الدينار الجزائري الرقمي.. خطوة لإصلاح المنظومة المالية في البلاد
يعدّ إدراج رقمنة المدفوعات من أهم التعديلات الجوهرية التي أقرّها مشروع القانون النقدي والمصرفي الجديد في الجزائر.
ونصّ القانون المصادَق عليه مؤخرا من قبل مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، على إدخال شكل رقمي من العملة النقدية، يسمى “الدينار الرقمي الجزائري”، يتولى بنك الجزائر تطويره وتسييره ومراقبته.
وأشار القانون المعدل، الذي حصلت “الجزيرة نت” على نسخة كاملة منه، إلى “انفتاح النظام البيئي المصرفي على البنوك الرقمية ومقدّمي خدمات الدفع، إلى جانب توسيع وسائل الدفع لتشمل العملة الإلكترونية”.
وكان مجلس الوزراء قد وافق بتاريخ 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي، على مشروع قانون القرض والنقد المصرفي، حيث أكد الرئيس تبون أن قيمته القانونية “تأتي امتدادا للإصلاحات التي عرفتها عموما المنظومتان المالية والاقتصادية طوال السنوات الثلاث الأخيرة”.
ولأول مرة منذ صدوره في 14 أبريل/نيسان 1990، يخضع قانون النقد والقرض إلى تعديل شامل، بينما عرف عدة تعديلات تقنيّة محدودة بأوامر رئاسية، في سنوات 2001 و2003 و2010 وآخرها في 2017، لإقرار التمويل غير التقليدي، من أجل تغطية العجز في الموازنة وإنعاش الاقتصاد المتأثر وقتها بتراجع إيرادات المحروقات.
وقال الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن لوكالة الأنباء الرسمية، إن “المراجعة الجديدة تهدف إلى تعزيز حوكمة النظام المصرفي، وعلى رأسه بنك الجزائر، وتحسين شفافيته، مع منح مجلس النقد والقرض صلاحيات تمكنه من مرافقة التحولات التي تشهدها البيئة المصرفية، إلى جانب توسيع صلاحياته في مجال اعتماد البنوك الاستثمارية، والبنوك الرقمية ومقدمي خدمات الدفع”.
وعن فحوى الدينار الرقمي وخلفيات اعتماده من السلطات النقدية الجزائرية، أوضح الخبير المالي عبد القادر بريش أن لا صلة له إطلاقا بالنقود الرقمية المعروفة حاليا، أو ما يسمّى بالعملة المشفرة أو الإلكترونية، مثل البتكوين والإيثريوم وغيرهما.
إدارة السيولة
وبالمقابل، اعتبر الخبير برّيش -وهو عضو لجنة المالية بالبرلمان- اعتماد الدينار الرقمي في الجزائر، ضمن سياق الإصلاحات المالية وتحديث المنظومة المصرفية، من أجل تمكين بنك الجزائر من رقابة أفضل على حجم السيولة المتداول فيما بين البنوك.
وأضاف للجزيرة نت أن القرار يستهدف خلال المرحلة الأولى ضبط وإدارة السيولة فيما بين البنوك، وفي علاقتها مع البنك المركزي على مستوى السوق النقدي، تحت إشراف بنك الجزائر، من أجل التحكم بكتلة مصرفية بحجم 1500 مليار دينار جزائري (11.1 مليار دولار)، بحسب إحصائيات مارس/آذار 2022.
بينما يهدف الإجراء في مرحلة ثانية إلى تعميم وسائل الدفع وتحضير البيئة الداعمة لتوسيع التكنولوجيا المالية، بحسب المتحدث.
وعليه، ستتم التحويلات المالية وتسوية السيولة فيما بين البنوك بواسطة البروتوكولات المالية، بدلا من التحويلات بالطرق التقليدية والتقليل من حركة نقل الأموال في شكلها القانوني السائل، وهذا من شأنه التقليل من تكلفة طبع النقود القانونية، ونقلها وحراستها، بحسب الخبير بريش.
ومن الناحية التقنية، سيساهم إطلاق الدينار الرقمي الجزائري كذلك في قدرة البنك المركزي على تتبع حركة السيولة ومعرفة أدق للمجالات التي تستحوذ على قسط أكبر من التعاملات السائلة، وبالتالي القدرة على احتوائها وفرض التعامل بواسطة وسائل الدفع المختلفة، مثل الشيك والتحويلات المالية ومختلف وسائل الدفع بما فيها الإلكترونية منها، والكلام للبرلماني ذاته.
احتواء التضخم والسوق الموازية
ومن جانبه، أكد عبد الرحمن عية، مدير مخبر تطوير المؤسسة الاقتصادية الجزائرية بجامعة ابن خلدون، أن تجربة بلاده مع الدينار الرقمي ليست الأولى، بل هي موجودة، وتبرز عند قيام المتعامل باستخدام بدائل النقود، على غرار البطاقات الإلكترونية في المدفوعات، حيث يتم تحويل القيمة من حساب إلى حساب دون التداول المادي للسيولة.
وأوضح للجزيرة نت أن الأرصدة التي تحتوي على نقود وتُحرك بالبدائل تتكون عموما من ودائع مادية، أي أن المتعامل أو زبون البنك يزود حسابه بنقود ورقية أو معدنية، قبل أن يكون له الخيار في استخدامها، سواء في شكلها المادي (سحب نقود للدفع) أو يحركها بالبدائل وهو ما يطلق عليه بالدفع الرقمي .
من هذا المنطلق، يمكن اعتبار الجديد في خطوة الحكومة الجزائرية من الناحية التقنية هو التزويد المباشر للحسابات البنكية للمؤسسات (ثم الأفراد مستقبلا)، دون أن يكون هناك وجود مادي للنقود في شكلها الورقي أو المعدني، بحسب الخبير عيّة.
وتسمح الخطوة أيضا برفع الكتلة النقدية دون الطبع المادي للنقود، كما يمكن من التحكم في مستويات التضخم، لأن هذه النقود تُحرك بوسائل الدفع الإلكتروني (بطاقات الدفع، الإنترنت، الموبايل)، إذ لا يمكن أن تدار خارج الأطر المصرفية، كما تتيح مع مرور الوقت امتصاص أموال السوق الموازية.
وينتظر الخبير عبد الرحمن عيّة من قانون النقد والقرض الجديد أن يضبط حدود التعامل بالدينار الرقمي، والمتدخلين من المصارف والمؤسسات الحكومية والخاصة والجمهور، مع وضع أطر لمراقبة تحركات الدينار الرقمي، من خلال لجان الرقابة المصرفية أو بواسطة أعمال التدقيق المصرفي.
انفتاح الاقتصاد الجزائري
ومن جهة أخرى، اعتبر الخبير برّيش أن إطلاق الدينار الرقمي عبر إدخال التكنولوجيا المالية، عامل مهم في تهيئة البيئة للانخراط في المنظومة المصرفية العالمية، حيث سيزيد من انفتاح الاقتصاد الجزائري على الخارج.
وأكد أن إضفاء المزيد من المرونة في حركة التحويلات المالية من وإلى الخارج، يعزز الثقة في المنظومة المالية والمصرفية الجزائرية ويساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع البنوك والمؤسسات المالية للاستثمار في الجزائر.
الأمن المعلوماتي المصرفي
على صعيد آخر، أكّد المحلل عيّة على ضرورة إعطاء أهمية قصوى للأمن المعلوماتي المصرفي لحماية القيم والبيانات المخزنة في الأجهزة أو في السحابات، مع التفكير جديا في إنشاء مركز بيانات ضخم خاص بالنظام المصرفي الجزائري، لإدارة المعاملات بالدينار الرقمي.
بدوره شدد الخبير برّيش، وهو مستشار المعهد الدولي للحوكمة والتنمية المستدامة، على جملة محاذير لتأمين العملية، مما يستوجب تحضير الجوانب التنظيمية والتقنية المستندة إلى قاعدة قانونية، وهو ما “سيتضمنه القانون النقدي والمصرفي المرتقب مناقشته والمصادقة عليه بالبرلمان في الأيام القادمة”.
كما يتطلب الانتقال الرقمي تحضير الجوانب اللوجسيتية من وسائل مناسبة لتكنولوجيا الإعلام والاتصال وسرعة تدفق الإنترنت والربط الشبكي بين البنوك والبنك المركزي والمراكز الضخمة لتخزين وإدارة البيانات، على حد تعبيره.
والأهم في هذا كله، القدرة على حماية الأنظمة وأمن المعلومات وضرورة التحكم في الأمن السيبراني، من وجهة نظر الخبير برّيش.