الاخبار العاجلةسياسة

5 ملايين عاطل عن العمل.. الحرب تجبر الأوكرانيين على تغيير مهنهم

كييف- بعد أن عرفه الجمهور مقدما لنشرات أخبار وبرامج اقتصادية في عدة قنوات حكومية أوكرانية منذ عام 2013، يجلس الإعلامي الأوكراني فولوديمير كورينوي خلف مقود سيارته، ويعمل سائق سيارة أجرة منذ شهور، بعد أن أبعدته الحرب من أمام الكاميرا.

يتحدث كورينوي عن تجربة فقدان عمله وهو يجوب أحياء وشوارع العاصمة كييف ساعات طويلة من دون راحة. ويقول “مقارنة مع غيري، أرى نفسي محظوظا، لأن لدي سيارة أستطيع العمل عليها، حتى وإن كان ذلك يعود عليّ بنحو نصف ما كنت أجنيه قبل الحرب. أعمل لأعيش، وأحاول أن أرسل لزوجتي وطفلي اللاجئينَ في أوروبا ما يعينهم كل شهر”.

وعن نظرة الآخرين إلى عمله الجديد، يقول المذيع السابق “كثير من زملائي ومن المشاهدين يتفاجؤون عندما يرونني أو يعرفون أنني الآن سائق سيارة أجرة. ردة فعلهم تحمل دوما مشاعر التفهم والشفقة في آن معا”. لكن الأمر بالنسبة له أصبح عاديا، لا سيما أن أعدادا من زملائي تحولوا للبطالة أو العمل في مهن شاقة.

يقول كورينوي “أشفق على زملاء آخرين دفعتهم الظروف إلى العمل نادلا أمام الملأ في المقاهي والمطاعم والأسواق، أو طلب المساعدات حتى”.

وتابع “العودة للعمل الإعلامي حاليا شبه مستحيلة، فبسبب الإغلاق والإفلاس والدمج بين كثير من وسائل الإعلام وتسريح نسبة كبيرة من الموظفين؛ أصبحت فرص العمل لا تتجاوز 3%، في حين أنها كانت 10 أضعاف هذه النسبة قبل الحرب”.

وتماشيا مع الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب، وجدت شريحة واسعة من الأوكرانيين في تغيير المهن ملاذا بديلا لجني المال ومتابعة الحياة، حتى وإن كانت صعبة وبأجر قليل، أو بعيدة كل البعد عن مجالات عمل لم يعرفوا غيرها.

البطالة حرب صامتة

وبينما تتحدث القوات الروسية والأوكرانية عن نجاحاتها وإخفاقاتها على جبهات القتال في خضم الحرب الدائرة منذ 11 شهرا، تسللت قوة البطالة بصمت، واحتلت حياة ملايين الأوكرانيين.

وتقدّر إحصاءات الحكومة الأوكرانية والبنك الوطني ووزارة الاقتصاد أعداد من خسروا أعمالهم ووظائفهم خلال عام 2022 بنحو 2.6 مليون؛ ليرتفع بذلك عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 5 ملايين شخص.

لكن إحصاءات أخرى في مراكز دراسات غير حكومية تشير إلى أن عدد من خسروا أعمالهم في القطاعين العام والخاص قد يصل فعلا إلى 10 ملايين نسمة، أي ما يعادل 28.5 إلى 30% من إجمالي عدد السكان حاليا.

اقرأ ايضاً
مقال بليبراسيون: كسر حاجز الصمت بالسودان لا يكفي ويجب أن نتحرك

والنسبة ذاتها تنطبق على تراجع كل من الاقتصاد الكلي والناتج المحلي خلال العام الماضي، نتيجة توقف نسبة كبيرة من المصانع والمؤسسات والشركات عن العمل لأسباب كثيرة؛ أهمها الحرب والدمار وتراجع إمكانية الاستيراد والتصدير.

ولعل النسب الكبرى من الإغلاق والبطالة تعود إلى استعار الحرب في مقاطعات الشرق والجنوب أكثر من غيرها (خاركيف، ودونيتسك، ولوغانسك، وزاباروجيا، وخيرسون) التي تشتهر بأنها “عواصم الصناعة والزراعة” في البلاد.

الأوكرانية غالينا متقاعدة تبيع الرموز العسكرية في ميدان الاستقلال وسط كييف (الجزيرة)

عمل المتقاعدين

بشكل عام، قد يكون تغيير المهن أو ممارسة عدد منها في آن معا أمرا عاديا بالنسبة للأوكرانيين قبل الحرب، لكنه كان مرهونا بما يفضلونه من مجالات عمل ويخضع حتما لاعتبارات اجتماعية ومالية.

أما اليوم، فلا أهمية لكل ذلك إن جاءت الفرصة، فالحاجة تشمل الجميع، ولا ترحم حتى كبار السن المتقاعدين، الذين يصح القول إن وضعهم مأساوي.

فالسيدة غالينا -التي تجاوزت السبعين من عمرها- لم يعد يكفيها راتبها التقاعدي للعيش بضعة أيام، فقد تراجع بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية (هريفنيا) إلى نحو 75 دولارا، ولم يعد يلبي حاجاتها الأساسية أمام تضخم بلغت نسبته نحو 80%.

وفي ميدان الاستقلال (وسط كييف)، تجلس غالينا يوميا أمام طاولة صغيرة لبيع الأعلام والرموز العسكرية والأوكرانية الدارجة في ظل الحرب. وتقول للجزيرة نت “البرد شديد هنا، لكن سؤال الناس أشد، وفكرة اللجوء إلى بلد آخر صعبة عليّ. سأعمل ما دمت أستطيع، وأفضل الموت على أرضي”.

انتشار الفقر

وتراجع دخل شريحة المتقاعدين جميعا والعاطلين حديثا عن العمل، بسبب تدهور الاقتصاد والتضخم، ودخلوا جميعا في قائمة الفقر الذي وصلت نسبته إلى حدود 60%.

ووفقا لتقييم معهد الديموغرافيا والبحوث الاجتماعية في الأكاديمية الوطنية للعلوم، فإن ما بين 55 و60% من الأوكرانيين سيعيشون تحت خط الفقر في 2023.

وتقول الخبيرة في المعهد إيلا ليبانوفا “لم نكن أبدا أمة غنية جدا، لكن الناس كانوا يملكون مدخرات معينة؛ بعضها بالدولار أو الهريفنيا. الآن هذه المدخرات تُلتهم في ظل الحرب”.

وتذكر ليبانوفا في حديث للجزيرة نت -على سبيل المثال- أن لدى اللاجئين الأوكرانيين في الخارج -على الأقل- بعض الدعم المالي وفرص العمل، في حين أن ملايين النازحين داخليا يواجهون البطالة، ومساعدات الدولة لا تذكر. وللأسف من المحتمل أن تتفاقم الأمور هذه السنة، وقد تصل نسب الفقر إلى 75% مع نهايتها”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى