مجتمع

حديقة النباتات والأشجار العُمانية.. عالمٌ من الدهشة بين أحضان الطبيعة الساحرة

الرؤية- مدرين المكتومية

عندما تطلق العنان لخيالك نحو أي فكرة فلابُد أن تربط ذلك الخيال بالواقع، لكن في بعض الأحيان يفوق الواقع الخيال، وهذا ما حدث عندما حظيتُ بفرصة زيارة “حديقة النباتات والأشجار العُمانية”، في تجربة ثرية على هامش أعمال منتدى عمان للاستدامة البيئية.. فرغم أن الطريق إلى الحديقة لم يكن كما تصورته، ولم يُخيّل لي يومًا أن هناك منطقة بهذا الجمال والتنوع في التضاريس بمسقط، إلا أنني وخلال تلك الزيارة لفتت انتباهي بشدة جبال عُمان الجميلة، خاصة أنك عندما تكون أحد أبناء قرية جبلية، فلا مناص من أن تقف مشدوهًا أمام هذا المشروع الجميل، الذي تحيط به الجبال وكأنها تحتضن هذا المشروع بكل حب.

مشروع حيوي

وهذه الحديقة من المشاريع الحيوية في السلطنة التي تأتي لتحتفي بالنباتات العُمانية النادرة، والتي يمكن أن ترى مدى الاهتمام بها من خلال زيارة تأخذ منك على الأقل ما يقارب أربع ساعات متواصلة، تبدأ بها من مركز الزوار الذي يقدم فيه نخبة من الشباب العُماني الذين بالفعل يشار لهم بالبنان، وصفا لهذه الحديقة ومدى أهميتها وما تحويه، والأحلام التي يرسمونها من خلال حبهم لتلك النباتات، فعندما تنتهي من ذلك العرض، تبدأ الجولات الداخلية في المشاتل، وما أجمل تلك الجولة التي ترى فيها بعين الواقع كيف يعتني هؤلاء الشباب المبدعين بتلك النباتات وكأنها كنز من الكنوز الأثرية، التي يتحدثون عنها بحب، ويقومون بدراستها وتقييم حالتها، وأيضا يقومون بزراعتها بأيديهم.

شباب طموح

للحظة وقفتُ بجانب أحد أولئك الشباب، أخذتني طريقته السريعة والودية في الاعتناء بالنباتات وزراعة البذور والشتلات، وكأنه يحمل بين يدية عُمان بأكملها، وعندما سألته بكل بساطة… هل أنت سعيد بهذا العمل؟ ألا تشعر بالملل من تكرار نفس العملية؟ قال لي بابتسامة هادئة “أنا سعيد جدًا بهذه النباتات؛ حيث إنني أُشرف على هذا القسم الذي أقوم فيه بمعاينة وزرع هذا النوع منها، وأقوم بتحليلها، وكأن تلك النباتات تشعرني بالانتماء إليها، إنني أعتني بها كما يعتني الأب بأسرته، ولن تشعري بما أقول إلا عندما تعيشين التجربة والحياة التي أعيشها هنا..، موت واحدة منها قد يجعلني أحزن ليوم كامل، وكأنني أفقد حياة بشري وليست نبتة كما ترونها أنتم”.

واصلت السير والاستماع لما يقدمه كل شاب وشابة يعمل في مكان بهذه الحديقة الشاسعة؛ حيث تعد حديقة النباتات قيد الإنشاء، والمؤمل عند افتتاحها للزوار، أن يجدوا كل ما يريدون معرفته عن النباتات العُمانية النادر منها والمتاح، وسيتم عرضها بطريقة احترافية، تتوازى مع اختلاف الطبيعة والبيئات والتضاريس. والحديقة تمثل الطبيعة العُمانية بكافة اختلافاتها البيئية، ولذا سيتمكن الزائر من رؤية نباتات الصحراء القاحلة بجانب مشاهدته في ذات الوقت لنباتات الأجواء الشتوية والخريفية.

تلفريك الزوار

وما بين تنقلنا من مشتل لآخر نستمع بصورة أكثر قربا عن هذه الحديقة التي لا يمكن سوى أن نطلق عليها وصف “المدهشة” لأنها تثير الدهشة في نفس كل مهتم بمجال النباتات والطبيعة، ومن المرتقب أن تكون هذه الحديقة أحد المراجع العلمية والبحثية للطلاب والباحثين. وهذه الحديقة بكل تلك الجماليات مشروع انتقلت إدراته من ديوان البلاط السلطاني إلى وزارة التراث والسياحة، وهناك لجنة مشكلة لمتابعة سير العمل فيه. ويعد مشروع حديقة النباتات من المشاريع الرائدة التي ستحتضن الكثير من التفاصيل الفريدة، حيث سيقام “تلفريك” أعلى الحديقة يقطعها من شمالها لجنوبها، ليتيح للزائر فرصة مشاهدة هذا الموقع الرائع من أعلى، وعيش تجربة استثنائية أثناء الزيارة، والتعرف على مكونات هذه الحديقة بكل ما تحمله من تنوع واختلاف.

اقرأ ايضاً
الراجحي يرعي مهرجان المسرح الخليجي السادس للأشخاص ذوي الإعاقة

ولأن الحديث عن هذه الحديقة ليس كمن يزورها فمن الصعب شرح مدى روعة هذا المكان العجيب في سطور، لكن كما ذكر الشباب الذين نرفع لهم القبعة على قدرتهم على إيصال الرسالة لنا كزوار لهذه الحديقة وباللغتين العربية والإنجليزية بطلاقة، فإن الدور الذي تلعبه الحديقة يتمثل في عرض وحماية واكتشاف النباتات العُمانية، وإجراء البحوث، خاصة وأن هذه الحديقة تعد الأولى من نوعها في العالم، والتي تعرض النباتات الخاصة بسلطنة عُمان فقط ومن مختلف بيئاتها؛ حيث يراد لهذه الحديقة أن تكون الأكبر في العالم العربي، وضمن أكبر الحدائق النباتية على مستوى العالم.

تباين البيئات

وكما تم عرض مكونات هذه الحديقة التي ستشتمل على مركز زوار، ومركز أبحاث ومركز بيئات خارجية بالإضافة إلى مشاتل مختلفة، وبيئة الجبال الجنوبية المغلقة، وبيئة الجبال الشمالية المنغلقة، وسيكون هناك قسم خاص بالجبل الأخضر، وجبال محافظة ظفار، وقسم خاص بالوديان، والصحاري الرملية، والمسطحات المالحة، إلى جانب أماكن خاصة تعليمية كالحديقة التعليمية، وأيضا ركن خاص للعائلات والأطفال، وأماكن للألعاب، والاسترخاء والراحة، ويمكن أيضا أن يعيش الزائر فرصة التأمل في كل ما تتميز به هذه الحديقة والذهاب بخياله نحو البعيد، وليس هذا فقط، تحوي الحديقة أيضًا بنك البذور، وهو أكبر بنك بذور في سلطنة عُمان، وسيتم إضافة سكنات خاصة للباحثين في المجال النباتي القادمين من خارج مسقط والسلطنة ليتسنى لهم إجراء الأبحاث والتعرف عن قرب على كل ما يهمهم في هذه الحديقة.

وتقع الحديقة بين جبال ووديان منطقة (الخوض) لوليك السيب المشهورة بالنخيل والأشجار المتنوعة والكثيرة وبمياه  الأفلاج العذبة، وأيضا يحوي هذا الموقع سداً للمياه الجوفية، حيث من المأمل بعد  اكتمال الحديقة أن تضم في بيئاتها أكثر من (1407) أنواع من النباتات المحلية التي ستتم زراعتها في بيئات محاكية لأماكن تواجدها في الطبيعة العُمانية بمختلف محافظات السلطنة. ويبلغ إجمالي مساحة الحديقة ما يقارب (420) هكتارًا أي ما يساوي (4200) كيلومتر مربع، وتم اختيار موقع إنشاء الحديقة بهذا المكان وذلك لما تتميز به المنطقة من تنوع نباتي كبير، وهي من أهم الأماكن التي تتوزع بها أعداد كبيرة ومتنوعة من النباتات العُمانية.

منبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى