جهود لإنشاء محكمة خاصة.. هل تنجح أوروبا في ملاحقة موسكو بتهمة “جرائم الحرب”؟
لندن/موسكو – من المقرر أن يصوت أعضاء البرلمان الأوروبي غدا الخميس على مقترح تشكيل محكمة خاصة للنظر فيما وصف بـ”جرائم الحرب” التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا، وذلك بعد مناقشة آفاق تشكيل هذه المحكمة مع المفوضية الأوروبية في ستراسبورغ أمس الثلاثاء.
وفي مايو/أيار الماضي، تبنى الاتحاد الأوروبي قرارا دعا فيه إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لدعم محاكمة النظامين الروسي والبيلاروسي على “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية والعدوان” ضد أوكرانيا. ودعا القرار حينها للتحقيق مع جميع أفراد القوات المسلحة الروسية والمسؤولين الحكوميين “المتورطين في جرائم حرب” ومحاكمتهم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اعتبر البرلمان الأوروبي روسيا دولة “مروّجة للإرهاب وتستخدم وسائل إرهابية”. وأكّد أعضاء البرلمان الأوروبي على وجود حاجة لإطار قانوني أوروبي يمكّن من تصنيف الدول رسميا على أنها “راعية للإرهاب”، داعين إلى النظر في إضافة روسيا إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب.
دون قيمة قانونية
من وجهة نظر رئيس نقابة المحامين العرب في بريطانيا صباح المختار، فإن المحاكم الدولية لكي تكتسب الشرعية القانونية “يجب أن تمر عبر الأمم المتحدة”، مضيفا أن بإمكان أي دولة أو تكتل إنشاء محاكم خاصة، “وهذا حدث مثلا من خلال إطلاق محاكم خاصة لملاحقة جورج بوش وتوني بلير على الجرائم المقترفة في العراق، لكن لم يكن لها أي شرعية قانونية”.
ويميّز الخبير في القانون الدولي بين نوعين من المحاكم: المحاكم الداخلية التي يتم إنشاؤها حسب قوانين كل دولة، ثم المحاكم الدولية وهذه يتم إنشاؤها بقرار صادر عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة، “وهناك محاكم موجودة حاليا للبت في جرائم الحرب”.
ويصف صباح المختار، في حديث للجزيرة نت، التوجه الأوروبي لإنشاء محكمة خاصة بروسيا بأنه “قرار سياسي”، مضيفا أن المحكمة الجنائية الدولية هي صاحبة صلاحيات متابعة الأشخاص بتهمة ارتكاب جرائم الحرب. “وحتى لو ذهب الملف للجنائية الدولية، فأوروبا تعلم أنه لا يمكن ملاحقة الدول لأن الدولة لها حصانة وسيادة، ولكن يمكن متابعة الأشخاص مثل قادة عسكريين أو مسؤولين كبار في روسيا”.
واستشهد المحامي البريطاني بالقرارات التي تصدرها المحاكم الأميركية ضد شخصيات في إيران، “في النهاية تبقى هذه القرارات ملزمة داخل الأراضي الأميركية وليس لها أي قوة قانونية دولية”، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي يريد من هذه الخطوة “الإدانة الرمزية لروسيا وممارسة المزيد من الضغط عليها وعلى مسؤوليها، وإدخالها في معارك قانونية قد تستمر لسنوات وربما عقود”.
خطوة سياسية
يتفق أستاذ القانون في جامعة لندن مازن المصري مع قراءة صباح المختار للخطوة الأوروبية، ويصفها بأنها “سياسية أكثر من كونها قانونية”، معللا ذلك بالمسار الذي تمر به المحاكم الخاصة التي ينص القانون الدولي على وجوب مرورها “عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهذا معمول به منذ الحرب العالمية الثانية”.
وفي حديثه للجزيرة نت، فسّر الخبير القانوني التوجه الأوروبي بكون “القادة الأوروبيين يعلمون أنه من المستحيل تمرير قرار إنشاء محكمة خاصة بالحرب في أوكرانيا بالنظر لوجود روسيا في مجلس الأمن حيث ستفشل أي قرار بحق النقض (الفيتو)، ثم هناك احتمال كبير بألا يحظى القرار بإجماع كبير في الجمعية العامة”.
وأكد المصري أن القرار له “شرعية سياسية وليست قانونية، ويهدف للمزيد من الضغط على روسيا، لأن مشروعية أي قرار قد تتخذه هذه المحاكم أو أي قرار إدانة لن يكون له أثر فعلي في العالم، وإنما قد ينحصر تأثيره في الغرب فقط”.
وحول السبب الذي يمنع أوروبا من اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، يقول المصري إن “روسيا وأوكرانيا ليستا عضوتين في المحكمة، وقد تنضم إليها أوكرانيا، إلا أنها قد تجد نفسها أيضا موضع اتهام إذا ثبت تورطها في انتهاكات حقوقية في الحرب الدائرة حاليا”، وخلص إلى أن المعركة القانونية لإدانة روسيا “هي معركة معقدة وقد تستمر لسنوات طويلة”.
تكريس حالة الطلاق
وبينما يناقش الاتحاد الأوروبي آفاق تشكيل المحكمة الخاصة، أحال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مجلس الدوما (البرلمان) مشروع قانون يفسخ الاتفاقات المبرمة مع مجلس أوروبا؛ مما يعني تكريس حالة “الطلاق” بين الجانبين، وتمهيدا لأكبر قطيعة امتدت إلى الاتفاقيات بينهما.
وكانت موسكو انسحبت في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (المعروفة أيضًا باسم محكمة ستراسبورغ)، التي تعتبر قراراتها وأحكامها نهائية وملزمة لجميع الدول الأعضاء، بل في بعض الأحيان تضطر حكومات بعض الدول لإجراء تغييرات على تشريعاتها لتتوافق معها.
ولم تشكل روسيا سابقا استئناءً من القاعدة؛ إذ بدأت محكمة ستراسبورغ عام 1998 في النظر في القضايا المتعلقة بروسيا عندما صادقت الأخيرة على الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وخلال ذلك، أصدرت المحكمة 24 قرارا ضد روسيا. أما الآن، فلا تقبل الشكاوى الجديدة حول الأحداث التي وقعت بعد 16 سبتمبر/أيلول (تاريخ انسحاب موسكو من الاتفاقية). ومع ذلك، لن ترفض قبول طلبات التحقيق في الانتهاكات المرتكبة قبل هذا التاريخ، وستواصل مراقبة تنفيذ الأحكام السابقة.
مجابهة “في مصلحة روسيا”
ازدادت الانتقادات الروسية للمحكمة خلال أزمة إقليم دونباس، حيث تؤكد أن سكانها قدموا آلاف الشكاوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لكنهم لم يتلقوا أي قرار.
أما المحكمة الخاصة المنوي تشكيلها لمحاكمة روسيا على اتهامات بارتكاب جرائم حرب، فيقلل خبراء روس من أهمية تشكيلها ومن تأثيراتها. وحسب آرائهم، فهي مسيسة ولن تكون قراراتها ملزمة للجانب الروسي في كل الأحوال.
ويشير الخبير في العلاقات الدولية دميتري بابيتش إلى أن “المحكمة المفترضة، حتى من حيث تسميتها، تظهر عدم توازنها، إذ تنطلق من مسألة جدلية وليست محسومة بما يخص الاتهامات لروسيا بارتكاب جرائم حرب، في المقابل تجاهلت، قبل الحرب في أوكرانيا، وما زالت لحد الآن، فكرة محاسبة كييف على الجرائم التي ارتكبتها في دونباس”.
ويضيف بابيتش للجزيرة نت “تم تسجيل آلاف الجرائم في دونباس، كالإبادة الجماعية واستخدام السخرة والسجن غير القانوني والقتل العمد واستخدام المدنيين دروعا بشرية، ولم يتم اتخاذ أي قرارات ملموسة”، لأن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية -حسب كلامه- “هياكل مسيَّسة” و”تتشارك مع الغرب في تأجيج المشاعر المعادية للروس”.
وحسب رأيه، فإن التصادم في التوقيت بين نية الاتحاد الأوربي تشكيل هذه المحكمة، وعزم مجلس الدوما نقاش فسخ الاتفاقات المبرمة مع مجلس أوروبا، يعني أن أية قرارات ستتخذها المحكمة المنوي تأسيسها لن يكون لها أية قوة قانونية.
بدوره، يوضح الخبير الروسي في القانون الدولي فلاديمير مكسيموف أن روسيا تعتبر ولايتها القضائية فوق الولاية الأوروبية، وعليه فإن قرار المحكمة المفترضة سيكون استشاريا بأفضل الأحوال، ولن تكون له تداعيات وارتدادات تذكر على روسيا كدولة أو مسؤولين.
ويتابع أن الوصول إلى “مجابهة قانونية” مع الاتحاد الأوروبي سيكون في مصلحة الدعاية الروسية، لما تملكه موسكو من ملفات مضادة ضد مسؤولين كبار في حلف شمال الأطلسي “ناتو (NATO) وغيرها من المؤسسات الأوروبية، تتعلق بالتستر على الانتهاكات التي ارتكبت ضد الناطقين بالروسية في أوكرانيا، وارتكاب جرائم حرب عديدة في الشرق الأوسط وغيره من مناطق العالم.