تنفس إثره الأوروبيون الصعداء.. تفاصيل اتفاق نزع فتيل الانفجار في أيرلندا
لندن- لم يخفِ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك سعادته البالغة وهو يتوصل إلى اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي حول الوضع الخاص بأيرلندا الشمالية، والذي كان أشبه بقنبلة موقوتة تهدد علاقات لندن مع بروكسل وواشنطن.
وبعد أشهر من المفاوضات العصيبة، تمكنت بريطانيا والمفوضية الأوروبية من التوصل لاتفاق جديد، يعوض “البروتكول الخاص بأيرلندا” وهي الوثيقة المثيرة للجدل، والتي تسببت في أزمة سياسية في أيرلندا ووصل صداها إلى الولايات المتحدة، التي هددت بصرف النظر نهائيا عن أي مفاوضات حول اتفاق التبادل التجاري الحر مع بريطانيا في حال عجزت لندن عن إعادة الاستقرار السياسي إلى أيرلندا بشقيها سواء التابع للمملكة المتحدة أو جمهورية أيرلندا.
واختار الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أن يطلقا على الخطة الجديدة للتعامل مع نقل البضائع من بريطانيا إلى أيرلندا اسم “إطار عمل ويندسور” والتي ستكون بمثابة القانون الجديد الذي يحدد شروط انتقال السلع والخدمات من بريطانيا نحو أيرلندا الشمالية، وكذلك طريقة التعامل مع السلع المتجهة نحو جمهورية أيرلندا.
وباستثناء الحزب الوحدوي الأيرلندي الذي لم يقل كلمته بعد، فقط حظي الاتفاق بالترحيب في لندن وبروكسل، وكذلك واشنطن التي كانت تراقب عن كثب كل ما يحدث في أيرلندا باعتبارها راعية اتفاق “الجمعة العظيم” للسلام في الجزيرة الأيرلندية، وكذلك لأنها تحضر لزيارة تاريخية للرئيس جو بايدن إلى المملكة المتحدة لإحياء ذكرى اتفاق السلام في أبريل/نيسان المقبل.
فلماذا تنفس صناع القرار في بريطانيا والاتحاد الأوروبي الصعداء بعد هذا الاتفاق؟ وما الذي يجعله مختلفا عن البروتوكول الخاص بأيرلندا؟
لا حدود صلبة
لعل أهم شيء جاءت به وثيقة “إطار عمل ويندسور” هو إلغاء فكرة الحدود الصلبة بين بريطانيا وجزيرة أيرلندا، ذلك أن هذه النقطة كانت أصعب نقاط المفاوضات، وكانت كفيلة بإشعال الصراع من جديد بين الجمهوريين والوحدويين في أيرلندا.
وكان البروتوكول ينص على تفتيش كل البضائع التي تنتقل بين بريطانيا وأيرلندا سواء كانت موجهة إلى أيرلندا الشمالية أو جمهورية أيرلندا، وهو ما يضرب في الصميم انتماء جمهورية أيرلندا للمملكة المتحدة، الأمر الذي أغضب الوحدويين، مما دفعهم لمقاطعة العملية السياسية في أيرلندا الشمالية منذ حوالي سنة، حيث تعيش البلاد حاليا حالة من الفراغ السياسي بدون برلمان ولا حكومة.
ما الجديد؟
ينص الاتفاق الجديد على الكثير من التغييرات في طريقة انتقال البضائع بين بريطانيا وأيرلندا الشمالية، والعلاقة بين قوانين الاتحاد الأوروبي والقوانين في أيرلندا الشمالية خصوصا ما يتعلق بالمواد الغذائية والزراعية، وكذلك معايير اعتماد الأدوية.
لكن تبقى النواة الأساسية لهذا الاتفاق هي طريقة نقل البضائع، وتوصُل الطرفين إلى تقنية جديدة لضمان سلاسة انتقال البضائع بين بريطانيا وأيرلندا الشمالية، وأطلق الاتفاق ما يسمى “الطريق الأخضر” وهو مخصص لكل المنتجات المتجهة من بريطانيا إلى أيرلندا الشمالية، ويعني هذا أنه لن تكون أي إجراءات إدارية ولا نقاط تفتيش لهذه البضائع، مما يعني أنه تم التخلص من فكرة الحدود الصلبة، ونفس الأمر ينطبق على المنتجات القادمة من الاتحاد الأوروبي فهي لن تخضع لتفتيش في حال كانت متجهة إلى أيرلندا الشمالية.
في المقابل، فإن المنتجات البريطانية المتجهة نحو جمهورية أيرلندا أو القادمة من أيرلندا الشمالية نحو الاتحاد الأوروبي سوف تخضع “للطريق الأحمر” مما يعني تفتيشها وحصولها على عدد من الوثائق قبل دخول السوق الأوروبية الموحدة.
وحسب الحكومة البريطانية فإن “الطريق الأخضر” سيكون متاحا لجميع أنواع التجارة بالمملكة المتحدة، بما في ذلك المتاجر الصغيرة التي تريد نقل البضائع إلى أيرلندا الشمالية، بحيث لن تخضع لأي تفتيش ولن تدفع أي رسوم ضريبية، كما أُعلِن عن حذف شرط الحصول على التراخيص الصحية قبل نقل البضائع والمواد الغذائية من بريطانيا إلى أيرلندا الشمالية.
كما تم التوصل لاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حول الأدوية، ذلك أنها وخصوصا الأدوية المهدئة والمخدرة التي تحصل على ترخيص من السلطات الصحية البريطانية سيتم بيعها وعرضها في أيرلندا الشمالية دون الحاجة للعودة إلى الاتحاد الأوروبي.
“فرامل ستورمونت”
ولعل النقطة التي ستشفي غليل الوحدويين بأيرلندا الشمالية هي ما أطلق عليه الاتفاق “فرامل ستورمونت” في إشارة لبرلمان أيرلندا الشمالية، وهذه النقطة هي التي سوف تحفظ سيادة أيرلندا الشمالية على قرارها.
وحسب رئيس الوزراء البريطاني فإنه لن يتم تطبيق أي قانون تابع للاتحاد الأوروبي بأيرلندا الشمالية، إلا في الحد الأدنى الذي يسمح باستمرار الحدود مفتوحة بينها وجمهورية أيرلندا.
وينص هذا الاتفاق على منح الأعضاء الثلاثين بالبرلمان الأيرلندي للتصويت بالأغلبية ضد أي قانون جديد يصدره الاتحاد الأوروبي، ويهم قضايا داخل أيرلندا الشمالية، وفي هذه الحالة سوف تتدخل الحكومة في لندن، التي ستدخل في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي عبر لجنة مشتركة للوصول إلى اتفاق، فإما أن يتوصلوا لاتفاق يقضي بتطبيق هذا القانون في كل المملكة المتحدة أو ألا يتم تطبيق القانون في أيرلندا الشمالية.
لكن تبقى نقطة غامضة في هذا الاتفاق، وهي في حال عجزت اللجنة عن التوصل لاتفاق، فمن له الحق في التدخل لحسم الخلاف؟ وهناك من يقول إنه سيتم الاتفاق حول آلية للتحكيم بين الطرفين لكن حتى الآن لم يتم الإعلان عن تفاصيلها.