الاخبار العاجلةسياسة

تصعيد فوق العادة بين الكوريتين

في 27 يوليو/تموز المقبل تحل الذكرى السبعون لانتهاء الحرب الكورية، لكن الكوريتين الشمالية والجنوبية لا تزالان في حالة حرب، فالهدنة التي أعقبت حرب السنوات الثلاث (1950- 1953) والتي قتل فيها أكثر 2.5 مليون شخص حياتهم غير مستقرة، ولا توجد معاهدة سلام، وهناك فقط منطقة منزوعة السلاح عازلة بين الشمال الشيوعي والجنوب الرأسمالي.

تشترك كوريا الشمالية والجنوبية في لغة وثقافة تقليدية، لكن تاريخهما الحديث سياسيا مليء بالصراع والانقسام. وقعقعة السلاح المصحوبة بالتهديدات المتبادلة لا تتوقف، ومفرداتها دائما مناورات عسكرية مشتركة بين أميركا وكوريا الشمالية تواكبها تجارب صاروخية باليستية تجريها كوريا الشمالية، ولغة خطاب عدائية صادرة من الشطرين يتراجع فيها حديث إعادة الوحدة بينها.

التصعيد بين الشطرين ليس جديدا لكنه يختلف هذا العام عما سبقه طيلة السنوات الماضية، فالتوتر على أشده بين حلفاء كل فريق كوريا الشمالية والصين وروسيا من جانب، وكوريا الجنوبية ومعها الولايات المتحدة واليابان وبقية الحلفاء الإقليميين من جانب آخر، وتتصدر المشهد الأزمة العسكرية في تايوان وتهديدات خارج المنطقة مثل الحرب الجارية في أوكرانيا، والخوف من تطور الأمر بين الكوريتين بصورة لا يمكن التنبؤ بها إذا خرجت الأمور عن السيطرة وتجاوزت حدود ما اعتاده البلدان من قبل.

مقاتلات (F-15) التابعة لقوات الدفاع الذاتي الجوية اليابانية ومقاتلات (F-16) التابعة للقوات الجوية الأميركية تحلق خلال تمرين مشترك ردًّا على إطلاق صاروخ باليستي كوري شمالي فوق اليابان (الأوروبية)

صواريخ ومناورات

الحلقة الأحدث في هذه الحالة المتكررة هو إطلاق كوريا الشمالية صاروخين باليستيين قصيري المدى باتجاه البحر الشرقي صباح الاثنين بعد يوم واحد من إجراء كوريا الجنوبية والولايات المتحدة تدريبات جوية مشتركة شملت قاذفة “بي-1″، في رد على إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ باليستي طويل المدى أمس الأحد.

ونفلت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية يونهاب عن مراقبين قولهم إن القذيفتين اللتين أطلقتا اليوم يمكن وصولهما إلى قاعدة جوية كورية جنوبية في تشيونغ -جو معروفة بأنها قاعدة لمقاتلات الشبح الكورية الجنوبية من طراز “إف-35 إيه”، وقاعدة جوية أميركية في غونسان نظرا لمسافة طيرانهما، حيث تقع القاعدتان على بعد 340 كيلومترا و390 كيلومترا من نقطة إطلاقهما.

أما عن الصاروخ الذي أطلقته بيونغ يانغ الأحد فقالت وكالة الأنباء المركزية لكوريا الشمالية إنه صاروخ “عابر للقارات من طراز هواسونغ -15 أطلق بزاوية مرتفعة، في تدريب إطلاق مفاجئ يهدف إلى ضمان قوة الردع النووية للبلاد”.

ويبدو أن الإعلان موجه للولايات المتحدة تحديدا حيث كتب تقرير وكالة الأنباء المركزية الرسمية باللغة الإنجليزية، وأوضح أنه “تم تنظيم التدريبات بشكل مفاجئ دون إشعار مسبق، وفقا لأمر استعداد قتالي طارئ لقوة النيران”.

وحسب تقرير الوكالة أطلق الصاروخ الباليستي من مطار دولي في العاصمة بيونغ يانغ بعد ظهر أمس السبت بالتوقيت المحلي مع تعبئة وحدة من المكتب العام للصواريخ”، مضيفا أن الصاروخ قطع 989 كيلومترًا في حدود 4 ثوان، وبلغ ذروته عند 5768 كيلومترا وهبط في المياه الدولية لبحر الشرق.

وذكرت الوكالة أن كوريا الشمالية أشارت إلى “التهديدات العسكرية من قبل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والتي تزداد خطورة إلى الحد الذي لا يمكن تجاهله”، وأمرت جميع الوحدات العسكرية المسؤولة عن العمليات الصاروخية بالحفاظ بشكل كامل على حالة الاستعداد القتالي”.

الإطلاقات المتتالية تتزامن مع التدريبات العسكرية بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، تشي بأن كوريا الشمالية لن تتوقف عن هذا النوع من الردود على التدريبات الأميركية مع الجنوب رغم أنها أطلقت أكثر من 70 صاروخا خلال العام الماضي 2022، وهو رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ البلاد تفوق به الزعيم كيم يونغ إيل على سلفيه أبيه وجده.

الزعيم الأعلى لكوريا الشمالية كيم جونغ أون (وسط مرتديا قبعة غربية) وهو يشاهد صواريخ هواسونغ -17 الباليستية العابرة للقارات خلال عرض عسكري في ميدان كيم إيل سونغ للاحتفال بالذكرى الـ75 لتأسيس الجيش الشعبي الكوري (الأوروبية)

التوقيت

ويأتي إطلاق الصواريخ بعد إعلان هيو تاي كون، نائب وزير الدفاع في كوريا الجنوبية، للمشرعين يوم الجمعة الماضي أن بلاده والولايات المتحدة ستعقدان التدريب المشترك السنوي “درع الحرية” في منتصف مارس/آذار المقبل. مضيفا أن التدريبات التي تستمر 11 يوما ستعكس التهديدات النووية لكوريا الشمالية، إلى جانب التدريبات الميدانية المتزامنة والواسعة النطاق، بالإضافة إلى الدروس غير المحددة من الحرب الروسية الأوكرانية. ومن المقرر أن يجري الحليفان تدريبات محاكاة في مقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يوم الأربعاء المقبل ضد الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية من قبل كوريا الشمالية.

وعقب هذا الإعلان حذرت كوريا الشمالية من أنها ستتخذ ردود فعل مضادة “مستمرة وقوية بشكل غير مسبوق” إذا واصلت سول وواشنطن التدريبات العسكرية المشتركة المخطط لها. واتهمت بيونغ يانغ كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بالتخطيط لأكثر من 20 جولة من التدريبات العسكرية، بما في ذلك أكبر تدريبات ميدانية لهما على الإطلاق. ووصفت البلدين بـ”المجرمين الرئيسيين اللذين يعرقلان عمدا السلام والاستقرار الإقليميين”.

كوريا الشمالية تعتبر التدريبات العسكرية لخصومها، “استعدادات لحرب عدوانية وبروفة على الغزو”، مؤكدة ـحسب بيان للمتحدث باسم خارجيتهاـ أنه إذا كان خيار الولايات المتحدة هو إظهار قوتها ومواجهة كل شيء بالقوة فإن الأمر نفسه ينطبق على خيارات بيونغ يانغ.

وفي بيان منفصل باللغة الإنجليزية أيضا، قالت كيم يو-جونغ، شقيقة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ-أون، والتي تتولى منصب مدير إدارة اللجنة المركزية لحزب العمال الحاكم في كوريا الشمالية إن بلادها “ستتخذ ردا قويا وساحقا” على أي أعمال عدائية ضد بيونغ يانغ. وأضافت “يتعين على الولايات المتحدة أن توقف جميع الأعمال التي تشكل تهديدا لأمن دولتنا وأن ترفض تشويه سمعة كوريا الشمالية وتفكر دائما مرتين بأمنها في المستقبل”.

اقرأ ايضاً
خبير في القانون الدولي للجزيرة نت: أوسلو انتهت وإسرائيل تفرضها بالأمر الواقع

كما ذكرت، في بيان لها اليوم الاثنين، أن استخدام المحيط الهادي كمضمار رماية يعتمد على الولايات المتحدة. ونحن ندرك بوضوح أن تحركات الأصول الإستراتيجية الأميركية لضرب شبه الجزيرة الكورية أصبحت أكثر نشاطا”، و”ندرس بعناية تأثير هذه التحركات على أمن البلاد، ونؤكد مجددا أننا سنرد بشكل مناسب عندما يتبين وجود أي مخاوف مباشرة أو غير مباشرة”.

على الجانب الآخر، عقد وزراء خارجية كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان اجتماعا طارئا في ميونخ أول أمس السبت على هامش المؤتمر الأمني الدولي المنعقد هناك، حيث أدانوا “الاستفزاز الأخير لكوريا الشمالية” بإطلاق الصاروخ الباليستي وتعهدوا بـ”العمل بشكل وثيق للتعامل مع تهديدات بيونغ يانغ”.

وقال وزير الخارجية الكوري الجنوبي بارك جين، إن “كوريا الشمالية ستواجه عقوبات أشد من قبل المجتمع الدولي. ونحثها على التوقف الفوري عن استفزازاتها والعودة إلى محادثات نزع السلاح النووي”.

يقول مراقبون إن كوريا الشمالية استغلت تدريبات مختلفة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة كفرصة لاختبار أنظمة أسلحتها وإتقانها. وتهدف في نهاية المطاف إلى استخدام ترسانتها النووية الموسعة للفوز باعتراف دولي كدولة نووية شرعية والفوز بإعفاء من العقوبات وامتيازات أخرى.

ويستشهد أصحاب هذا الرأي بالعرض العسكري الضخم في بيونغ يانغ الذي نظم بمناسبة الذكرى 75 لتأسيس جيش كوريا الشمالية وحضره كيم مع زوجته ري سول جو وابنته جو آي، معتبرين أن كمية الأسلحة التي ظهرت خلال العرض تدل على تطورات واضحة ملحوظة يمكن أن تشكل تحديا للولايات المتحدة.

رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول يتبنى نهجا متشددا تجاه الجارة الشمالية (الأوروبية

عداوة

لهجة التصعيد تتعالى على الجانبين واعتبر “الكتاب الأبيض” الصادر عن وزارة الدفاع الكورية الجنوبية قبل أكثر من أسبوعين حكومة كوريا الشمالية وجيشها “أعداء كوريا الجنوبية”، ويأتي هذا بعد التخلي عن هذا التصنيف الرسمي في عام 2018، ففي عهد الرئيس السابق مون جاي انخرطت كوريا الجنوبية في عملية سلام تركزت على الحوار مع كوريا الشمالية في الفترة من 2017 إلى 2022.

الأمر نفسه بالنسبة لكوريا الشمالية التي سبق وتعهد زعيمها كيم جونغ أون، بزيادة الترسانة النووية لبلاد قائلا في اجتماع له مع حزب العمال الحاكم “بعد أن اتخذت القوات العميلة في كوريا الجنوبية التي صنفت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (الشمالية) على أنها العدو الرئيسي وتعلن صراحة عن الاستعدادات للحرب”، معتبرا الجنوب “عدونا الذي لا شك فيه”، ومؤكدا أن هذه الحالة “تسلط الضوء على أهمية وضرورة الإنتاج الشامل للأسلحة النووية التكتيكية”.

فيما يتعلق بالعناصر الخارجية اللاعبة في المشهد يحمل مراقبون واشنطن المسؤولية عن التوترات في المنطقة، لا سيما بعد تولي إدارة الرئيس جو بايدن السلطة والتخلي عن أسلوب سلفه دونالد ترامب تجاه كوريا الشمالية. بما يشي بأن الإستراتيجية الأميركية في المحيطين الهندي والهادي تهدف إلى خلق توترات في شبه الجزيرة وربط اليابان وكوريا الجنوبية في التحالف، من أجل زيادة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة.

التوتر على أشده وهناك دائمًا خطر أن يتسبب حادث مؤسف في خروج الموقف عن السيطرة ما يقود إلى احتمال تطور الأمر إلى حرب سبق وقدر كيم داي جونغ رئيس كوريا الجنوبية في الفترة من 1998 الى 2003 أن 3 أشهر من الحرب ستؤدي إلى مقتل 52 ألف جندي أميركي، و490 ألف جندي كوري جنوبي، ومليون مدني، وستتجاوز نفقات الحرب 100 مليار دولار أميركي.

هذه التقديرات أبلغها جونغ للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش عندما زار كوريا الجنوبية في فبراير/شباط 2002. في إطار حديثه عما إذا كان بوش الابن يعرف حقًّا عواقب الحرب عندما أدرج كوريا الشمالية ضمن الدول التي اعتبرها مكونات “مثلث الشر” وكانت أهدافا محتملة وضربة استباقية من قبل الولايات المتحدة. وبعد قمته مع كيم، أعلن بوش الابن أنهم لن يهاجموا كوريا الشمالية ولكنهم سيسعون بدلا من ذلك إلى حل سلمي من خلال الحوار.

شبه الجزيرة الكورية اقتربت من الحرب عدة مرات منذ انتهاء الحرب التي مضى عليها 70 عاما إلا أنها لم تصل أبدا إلى حافة الحرب، لكن لا يوجد ما يضمن خطر حدوثها بعد أن وصلت التوترات بين الشطرين أعلى مستوى لها حيث تم استبدال وقف الاتصال والحوار بين الأطراف المختلفة بمناورات عسكرية مستمرة واختبارات أسلحة.

ولتخفيف التوترات في المنطقة يجب عودة الأطراف إلى التفاوض، وتعديل تلك الأهداف التي تزيد الموقف اشتعالا في منطقة تجلس على كَمٍّ هائل من براميل البارود يتزايد يوما بعد آخر.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى