التحقيق وسد الثغرات والانتقام من كييف.. هكذا يطالب خبراء روس بالرد على عملية بريانسك
موسكو- بين إجراء تحقيق مفصل ودقيق والدعوة للقيام برد انتقامي سريع، تراوحت مواقف المحللين العسكريين والسياسيين الروس تجاه حادثة مقاطعة بريانسك، وسط توقعات بأن ما بعد الحادثة لن يكون في كافة الأحوال كما قبلها.
وقبل يومين، أعلن حاكم مقاطعة بريانسك ألكسندر بوغوماز قيام مجموعة أوكرانية بالتسلل إلى منطقة كليموفسك في مقاطعة بريانسك (على الحدود الروسية الأوكرانية)، حيث نفذت “عمليات إجرامية وإرهابية في المنطقة”، وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة آخر، إضافة إلى احتجاز نحو 100 من سكان البلدة.
ووفقا لمراقبين، فإن دلالات العملية تتجاوز الأرقام، وتمثل تحديًا مشابهًا لتفجير جسر القرم في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، الذي تعاملت معه موسكو كضربة لسمعتها أكثر مما هو ضرر مادي.
كانت الخطوات الأولية ردود الفعل الروسية، عبر دعوة الرئيس فلاديمير بوتين لعقد اجتماع خاص لمجلس الأمن القومي لبحث ملف الحادثة، كما قام بشكل مفاجئ بإلغاء زيارته التي كانت مقررة للقوقاز أمس الجمعة.
فيلق المتطوعين الروس
ورغم أن كييف نفت مسؤوليتها عن الحادث، وقيام ما يسمى “فيلق المتطوعين الروس” بإعلان مسؤوليته عن الهجوم في فيديو متداول، فإن موسكو تؤكد أن “مجموعة استطلاع وتخريب نظامية أوكرانية هي التي تقف وراء تنفيذ العملية الإرهابية”.
ويوصف هذا الفيلق بأنه حركة قومية مناهضة لروسيا تشكلت رسميا في أغسطس/آب 2022، وأصبح جزءًا من القوات المسلحة لأوكرانيا، ويدعو الشعب الروسي إلى حمل السلاح في مواجهة حكومة بوتين.
وهو صغير من حيث تركيبته العددية، ويضم أساسا المهاجرين الروس الذين يعيشون على الأراضي الأوكرانية منذ فترة طويلة. كما تقول مصادر روسية إنه يقوم بعمليات تجنيد لمقاتلين من دول أخرى.
وكان الفيلق أعلن في أوقات سابقة مسؤوليته عن عدة عمليات تخريبية داخل روسيا، وكذلك عن قتل داريا دوغينا ابنة المفكر الروسي ألكسندر دوغين الذي يوصف “بعقل بوتين”.
لفت الأنظار
وحسب المحلل السياسي ألكسندر فاسيلييف، فإن الهدف من العملية هو تحويل الانتباه عن “إخفاقات القوات الأوكرانية، التي تصاعدت في الآونة الأخيرة، لا سيما على محور أرتيوميسك (باخموت)، إضافة إلى تخويف سكان المناطق الحدودية وزعزعة ثقتهم في أداء ومهمة القوات الروسية”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يصف فاسيلييف العملية “بالإرهابية” في بعدها الأساسي، لكن تنفيذها -حسب رأيه- تم بحرفية من حيث كشف نقاط الضعف في حماية المناطق الحدودية، إذ درسوها بشكل جيد، وأتلفوا كاميرات المراقبة، قبل أن يقوموا بالانسحاب.
وطالب باتخاذ تدابير عاجلة لزيادة تعزيز الحدود، وإنشاء خط أمني على الجانب الآخر منها، كما كانت الحال في أفغانستان.
وبخصوص نفي أوكرانيا رسميا أي علاقة لها بالحادث، يرى المتحدث أنه كان موقفا متوقعا لعدم إحراج الداعمين الغربيين، وتجنبا لإعطاء المناهضين للدعم الغربي حجة المطالبة بوقف الدعم المالي والعسكري لكييف، إذا ثبت أن القوات المسلحة الأوكرانية دخلت المناطق الحدودية لروسيا.
ومن وجهة نظره، فقد “استخدمت كييف مرارا وتكرارا شماعة فيلق المتطوعين الروسي لتبرئة نفسها من تهم الإرهاب، والترويج لمجموعة قتالية لم تسبق رؤيتها في الأعمال القتالية الفعلية”، وذلك في سياق خطة مدروسة للسلطات الأوكرانية لاستخدام حركات روسية زائفة في تنظيم عمليات التخريب”.
كما أن أحد أهداف مثل هذه الإجراءات يتمثل -في رأي فاسيلييف- في تكوين صورة للصراع داخل المجتمع الروسي، حيث تنشط المعارضة ووسائل الإعلام الغربية في نشر تقارير تفيد بأن الهجوم نفذه أشخاص روس يختلفون مع سياسة السلطات الروسية.
بيد من حديد
في المقابل، يدعو خبراء عسكريون روس إلى عدم انتظار انتهاء التحقيقات بحادثة كليموفسك، والتعامل بقسوة مع ما يصفونه بالاستفزاز الأوكراني الجديد، ومن هؤلاء الخبير العسكري أناتولي جدانوف.
ووفقا للخبير العسكري جدانوف، فإن الحديث لا يدور عن ضربات انتقامية ضد البنية التحتية لأوكرانيا، إذ لا ينبغي أن يؤدي التحفيز المفاجئ للعمليات إلى زيادة الخسائر وسط المدنيين، بل لتوجيه رسائل قوية مفادها أن استهداف المدنيين داخل الأراضي الروسية سيكون مكلفا لمن يقوم بذلك.
في الوقت ذاته، يلفت جدانوف -في حديثه للجزيرة نت- إلى الاحتمال الكبير لاستخدام الطائرات المسيرة في رصد المنطقة تمهيدًا للعملية، متابعًا أن هذه الطائرات تحولت إلى أهداف صعبة لأي دفاع جوي، وبدأ إنتاجها لصالح أوكرانيا.
ويخلص إلى أن العملية كشفت عن وجود ثغرات في نظام حراسة الحدود، مما يعني الاستعداد لصد هجمات جديدة مشابهة، وإنشاء خطوط رادار إضافية ضد الطائرات المسيرة، عبر استخدام المناطيد ذات الرادارات التي يصل ارتفاعها إلى كيلومتر واحد، وبعد ذلك “ستكون السماء كلها تحت السيطرة”، حسب تعبيره.