تحت حماية جيش الاحتلال.. هذه رسائل جريمة المستوطنين في حوارة وقرى نابلس
نابلس- “أكثر من ألف مستوطن هاجموا منزلنا والمنازل المجاورة بالحارة الشمالية بالقرب من دوار سلمان الفارسي، وبلحظات تحول الحي لكتلة كبيرة من النيران، بعد أن أحرق المستوطنون منزلنا ومركبتين وشاحنة لي ولشقيقي، ثم هاجموا منزل جيراننا وأحرقوه، وكذلك فعلوا بمجمع لتصليح المركبات بمحيطه”.
لم يكن ذلك مشهدًا من عمل سينمائي، بل هو هجوم مدبر للمستوطنين على بلدة حوارة والقرى المجاورة قرب نابلس شمال الضفة الغربية، عاش تفاصيله المؤلمة المواطن أحمد ضميدي وعائلته والأهالي هناك، ما اضطرهم للبقاء مستيقظين طوال الليل لتجنب كارثة كبرى.
ويبدو أن كرة النار تتدحرج سريعا نحو المزيد من التصعيد النوعي في جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، حيث شهدت بلدة حوارة والقرى القريبة من نابلس هجومًا من قبل مئات المستوطنين حرقوا خلاله العديد من المنازل والمركبات.
جريمة في حماية جيش الاحتلال
يقول ضميدي للجزيرة نت إن الهجوم طال في البداية منازل المواطنين بأطراف القرية، قبل أن يتجمع المستوطنون ثانية مع دخول الليل ويوسعوا عدوانهم.
وأوضح أن “حوالي ألف مستوطن -معظمهم مسلح- انتشروا بمحيط منازلنا وشنوا اعتداءاتهم بحماية الجيش، فأحرقوا مركباتنا ومنزلنا وتسببوا بخسائر تفوق 30 ألف دولار، ولم نتمكن من الخروج من المنزل لإنقاذ أنفسنا أو حتى الجيران لكثافة انتشار المستوطنين”.
وفي منزل عائلة الضميدي، كادت تقع الكارثة الكبرى بعدما حاصره أكثر من 100 مستوطن وأشعلوا النار به، غير آبهين بالسكان الموجودين بداخله.
ويقول محمد ضميدي نجل زياد للجزيرة نت: “هاجموا المنزل وأحرقوه مرتين، بعد أن حطموا نوافذه وأشعلوا الإطارات المطاطية به، وحوصر أفراد عائلتي الخمسة لأكثر من ساعتين والنار مشتعلة”.
ومنع جيش الاحتلال المواطنين من التصدي للمستوطنين، حيث أطلق النار والغاز المدمع لتفريقهم، ما أتاح للمستوطنين على مدى 3 ساعات من توسعة الجريمة وتنويعها بين الحرق ورشق الحجارة والطعن بالأدوات الحادة والسكاكين، وحتى إطلاق النار.
الجيش سهَّل الهجوم ودعمه
وتقول رنا أبو هنية مسؤولة وحدة رصد اعتداءات المستوطنين في بلدية حوارة، إن الهجوم كان عنيفا جدا، وإن الكل شاهد ألسنة النيران والدخان الكثيف المتصاعد بفعل عمليات الحرق التي لم تعشها حوارة والمنطقة من قبل.
وأكدت رنا أن جيش الاحتلال سهَّل اعتداء المستوطنين، وذلك بإغلاق الحواجز العسكرية المحيطة بالبلدة ونصب حواجز ترابية، لمنع تواصل المواطنين وتنقلهم، فضلا عن منع مركبات الإسعاف والدفاع المدني من الوصول.
ومنذ ساعات الصباح شرعت بلدية حوارة بتوثيق الاعتداءات وتقدير الأضرار الأولية، وتقول رنا إنهم وثقوا حرق 20 منزلا بشكل كامل وجزئي، ومثلها من المحال التجارية، كما وثقوا حرق 30 مركبة شخصية والعشرات في تجمعين (مشاطب/ ورش) لتصليح المركبات، في خسائر تقدر بملايين الدولارات.
وبينما زار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وغيرهما مكان العملية، علق دافيدي بن تسيون نائب رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية على صفحته في تويتر قائلا: “يجب محو قرية حوارة اليوم”.
دعوات للتضامن
عبر مكبرات الصوت في المساجد ومنصات التواصل الاجتماعي، توجهت الدعوات بين المواطنين في حوارة وقرى جنوب نابلس لمساندة بعضهم والتصدي للمستوطنين، كما شكّلت لجنة مشتركة بين البلدية والهلال الأحمر لتسهيل مهمات الإسعاف والدفاع المدني.
وحسب إحصائية لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، استشهد أحد المواطنين خلال أحداث حوارة، وأصيب آخرون بجروح مختلفة، بينما اختنق نحو 350 مواطنا بالغاز المدمع، واعتدي على 3 مركبات للإسعاف، ومنعت أخرى من الوصول لإنقاذ المصابين.
وليس ببعيد عن حوارة، واجه مواطنون بقرية بورين المجاورة هجوما وحشيا شنه حوالي 100 مستوطن.
ويقول المواطن أيمن صوفان إن المستوطنين أحرقوا منزله ومركبتين، وحاصروه و15 شخصًا من أفراد عائلته لأكثر من ساعتين، وكادوا يوقعون بهم “مجزرة”، على حد وصفه.
وقال صوفان للجزيرة نت “لو تمكنوا من فتح الباب واقتحام المنزل لقرأتم الفاتحة على أراوحنا” في إشارة لمحاولة قتلهم.
لكن القتل مارسه المستوطنون فعلا بمنزل عائلة المواطن أبو بسام النجار وهم جيران أيمن صوفان، بعدما ذبح المستوطنون 5 من أغنامه وسرقوا 10 رؤوس أخرى، وفجَّروا مدخل منزله بزجاجة حارقة ألقوها صوب أنبوبة غاز كانت هناك”.
الحل.. المبادرة بالهجوم
في هذا السياق، يرى عبد أبو رحمة مسؤول العمل الشعبي في هيئة الجدار والاستيطان -جهة حكومية- أن المطلوب للتصدي لهجمات المستوطنين يكمن في شقين، أولهما تفعيل لجان الحماية الشعبية بقوة وخاصة بالمناطق النائية وذات الكثافة السكانية الأقل، وثانيا تضافر الجهود لتنظيم الفعاليات الشعبية في المناطق التي ينتشر بها المستوطنون وتكبيدهم خسائر.
ورغم أن الدفاع مهم بهذه المرحلة فإنه ليس كافيا، وفقا لما يقوله أبو رحمة للجزيرة نت، مضيفا أنه “علينا أن نملك زمام المبادرة والهجوم بأكثر من موقع لردع عصابات المستوطنين”.
ويواجه الفلسطينيون -بحسب أبو رحمة- عصابة منظمة من المستوطنين، تحظى بدعم شعبي ورسمي إسرائيلي مكنها من حمل وترخيص السلاح وشن الاعتداءات بحماية من الجيش، إضافة “لحكومة غير ملتزمة بأي اتفاقات وقرارات المجتمع الدولي، وحتى باتفاق الأمس في العقبة”.
وهذا يحفز المستوطنين نحو التمادي في إجرامهم، إلا أن المتغير هنا هو إرادة الشعب الفلسطيني وصموده، وأنه “لن يقبل بنكبة ثانية كما أرادها المستوطنون بالأمس في حوارة”، وفقا للمتحدث.
هكذا سيرد الشعب
من ناحيته، قرأ عادل شديد المحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي هجمات المستوطنين، بأنها رسالة من حكومة وجيش الاحتلال وقيادة المستوطنين مجتمعين، للبيئة الفلسطينية الحاضنة لعمليات المقاومة لبث الخوف والرعب فيها لردعها.
كما أنها رسالة سياسية وأمنية إسرائيلية بعد قمة العقبة، مفادها -بحسب شديد- أن قمة العقبة كرَّست واقعا هو أن ما يحدث حاليا نتاج عمليات المقاومة، وهذه العمليات نتاج ضعف السلطة وعدم قدرتها على ضبط الأمور، وليس كما حاول البعض تصويرها بأنها قمة لوقف الاستيطان وتمادي الاحتلال واقتحاماته واعتداءاته.
وأضاف المحلل السياسي أنه في ظل عدم توفر الحد الأدنى من الأمن والحماية للفلسطينيين من السلطة والتنظيمات الوطنية، من المتوقع أن تكون ردة فعل الشعب على شكل عملية أمس الفدائية.