الاخبار العاجلةسياسة

رتبة تمنوا ألا يحملوها.. تعرّف على عمداء الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي

رام الله- في أكتوبر/تشرين الأول 1985، وبينما كان يحاول الفرار إلى الأردن مع أفراد خليته “عين الجبل” بعد تنفيذهم سلسلة عمليات فدائية أوجعت الاحتلال ومستوطنيه، اغتالت قوة إسرائيلية رفاقه وأصابته. لم تعلن إسرائيل عن اسم المصاب، فظنت عائلته أنه شهيد، وبعد أشهر جاءت البشارة: “محمد على قيد الحياة”.

نجاة الأسير محمد أحمد الطوس من تلك الحادثة كانت معجزة أعادت إلى عائلته الأمل من جديد، رغم يقينها وقتئذ أن حكمه سيكون عاليا، لكن بقي الأمل في “تحرره قريبا في إحدى صفقات الأسرى”.

هذا الأمل تحقق لمعظم من اعتقلوا مع الطوس في تلك الفترة وما بعدها، حيث أفرجت إسرائيل عن معظم الأسرى في السجون عام 1995، تنفيذا لاتفاق أوسلو، ولكن هذا الإفراج لم يشمله بعد اعتراض إسرائيل على الإفراج عنه وعن آخرين قالت إن أيديهم “ملطخة بالدماء”.

أطلق على هؤلاء الأسرى “قدامى الأسرى”، وبقيت المطالبات بالإفراج عنهم من قبل عائلاتهم محمولة بالأمل الكبير في “صفقة أو اتفاق جديد يحررهم”.

***فقط داخلية وليست كرئيسية*** أخر صورة للأسير محمد الطوس في السجون-مواقع التواصل الإجتماعي
آخر صورة للأسير محمد الطوس في سجون الاحتلال (مواقع التواصل)

البشارة القاتلة

ولكن الأمل الجديد خاب في 2004، بعد صفقة عقدها حزب الله مع إسرائيل، أُطلق بموجبها سراح 400 أسير فلسطيني. ثم مرة أخرى عام 2011 عندما لم تشملهم صفقة التبادل التي أجرتها حركة حماس مع إسرائيل مقابل الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط.

وفي 2013، ومع الإعلان عن إفراج إسرائيل عن 104 من قدامى الأسرى، تزامنا مع عودة السلطة الفلسطينية للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، كانت البشارة للطوس وعائلته، كما يقول ابنه شادي الذي كان عمره عامين حين اعتقال والده: “كانت فرحتنا لا توصف حينها، قمنا بالتحضير لاستقباله، ولكن مع الإعلان عن أسماء الدفعات بدأنا نقلق، وخاصة والدتي”.

كان من المفترض أن يتم توزيع الأسرى على الدفعات بحسب الأقدمية، وهو ما يعني أن الطوس سيكون من الدفعة الأولى التي أفرج عنها في أغسطس/آب 2013، لكن سلطات الاحتلال أخرت اسمه إلى الدفعة الأخيرة التي كانت مقررة في الشهر الثالث من العام التالي، مما جعل العائلة تشعر أن إسرائيل تتلاعب بالإفراج عنه، وهو ما تأكد برفضها الإفراج عن الدفعة الرابعة فيما بعد.

ورغم المعنويات العالية التي تمتع بها الأسير الطوس، فإن “الخيبة” كانت أكبر من أن تتحملها العائلة، وتحديدا زوجته التي أصيبت بجلطة دماغية توفيت على إثرها في العام التالي، كما يقول الابن شادي للجزيرة نت.

جبل الخليل

والطوس من بلدة الجبعة القريبة من مدينة بيت لحم، كان قد أسس خلية أطلق عليها اسم “جبل الخليل”، وعلى مدى 3 سنوات عمل مع رفاقه على تنفيذ عمليات فدائية استهدفت الاحتلال في جبال الخليل، حتى تم استهدافها بكمين اعتقل هو على إثرها واستشهد رفاقه الأربعة، وهم: علي خلايلة، ومحمد نفيعات، ومحمود النجار، ومحمد عدوان.

وبعد تعذيب استمر لأشهر، حكمت إسرائيل على الطوس بالمؤبد مدى الحياة، وقد قضى أولى سنوات سجنه في العلاج من إصابته حين اعتقاله.

هذه التجربة وثقها الأسير في رواية حملت اسم “عين الجبل” صدرت عام 2021، ووصف فيها بقاءه على قيد الحياة بالمعجزة.

وفي هذه السنوات من المعاناة، كبر أبناؤه الثلاثة وتزوجوا ورزقوا بأولاد لم يرهم، فالاحتلال يعتبر الأحفاد أقارب من الدرجة الثانية ولا يسمح لهم بالزيارة، إلا أن الطوس لا يزال يملك من المعنويات الوطنية الكثير، وهو ما كان يحرص في كل رسالة له أن يؤكد عليها: “لست نادما على ما قدمته من تضحية كبيرة فداءً للوطن، وأنا على ثقة أنني سأخرج من السجن وأن الفرج قريب”.

أقدم الأسرى

وبعد الإفراج عن عميد الأسرى الفلسطينيين كريم يونس في 5 يناير/كانون الثاني الجاري، وبعده بـ14 يوما عن ابن عمه ماهر يونس، بعد 40 عاما في السجون، حمل الطوس لقب “عميد الأسرى الفلسطينيين”، وهو لقب يطلقه الأسرى والفصائل الفلسطينية على أقدم الأسرى في السجون الإسرائيلية.

اقرأ ايضاً
محللون يجيبون: لماذا فشل النواب للمرة 12 في اختيار رئيس لبنان؟

وكان أول من حمل لقب عميد الأسرى الفلسطينيين هو الأسير أحمد جبارة “أبو السكر”، والذي قضى في سجون الاحتلال 27 عاما قبل أن يتحرر بطلب من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عام 2003، لينتقل الاسم إلى الأسير سعيد العتبة “أبو الحكم”، والذي كان أول أسير فلسطيني يتجاوز الـ30 عاما في الأسر.

العتبة كان من قدامى الأسرى التي تجاوزتهم اتفاقية أوسلو أيضا، واعتقل عام 1977، ووجهت له تهم تتضمن قيادة خلية عسكرية في الضفة والقطاع، وتصنيع عبوات ناسفة وتوزيعها على الخلايا العسكرية، وحكمت عليه سلطات الاحتلال وقتئذ بالسجن الفعلي 3 مؤبدات.

وأفرج عن العتبة عام 2008، بعد قضائه 32 عاما ضمن صفقة للإفراج عن 200 أسير فلسطيني.

مانديلا فلسطين

حمل البرغوثي لقب عميد الأسرى بعد الإفراج عن العتبة، وكان قد أمضى 31 عاما في الأسر وقتئذ، حتى عام 2011 عندما أفرج عنه ضمن صفقة وفاء الأحرار التي عقدتها حماس مع إسرائيل مقابل الإفراج عن الجندي المختطف لديها جلعاد شاليط.

ورغم إعادة اعتقال البرغوثي عام 2014، ليكون بذلك أكثر أسير سياسي يقضي سنوات في السجن، فإن لقب عميد الأسرى كان يميز به الأقدم في السجون بشكل دائم.

يتحدث العتبة للجزيرة نت عن سياق استحداث لقب عميد الأسرى، فيقول إن “المصطلح اقترن بأقدم أسير في السجون في مرحلة ما، لتمييزه واحتراما له، لكن دون مسمى أو الترويج لاسمه إلا في إطار ضيق بين الأسرى”.

والأقدمية كانت لمن تجاوز اعتقاله 20 عاما، فكان أول من أكمل هذه المدة هو الأسير المقدسي عمر القاسم الذي لقّبه الأسرى حينها بـ”مانديلا فلسطين”.

واعتقل القاسم أثناء تسلله عبر نهر الأردن على رأس خلية فدائية كانت تخطط لتنفيذ عمليات فدائية ضد أهداف إسرائيلية عام 1968.

وفي عامه الاعتقالي الـ21، أصيب بمرض عضال بالكبد واستشهد داخل السجن عام 1989، بسبب الإهمال الطبي.

وبعد استشهاده، كان أول من يكمل 20 عاما أسيرا من قطاع غزة يدعى خليل مسعود الراعي، وقد تحرر بعد اعتقال دام 21 عاما، ليصبح “أبو السكر” أقدم أسير فلسطيني.

ويحمل لقب عميد الأسرى في الحالة الفلسطينية كثير من التناقض، فهي رتبة معنوية لا يتمنى أحد حملها، كما يقول شادي: “كنا نتمنى ألا يحمل أبي هذا اللقب، وأن يكون بيننا منذ سنوات، ولكن ما يهون علينا هو معنوياته العالية التي تمدنا بالأمل مع كل زيارة له”.

يوافق العتبة على ما يقوله شادي: “ليست نقطة افتخار للفصائل الفلسطينية أن يقضي الأسرى كل هذه السنوات داخل السجن، لكن جانب الفخر أن الأسير رغم مرور هذه السنوات يواصل صموده وتضحياته في سبيل الوطن”.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى