تزوير أعمار لاعبي كرة القدم.. نجوم بارزون سقطوا في المحظور وفضائح هزت عرش اللعبة
اكتسح شغف كرة القدم قلوب الملايين من الناس عبر السنين في العالم أجمع وما زال، وذلك بفضل ما تختزله هذه الرياضة لدى شعوب كثيرة من رمزية تاريخية ووطنية أحيانا، وما ترسخه من مبادئ إنسانية سامية من قبيل احترام قيم التنافس الشريف والروح الرياضية.
بيد أن الصورة المشرقة لهذه الرياضة الشعبية لم تخلُ من شوائب خارجة عن سياق الأخلاق الرياضية كدرت صفو محبيها وأفسدت جوهرها، ومنها التلاعب بنتائج المباريات وتقديم الرشاوى داخل الهيئات المحلية والقارية، وأيضا -وبشكل خاص- تزوير أعمار اللاعبين بغرض زيادة حظوظهم في التألق والنجاح الكروي.
وقد سُجل آخر فصول مسلسل التزوير هذا مطلع يناير/كانون الثاني الجاري بعد أن أعلن الاتحاد الكاميروني لكرة القدم استبعاد 32 لاعبا من منتخبه لأقل من 17 سنة، بعد ثبوت تزويرهم لأعمارهم نتيجة فحوصات أجريت بالرنين المغناطيسي.
وجاء هذا الكشف بعد أن فرض نجم الكرة الكاميرونية السابق ورئيس الاتحاد الحالي صامويل إيتو على جميع اللاعبين الذين تم استدعاؤهم لتمثيل منتخب بلاده في بطولة أفريقيا للاعبين المحليين (شان) المقامة حاليا في الجزائر، اختبارا خاصا للعمر.
مأزق حقيقي
ووضعت هذه الفضيحة الجديدة للكرة الأفريقية مدرب المنتخب الكاميروني في مأزق حقيقي قبل أيام من انطلاق البطولة، وجعلته يسابق الزمن من أجل إيجاد بدائل مؤهلة لخوض التظاهرة.
وقد خضع جميع اللاعبين الذين تم استدعاؤهم لفحوص طبية حديثة على مستوى الرسغين وقياس نمو العظام، حيث يتم الكشف عن عمرهم الحقيقي من خلال بعض العظام التي لا تنمو إلا في سن معينة ويستحيل أن تظهر قبل هذه السن.
وسبق لمنتخب “الأسود غير المروضة” أن توج بلقب أفريقيا في هذه الفئة السنية في مناسبتين، وفي دورة 2017 تم منع 17 لاعبا كاميرونيا من خوض المنافسة بعد فشلهم في اختبار الفحوص بالرنين المغناطيسي. كما تعرضت الكاميرون لانتقادات لاذعة من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) بسبب رفضها كشف قائمة لاعبي منتخب أقل من 20 سنة و17 سنة.
ونشبت أزمة حقيقية بين الاتحادين الكاميروني والمغربي عام 2019، بعد أن اتهم الأخير المسؤولين الكاميرونيين بتزوير أعمار اللاعبين ورفع شكوى لدى الكاف يطالبه فيها بالتحقيق في أعمارهم مباشرة بعد مباراة جمعت المنتخبين في نهائيات كأس أفريقيا لأقل من 17 سنة بتنزانيا.
وقائع مماثلة
ولا تعد واقعة تزوير 32 لاعبا كاميرونيا لأعمارهم الأولى من نوعها التي تعرفها ملاعب الساحرة المستديرة في القارة الأفريقية، بل إن حوادث عديدة شهدتها خلال محطات مختلفة.
من أشهرها استبعاد منتخب غينيا من منافسات كأس أفريقيا لأقل من 17 سنة عام 2019 بعد ثبوت تزوير أعمار لاعبيْن في المجموعة.
وقبل ذلك بسنوات، وتحديدا عام 1989، حظر الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) نيجيريا من منافسات الفئات العمرية بعد اكتشاف أن تواريخ ميلاد 3 من لاعبيها في أولمبياد 1988 كانت مختلفة عن تلك التي استخدمها اللاعبون أنفسهم في منافسات سابقة.
ومؤخرا، انسحب المنتخب الموريتاني في أغسطس/آب الماضي من بطولة غرب أفريقيا لأقل من 15 سنة، بعد ساعات فقط من هزيمته في مباراة أمام منتخب سيراليون بـ6 أهداف نظيفة، متهما خصمه بالتباري بلاعبين أكبر سنا من الفئة المحددة.
وأصدر الاتحاد الموريتاني -الذي شارك رفقة 3 منتخبات أخرى في البطولة هي السنغال وليبيريا وسيراليون- بيانا شدد فيه على أن انسحاب البراعم جاء حفاظا على سلامتهم، نظرا لكونه حصل على “معلومات مؤكدة توحي بأن بعض اللاعبين المشاركين في البطولة هم فوق السن المطلوبة”.
رد صارم
وبهدف الحد من هذه الظاهرة في بطولات الفئات العمرية، قرر الاتحاد الأفريقي لكرة القدم رسميا في أغسطس/آب الماضي الاستعانة بفحص التصوير بالرنين المغناطيسي، وذلك بداية من كأس أمم أفريقيا تحت 23 سنة التي ستقام بالمغرب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والتي ستكون مؤهلة إلى ألعاب باريس الأولمبية في 2024.
وكشفت تقارير صحفية كاميرونية، أن اللجنة التنفيذية للكاف تسعى لمواجهة هذه الظاهرة بشكل صارم من خلال تطبيق هذا الفحص بأعلى معايير، خصوصا أن البطولة ستكون مؤهلة إلى الأولمبياد.
ويسهم الاختبار بالرنين المغناطيسي في تحديد السن الحقيقية للاعبين، من خلال اختبار يجرى على العظام، وبعد ذلك سيتحقق الكاف مما إذا كان العمر البيولوجي لكل لاعب هو نفسه الذي قدمته الاتحادات المحلية في القوائم الرسمية.
وسيعتمد الاتحاد القاري هذه التقنية برغم تشكيك بعض التقارير المختصة في مدى دقتها علميا وقدرتها على رصد أعمار اللاعبين، ومنها تقرير صادر في أغسطس/آب 2016 عن مجلة “ساينتيفيك أميركان” (Scientific American) الأميركية المختصة بتحديد أعمار لاعبي كرة القدم بدقة عبر هذه الآلية.
تلاعب عابر للقارات
بالرغم من تسجيل حالات تزوير عدة في القارة السمراء، فإن التلاعب بأعمار اللاعبين ظاهرة لا تقتصر على الكرة الأفريقية فحسب بل سجلت حالات تزوير عدة في العديد من بلدان العالم وفي المنطقة العربية.
كما تورط نجوم معروفون في هذه الممارسة المخلة، آخرهم النجم الألماني -ذو الأصول الكاميرونية- يوسوفا موكوكو الذي طفت قضيته إلى السطح مؤخرا بعد أن حامت شكوك حول سنه الحقيقية.
وحسب صحيفة ديلي ميل (Daily Mail) البريطانية، فإن عددا من الأندية الإنجليزية أصبحت “مترددة” في التعاقد مع موكوكو، نجم فريق بوروسيا دورتموند، بعد ورود تقارير عن كونه واحدا من اللاعبين الذين يحتمل أن تكون أعمارهم قد زُورت.
وانتقل موكوكو -الذي خطف الأنظار مع فريق دورتموند وحمل ألوان منتخب “المانشافت”- إلى ألمانيا وعمره 14 عاما قبل أن تتبناه عائلة ألمانية.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصادر إعلامية ألمانية ونمساوية تشكيكها في كون عمر اللاعب 18 سنة كما هو مدون في الوثائق الرسمية في ناديه دورتموند ولدى الاتحاد الألماني للعبة، وأن عمره الحقيقي 22 عاما.
وتزعم التقارير نفسها أنه تم العثور على شهادة ميلاد تعود إلى عام 2000، وتحمل اسم يوسوفو محمدو، وأرسلها والد موكوكو بالتبني للصحافة، ويقول إنها تعود للاعب فعلا.
نجوم وتزوير
من ناحية أخرى، استعرض موقع “كروناكي دي سبولياتويو” الإيطالي، في تقرير له نشر في مايو/أيار 2020 أسماء نجوم بارزين اتُّهموا بالتلاعب في تواريخ ميلادهم الحقيقية، زيادة ونقصانا، من أشهرهم هداف المنتخب الكولومبي راداميل فالكاو، ونجم الكرة الغانية السابق عبيدي بيليه.
فالكاو
يقول الموقع إن النجم الكولومبي لاحقته في فترة سابقة شبهات حول عمره الحقيقي، وهو ما جعله يرسل شهادة ميلاده إلى صحيفة “إل تييمبو” (El Tiempo) الإسبانية، من أجل تبديد الشكوك.
وأشيع حينها في الصحافة أن عمره 29 عاما وليس 27، وسبب إثارة الموضوع أن مدير معهد في كولومبيا أكد أنه يمتلك وثائق شخصية لفالكاو تثبت أنه ولد في 1984 وليس 1986، وأن مكان ولادته هو العاصمة بوغوتا وليس مدينة سانتا مارتا.
الأسطورة الغاني بيليه
الأسطورة الغاني الذي حصل على الكرة الذهبية كأفضل لاعب أفريقي 3 مرات يبقي لغزا غامضا، إذ إنه خلال احترافه في نادي تورينو الإيطالي من عام 1994 إلى 1996، كذب بشأن عمره الحقيقي حتى يشارك في دورة للشباب، لكنه نجا من التبعات القانونية بعد أن فشل المحققون في إثبات ارتكابه جريمة التزوير.
تاريبو وست
عندما وصل تاريبو وست إلى نادي بارتيزان الصربي في 2002 قال إن عمره 28 عاما، ولكن لاحقا اتضح أنه كذب حول عمره، وأنه في الحقيقة يبلغ من العمر أربعين عاما، ولكن بما أنه كان يلعب بشكل جيد فإن زاركو زيشيفيتش رئيس النادي الصربي قال إنه لم يندم أبدا على انتدابه.
لعب تاريبو وست في صفوف إنتر ميلان الإيطالي، وقال طبيب الفريق آنذاك إن لديه شكوكا حول العمر الحقيقي للاعب، ولكن استبعد أن يكون الفارق 12 سنة كاملة باعتبار أن اللاعب كان في حالة بدنية جيدة.
أنتوني يبواه
بعد عامين من اعتزاله اللعب، أقر الغاني أنتوني يبواه بأن عمره الحقيقي أقل مما هو معلن عنه بسنتين، والسبب وراء ذلك أنه في بداية مسيرته في أوائل التسعينيات كان يريد اللعب في دوري المحترفين، ولذلك أضاف إلى عمره سنتين من أجل الانتقال إلى فريق أشانتي كوتوكو.
لوسيانو إيريبرتو
يقول الموقع إن هذا اللاعب البرازيلي اكتسب شهرته في إيطاليا بعد المفاجأة التي فجرها وهو في سن الثلاثين، واعترف لوسيانو في لقاء مع قناة “سكاي سبورت” بأنه نشأ في البرازيل من دون والدين، وكان مضطرا للعمل حتى يعيش، وأن بعض معارفه نصحوه بتزوير اسمه وتاريخ ميلاده وانتحال هوية جاره الأصغر سنا.
وأكد اللاعب أنه بعد سنوات من الاحتراف في إيطاليا شعر بالندم، وقرر أن يكون شجاعا ويكشف الحقيقة، حتى يتمكن ابنه من حمل اسمه الحقيقي وهو لوسيانو دي أوليفيرا.
شانسيل مبيمبا
برز مبيمبا في نادي أندرلخت البلجيكي وهو يلعب حاليا في بورتو البرتغالي، وبسبب ملامح وجهه كانت هنالك شكوك حول عمره الحقيقي، وقررت الفيفا إجراء تحقيق حول الأمر.
وفي الوثائق الرسمية، ولد مبيمبا في 8 أغسطس/آب 1994، لكن التحقيق أثبت أنه يمتلك جوازي سفر آخرين، الأول استخدمه عندما كان يلعب في الكونغو وتاريخ ميلاده فيه هو 8 أغسطس/آب 1988، وجواز سفر آخر بحوزة الاتحاد الكونغولي لكرة القدم، وتاريخ الميلاد المدون فيه هو 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1991.
غونزالو كيلا أو أنخيل كيمي
حدثت القصة في الإكوادور عام 2003، حيث إن صديقين ذهبا لخوض اختبارات دخول أحد الأندية، ولكن المشكلة كانت السن، إذ إنه من أجل تسجيل اللاعب يجب ألا يتجاوز عمره 21 عاما.
وكان اللاعب الذي أُعجب به المدربون هو الأكبر سنا، واسمه أنخيل كيمي، وحتى لا تضيع عليه هذه الفرصة قرر أن يستعير هوية صديقه الأصغر منه سنا غونزالو كيلا، في إطار اتفاق مالي بين الصديقين حتى يواصل الأول مسيرته الكروية.
وبفضل التزوير تمكن اللاعب من البروز في دوري المحترفين، وكانت هذه الجريمة تبدو كاملة إلى أن قرر غونزالو كيلا الاعتراف بما حدث وتمت معاقبته بالسجن سنتين.