غريشك بولاية هلمند جنوبي أفغانستان عندما هاجمتها طائرات بريطانية عام 2013، وأدت إلى مقتل معظم أفرادها وإصابة الباقين.
بعد 10 سنوات على الحادثة يجلس خان (52 عاما) مع ابنه عبد الجليل الوحيد الباقي من المجزرة وكان عمره حينها 3 سنوات.
وروى الأب -وهو يقلب صور 7 أفراد من عائلته هم زوجته وابنته و5 أبناء ذكور- للجزيرة نت قصة استهداف منزله.
يقول خان إن الدبابات البريطانية والقوات الأفغانية السابقة جاءت ظهرا من مديرية سنغين المجاورة، وخلال تحركها انفجرت عبوات ناسفة مزروعة على جانبي الطريق، وبعدها قامت طائرات بقصف القرية السفلى في مديرية كريشك، مما دفع الأهالي للهروب “ومعظمهم كانوا أقربائي”.
وأضاف “عندما جلسنا للعشاء سمعنا أزيز الطائرات من جديد، وبعد قليل تعرض منزلي للقصف وفقدت زوجتي وأبنائي في لمح البصر، وفي الصباح أصدرت القوات البريطانية بيانا قالت فيه إن الأمير هاري أكمل مهمته العسكرية بامتياز”.
بعد تصريحات الأمير هاري بشأن مشاركته في الحرب على أفغانستان يطالب عبد الواجد خان محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في نتائج عمليات القوات البريطانية بولاية هلمند، كما يطالب المملكة المتحدة بالتعويض والاعتذار للأفغان من ذوي الضحايا الذين سقطوا في عملياتها العسكرية.
ويقول خان للجزيرة نت “على المحكمة الدولية أن تنصفنا، الأمير هاري قتل مدنيين عزلا، ولم يكن بيننا أي من مقاتلي طالبان، لا أعرف كيف يبرر هاري فعلته، ثم ما الذي جعله يذكرنا بمآسينا بعد 10 سنوات؟”.
ويطالب المسؤولون المحليون في ولاية هلمند المحاكم الدولية بالتحقيق في “جرائم حرب” يقولون إن القوات البريطانية ارتكبتها خلال وجودها في أفغانستان.
كما يطالب عدد من أهالي الولاية الواقعة جنوب البلاد بريطانيا بدفع تعويضات مالية “لتورط الأمير هاري والقوات البريطانية” في مقتل أفغان أثناء مهمتهم في ولاية هلمند تحديدا.
مهام سرية وبالأباتشي
أثارت تصريحات الأمير هاري بشأن مشاركته مرتين في حرب أفغانستان استياء وغضب الجيش البريطاني، وهو ما قد يجعله هدفا لمنظمات “إرهابية”، وفقا لتصريحات مسؤولين بريطانيين.
وشارك الأمير هاري في مهمة سرية بأفغانستان استمرت 10 أسابيع في عام 2008، ولكن عندما تسرب الخبر إلى وسائل الإعلام أعادته وزارة الدفاع البريطانية إلى المملكة المتحدة لأسباب أمنية.
وجاء هاري إلى أفغانستان مرتين، الأولى بين عامي 2007 و2008، والأخرى بين عامي 2012 و2013، وقال في مذكراته تحت عنوان “Spare” أو “الاحتياطي” إنه قام بالتحليق عندما كان طيارا لمروحية من طراز أباتشي في 6 مهام عسكرية في ولاية هلمند جنوبي أفغانستان.
“ذئب مخمور”
بدوره، يقول المتحدث السابق باسم وزارة الدفاع الأفغانية دولت وزيري للجزيرة نت إن الأمير هاري “كان طيارا لطائرة من طراز أباتشي، وأي شخص شاهد الأباتشي في أفغانستان يعرف أنها آلة قتل ضخمة، من كان يقودها لا بد أنه قتل أشخاصا، لأن هذه الآلة صنعت للقتل”.
من ناحيته، وصف زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار الأمير هاري بأنه “ذئب مخمور”.
وقال حكمتيار للجزيرة نت إنه “جاء لمطاردة الأفغان الأبرياء، وفعل في ولاية هلمند ما يندى له جبين الإنسانية، والأدهى من ذلك أنه يعترف بعمله الشنيع”.
“يستمتعون بإراقة دم الأفغان”
وتتفق الحكومة الأفغانية الحالية -التي تقودها طالبان- وأهالي ولاية هلمند بتورط الأمير هاري في مقتل أبنائهم.
ويقول المسؤولون إن جميع الضحايا كانوا من المدنيين، وعندما راجعت اللجنة العسكرية في “الإمارة الإسلامية” (حركة طالبان) في تلك الفترة لم تجد أن مسلحيها قتلوا في غارة جوية كما أعلنت القوات البريطانية حينها.
ويقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد للجزيرة نت “نطالب بتحقيق دولي في جرائم الحرب بأفغانستان، فاعتراف هاري بارتكابه هذه الجريمة يظهر الوجه الحقيقي للغرب وجيوشه الغازية”.
وأضاف أن “بريطانيا ودولا أوروبية تتشدق بحقوق الإنسان والعدالة، وعندما يتعلق الأمر بالعالم الثالث لا نسمع أي مبادرة أو تعاطف”.
ويقول مجاهد إن “هاري وأمثاله يستمتعون بإراقة دماء الأفغان، وعندما ترى القرى والأرياف الأفغانية في ولاية هلمند ستعرف معنى سياسة الأرض المحروقة”.
عقبات أمام التحقيق الدولي
يرى محللون سياسيون وخبراء قانون أن المطالبة بتحقيق دولي في جرائم الحرب بأفغانستان كانت مسؤولية الحكومات الأفغانية السابقة، وأنها كانت تعرف مجريات الأمور بأدق تفاصيلها، خاصة ما حصل في 3 مديريات، وهي “مارجة وسنغين وموسى قلعة” في ولاية هلمند.
ويقول الباحث الإستراتيجي طارق فرهادي للجزيرة نت “ستقول المملكة المتحدة أمام المحكمة -إن عُقدت- إن الحكومة الأفغانية السابقة كانت شريكة معنا ولم تطالب بأي شيء، وهذا معناه أنها كانت موافقة على كل قامت به القوات البريطانية في أفغانستان”.
وأثارت تصريحات الأمير هاري سخطا في أوساط الأفغان، وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي اعترافاته بمقتل 25 أفغانيا، واعتبروا تصريحاته “ذرا للملح على الجراح”، وقال عدد آخر إنه اعترف بفعلته.
وطالب البعض حركة طالبان بـ”تعلم الدرس” و”الاعتراف باستهداف وقتل المدنيين أثناء هجماتها الانتحارية في عموم أفغانستان”، وهو ما يضع عقبات كبيرة أمام رفع الدعوى على المملكة المتحدة والأمير هاري في محكمة الجنايات الدولية.
ويقول الباحث الأفغاني في القانون الدولي عبد الستار سعادت للجزيرة نت “لا أعتقد أن المحكمة الدولية ستسمع من طالبان وتقبل ملفا بهذا الخصوص، وهي متهمة في أمور كثيرة من قبل المحكمة”.
وإضافة إلى ذلك، يذكر سعادت أن “وزيري الداخلية يونس قانوني والخارجية عبد الله عبد الله في حكومة كرزاي الأولى وقعا مع القوات الأجنبية -خاصة الأميركية- اتفاقية الحصانة القضائية، لذا فالولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تترك ثغرة في حربها بأفغانستان إلا وجدت لها حلا”.
لكن أهم عقبة رئيسية أمام نقل الدعوى ضد الأمير هاري وبريطانيا إلى المحاكم الدولية -حسب الباحث في القانون الدولي- هي عدم الاعتراف بحكومة طالبان، لذا لن يتم التعامل معها من أي مؤسسة دولية.
بريطانيا في أفغانستان
تعود حروب بريطانيا الأولى في أفغانستان إلى عام 1839، حيث هاجمت قواتها لأول مرة ولاية قندهار وسيطرت عليها، ثم توجهت إلى كابل ومدينة جلال آباد، وسيطرت عليها لمدة 3 سنوات قبل الانسحاب عام 1842 إلى الهند.
وبعد 36 سنة بدأت الحرب الأفغانية البريطانية الثانية عام 1878، ثم وقّعت القوات الإنجليزية اتفاقية مع الأمير عبد الرحمن، وبعد 3 سنوات انسحبت إلى الهند مرة أخرى.
وجاءت الحرب الثالثة في عهد الأمير أمان الله الذي رفض اتفاقية جده مع البريطانيين وأعلن الحرب عليهم، وقامت القوات البريطانية بقصف مدينة جلال آباد شرقي أفغانستان، فاضطر الأمير إلى الجلوس مع البريطانيين، وفي عام 1919 حصلت أفغانستان على استقلالها وفق اتفاقية روالبندي.
وبعد بدء الحرب على أفغانستان عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 استقرت القوات البريطانية عام 2006 جنوبي البلاد، خاصة في ولاية هلمند.