ملف حارق يؤرّق أوروبا وبريطانيا وأميركا.. 8 أسئلة لفهم الأزمة السياسية في أيرلندا الشمالية
لندن- رغم جغرافيتها الصغيرة، فإن الأهمية الإستراتيجية لأيرلندا الشمالية تجعل منها حجر أساس في مستقبل العلاقات الأوروبية البريطانية من جهة، والبريطانية الأميركية من جهة أخرى؛ حيث تحول وضع الجزيرة بعد “البريكست” إلى ملف مؤرّق للندن وبروكسل وواشنطن.
وتتجه أنظار كل من الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية للأزمة السياسية المستفحلة في أيرلندا الشمالية وهي الجزء التابع للمملكة المتحدة، بعد الفشل في كسر الجمود الذي تعيشه الجمعية الأيرلندية (البرلمان) وغياب الجهاز التنفيذي منذ فبراير/شباط من العام الماضي، بسبب الخلافات بين القوميين المؤيدين لاستقلال الجزيرة عن المملكة المتحدة والوطنيين المؤيدين للبقاء تحت التاج البريطاني، حول ما يعرف بالبرتوكول الخاص بأيرلندا الشمالية.
ويعتبر ملف أيرلندا الشمالية من أعقد الملفات في كل مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا بعد البريكست (اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد)، لما له من حمولة سياسية وتاريخية خطيرة تهدد بتفجير الوضع في الجزيرة الأيرلندية من جديد.
ما الأزمة التي تعيشها أيرلندا الشمالية؟
منذ فبراير/شباط الماضي، قرر “الحزب الوحدوي الديمقراطي” إسقاط السلطة التنفيذية التي يقودها كاحتجاج على صيغة ما يعرف بالبرتوكول الخاص بأيرلندا الشمالية الذي يحدد وضعية الأخيرة بعد انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
بعد ذلك تم تنظيم انتخابات جديدة، منحت الصدارة هذه المرة لحزب “شين فين” الانفصالي الذي يوصف بأنه الذراع السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي، إلا أن الأزمة السياسية ظلّت مستمرة دون أي حل.
ما السبب في استمرار الأزمة السياسية؟
السبب يكمن في طبيعة النظام السياسي في أيرلندا الشمالية، والذي يقوم على التوزان والتوافق بين مؤيدي الانفصال وأنصار البقاء تحت التاج البريطاني، حفاظا على السلم العام. وينص هذا النظام على أن الحزب المتصدر يقود الجهاز التنفيذي لكن نائب رئيس الوزراء يكون من التيار المقابل له، مما يعني أنه رغم فوز حزب “شين فين” بالصدارة فإنه سيعجز عن تشكيل حكومة دون نائب لرئيس الوزراء من الحزب الوحدوي.
أما في الجمعية الإيرلندية (البرلمان) فالانتخابات الأخيرة التي جرت في مايو/أيار من العام الماضي، منحت الوحدويين حوالي 39% من مقاعد البرلمان، مما يعني أكثر من الثلث، وفي ظل قرارهم مقاطعة أشغال الجمعية، فهذا يعني أن الجمعية لا يمكنها الانعقاد وهو ما أدى لاستمرار الأزمة.
لماذا انسحب الوحدويون من كل أجهزة الدولة؟
جاء قرار انسحاب “الحزب الوحدوي الديمقراطي” من الحكومة ومقاطعة أشغال الجمعية الأيرلندية احتجاجا على بنود “البروتوكول الخاص بأيرلندا الشمالية”، والذي يحدد وضع أيرلندا بعد انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وحسب الحزب، فإن هذا البرتوكول يضرب في الصميم انتماء أيرلندا الشمالية للمملكة المتحدة، كما أنه لا يراعي مطالب الوحدويين بقدر ما يقدم خدمات لأنصار الانفصال عن المملكة المتحدة.
لماذا يثير “البروتوكول الخاص بأيرلندا” كل هذا الجدل؟
النقطة المثيرة في هذا البروتوكول هي وضع نقاط تفتيش وجمارك خاصة بالمواد الغذائية والسلع القادمة من بريطانيا نحو الجزيرة الأيرلندية، وسواء كانت هذه البضائع متجهة نحو أيرلندا الشمالية (التابعة للمملكة المتحدة) أو لجمهورية أيرلندا (العضو في الاتحاد الأوروبي)، فإنها ستخضع لمعايير الاتحاد الأوروبي في مراقبة الأغذية والمواد الفلاحية، وستخضع للمراقبة في الموانئ قبل الوصول للجزيرة الأيرلندية.
هذا الوضع اعتبره الحزب الوحدوي ضربا لمبدأ وحدة المملكة المتحدة، وسيضع حدودا بين أيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة.
في المقابل يرفض المؤيدون للانفصال وضع أي نقاط تفتيش بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، ذلك أن أهم مبدأ نص عليه “اتفاق الجمعة العظيم” الذي أوقف الحزب الأهلية الأيرلندية كان حرية تنقل الأشخاص والبضائع بين جزئي الجزيرة.
كيف سيتم حل هذه المعضلة؟
يعلم الأوروبيون وكذلك البريطانيون حساسية هذا الملف، ولهذا فقد دخلوا في مفاوضات جديدة قد تستمر للشهر القادم بغرض التوصل لاتفاق مرضٍ للطرفين.
وحسب الأخبار الواردة من بروكسل، فإن هناك آمالا كبيرة للتوصل لاتفاق جديد بخصوص وضع أيرلندا الشمالية، ومن بين ما قد يتم الاتفاق حوله هو تقاسم الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لقائمة بيانات السلع والبضائع القادمة من بريطانيا نحو أيرلندا الشمالية بغرض حذف أي نقاط تفتيش في البحر أو الموانئ.
إلى متى ستستمر الأزمة السياسية في أيرلندا الشمالية؟
حسب القوانين البريطانية كان من المفترض أن تدعو الحكومة البريطانية لإجراء انتخابات عامة بعد عجز الحزب المتصدر لآخر انتخابات عن تشكيل جهاز تنفيذي. إلا أن الحكومة البريطانية قامت بالتمديد مرتين أملا في إيجاد مخرج لهذه الأزمة.
وانتهت آخر مهلة قدمتها يوم 21 من الشهر الحالي، ومع ذلك فقد أعلنت الحكومة البريطانية عن عدم نيتها الدعوة لانتخابات عامة جديدة، مما يعني أن وزير أيرلندا الشمالية في الحكومة البريطانية سيقدم للبرلمان قانونا جديدا يقترح بموجبه التمديد للحزب المتصدر لمواصلة جهوده في تشكيل الحكومة.
لماذا تتجنب الحكومة البريطانية إجراء انتخابات عامة؟
هناك 3 أسباب رئيسة تدفع الحكومة إلى تأجيل إجراء الانتخابات العامة:
- أولها حالة التفاؤل السائدة حاليا حول قرب التوصل لاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حول تعديل البروتوكول الخاص بأيرلندا الشمالية، الذي سيكون مرضيا لكل الأحزاب السياسية مما قد ينزع السبب الرئيسي لحالة الجمود السياسي الذي تعيشه أيرلندا الشمالية.
- أما السبب الثاني فهو ظهور ليونة في موقف حزب “شين فين” في قبول التعديلات التي سيحملها البرتوكول لطمأنة الحزب الوحدوي الوطني.
- والسبب الثالث وهو الأهم، أن الدعوة لانتخابات عامة قد يتزامن مع وصول ذكرى توقيع “اتفاق الجمعة العظيم” في شهر أبريل/نيسان القادم، الذي سيحضره الرئيس الأميركي جو بايدن لتخليد هذه الذكرى، ولا يريد الأوروبيون ولا البريطانيون إرسال رسالة سلبية للرئيس الأميركي، باستقباله بأزمة سياسية في أيرلندا الشمالية.
لماذا يعتبر الموقف الأميركي مهما في هذا الملف؟
- السبب الأول هو أن الولايات المتحدة الأميركية هي الراعية والضامنة لاتفاق “الجمعة العظيم”، وهو اتفاق السلام في الجزيرة الإيرلندية، ومن أهم مبادئه عدم وضع أي حواجز بين الجزء التابع للمملكة المتحدة وبين الجزء الجمهوري، وهي الضامنة لعدم عودة المواجهات المسلحة بين الطرفين.
- أما السبب الثاني فيتعلق بالرئيس الأميركي جو بايدن شخصيا، الذي تفاخر دائما بأصوله الأيرلندية، لا يتردد في تذكير الحكومة البريطانية وكذلك الأوروبيين بأن أي إخلال في الوضع القائم بأيرلندا ستكون له عواقب وخيمة على علاقة واشنطن بالحليف الأوروبي وكذلك البريطاني.