مظاهرات الذكرى 11 للثورة التونسية.. رسائل ملحة في بريد المعارضة وقيس سعيد
تونس- رغم أنها متفقة على تشخيص الوضع السياسي وتربط الخروج من الأزمة التونسية برحيل الرئيس قيس سعيد، فإن أحزاب المعارضة التي نزلت بثقلها للتظاهر في العاصمة تونس في ذكرى مرور 11 عاما على الثورة ما تزال تبحث عن توحيد صفوفها.
وخرج آلاف من التونسيين ينتمون إلى جبهة الخلاص المعارِضة -حركة النهضة الإسلامية حزب الأغلبية السابق وخصمها الأيديولوجي الحزب الدستوري الحر- وأحزاب وسطية ومنظمات، في مظاهرات بأماكن متفرقة لكن أكبرها كان وسط العاصمة.
وبينما منعت الشرطة الحزب الدستوري الحر سليل النظام السابق من التقدم بمسيرته نحو القصر الرئاسي بقرطاج، تمكنت جبهة الخلاص وأكبر مكوناتها حركة النهضة من كسر الحاجز الأمني للوصول لشارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة تونس.
ومع أن هذه التحركات الاحتجاجية المتفجرة وسط أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، لم تلتحم في مظاهرة موحدة، فإن رسائلها كانت متفقة على أن الوضع بالبلاد أصبح أكثر تأزما بعد عام ونصف العام من مسك قيس سعيد بكل السلط بيديه.
عد تنازلي
يقول عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري أحد الأحزاب الوسطية المعارضة للرئيس قيس سعيد للجزيرة نت، إن جميع مكونات الطيف السياسي تظاهرت في أماكن مختلفة لكنها موحدة ومتمسكة بقيم الثورة ومبادئها ضد ما اعتبره انقلابا.
وبالنسبة إليه فقد وجهت مختلف الأحزاب رسالة موحدة خلال تظاهرها اليوم وهي “اتفاقها على ضرورة بداية العد التنازلي لمسار الانقلاب الذي طال أكثر من اللازم”، مؤكدا أن تظاهر مختلف القوى في يوم واحد رسالة لتنسيق جهودها لوضع حد للأزمة.
ويقول “نوجه رسالة لكل القوى السياسية بهدف التوحد ضد مسار الانقلاب لاسترجاع الديمقراطية وإنقاذ البلاد”، مبرزا أن توحيد جهود المعارضة في جبهة واحدة لا يعني إقامة تحالف انتخابي وإنما الابتعاد عن الخلافات والانقسامات السابقة.
ويرى أن الرئيس فشل فشلا ذريعا في إدارة البلاد جراء تعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتدهور كل المؤشرات، معتبرا أن ما يسوق له الرئيس من إحداث شركات أهلية أو استرجاع أموال منهوبة في إطار الصلح الجزائي مجرد بيع للأوهام.
طاولة الحوار
بدورها، تقول النائبة السابقة والقيادية بحركة النهضة وعضو جبهة الخلاص يمينة الزغلامي إن احتجاجات أحزاب المعارضة ولو بمربعات مختلفة بالعاصمة في ذكرى الثورة يعكس اتفاقها على تشخيص الوضع المتردي نتيجة ما اعتبرته فشلا للرئيس.
وتؤكد للجزيرة نت أن الوقت قد حان لجلوس المعارضة على طاولة الحوار لمناقشة البديل للرئيس في إطار الديمقراطية وليس عن طريق الفوضى، معتبرة أن الرسالة البارزة خلال مظاهرات اليوم هي ضرورة توحد المعارضة لوقف هذا العبث.
وتعتبر حركة النهضة أكبر المتضررين من الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز 2021 باعتبارها كانت طرفا رئيسيا في الحكم بعد الثورة في 14 يناير/كانون الثاني سنة 2011 وصاحبة أغلب مقاعد البرلمان المنحل.
ويحمّل قيس سعيد حركة النهضة وشركاءها في الحكم والأحزاب المتحالفة معها مسؤولية تردي الأوضاع طيلة العشرية الماضية، ويتهمها تارة بالخيانة وأخرى بالفساد، فيما بات قادة من حركة النهضة تحت طائلة ملاحقات قضائية بتهم عدة.
وتقول الزغلامي إن الرئيس لم يحقق أي إنجاز ما عدا بيع الأوهام للشعب الذي يعاني من الغلاء الفاحش وندرة المواد الأساسية ومن قمع الحريات، مؤكدة أن التحركات الاحتجاجية السلمية ستستمر بأشكال مختلفة في الفترات المقبلة بلا هوادة.
تحركات مقبلة
من جانبه، يقول رمضان بن عمر الناطق بسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن الوضع السياسي غير المستقر خلق حالة من القلق لدى كافة الفئات السياسية والاجتماعية التي ستستمر في تحركاتها الاحتجاجية لحين استرجاع حقوقها.
ويضيف للجزيرة نت أنه رغم عدم اتساع الرقعة الجغرافية للاحتجاجات أو ضعف قدرتها التعبوية فإنها تعطي مؤشرا على أن المسار الذي ذهبت فيه البلاد بعد 25 يوليو/تموز 2021 هو نفس المسار السابق عكس ما روج له الرئيس بأنه قطيعة مع الماضي.
ويؤكد أن قيس سعيد حافظ على نفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة سابقا وحافظ على مصالح اللوبيات الاقتصادية المسيطرة على الاقتصاد الوطني من خلال تعزيز نفوذها ومكتسباتها ضمن بنود قانون المالية 2023.
ويرى أن الرئيس يقدم وعودا زائفة للناس من خلال التسويق لإحداث الشركات الأهلية التي ستستغل أراضي الدولة، منتقدا مسار الصلح الجزائي الذي يسعى لتطبيقه لاسترجاع الأموال المنهوبة ممن تورطوا في الفساد لأنه يقفز على مسار العدالة الانتقالية.
ويقول “الصلح الجزائي الذي يقدمه الرئيس قفز على العدالة الانتقالية وعلى مسار المحاسبة ويفتح باب الصفقات مع الفاسدين”، معتبرا أن البلاد ستنزلق في مربعات الفوضى في ظل غياب أي رؤية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة.
ويضيف “اليوم نحن في أخطر مرحلة من تاريخ تونس الحديث بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية غير المسبوقة. ومن الواضح أن المؤشرات الاقتصادية تتجه نحو الانهيار وليس مستبعدا أن تمر تونس بهزات اجتماعية عنيفة وتسقط في الفوضى”.
تصحيح مسار
من جهة أخرى، لم تخرج الأحزاب السياسية المؤيدة للتدابير الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس في 25 يوليو/تموز 2021 خلال ذكرى إحياء الثورة، معلنة رفضها للتقييمات التي تقدمها الأحزاب المعارضة بشأن الوضع السياسي العام في البلاد.
ويقول الأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي إنه لا يتفق مع الأطراف التي ترى أن ما حصل في تونس هو انقلاب، معتبرا أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد قبل عام ونصف العام تندرج ضمن تصحيح مسار الثورة “بعد 10 سنوات من الخراب”.
ويقر حمدي بوجود نقائص تشوب مسار 25 يوليو/تموز لكنه يؤكد أنه لا يوجد خيار آخر خارج هذا المسار لتصحيح بوصلة الثورة، مؤكدا أن البلاد ستشهد جملة من الإصلاحات بعد تركيز (بدء عمل) البرلمان المقبل، وعلى رأسها الملف الاقتصادي والاجتماعي.