بلغ عددهن 900.. من وراء تسمّم الطالبات في إيران؟
طهران– تتفاعل يوميا أزمة تسمم طالبات مدارس في إيران، حيث وصل الأمر إلى اتهام جهات دينية متطرفة ترفض تعليم الفتيات بالوقوف خلف ذلك، في مقابل اتهامات للمعارضة بدعوى زعزعة الاستقرار، مما دفع السلطات إلى تشكيل لجنة تحقيق خاصة لكشف ملابسات القضية التي باتت حديث الشارع.
ونهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تعرضت 650 تلميذة -على الأقل- لتسمم عبر الجهاز التنفسي في مدارس بمدن، وتكرر الأمر خلال الفترة الماضية آخرها قبل يومين حين قال رئيس خدمة الاستشفاء -لوكالة تسنيم للأنباء- إن طالبات من 7 مدارس للبنات في مدينة أردبيل (شمال) استنشقن صباحا مكونات غازية.
وفي هذا السياق، كشفت إنسيّه خزعلي نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والعائلة عن تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في القضية التي أثارت ضجة كبيرة، وقامت السلطات بعمل تحقيقات وبتقديم تفسيرات مفادها أنه قد تم تسميم الفتيات عمدا، دون إعطاء معلومات أخرى.
وأشارت السلطات إلى أنه من المحتمل أن يكون الجناة من المتطرفين الدينيين الذين يهدفون إلى إغلاق مدارس الفتيات، حيث قال يونس بناهي نائب وزير الصحة إنه بعد تكرار تسمم طالبات المدارس في قم -التي شهدت أولى حالات التسمم- تبين أن هناك من يريد إغلاق جميع المدارس وخاصة مدارس الفتيات.
تحقيقات رسمية
وردا على تجمع أهالي الطالبات عند المدارس والضغط عبر مواقع التواصل، أعلن قائد الشرطة أحمد رضا رادان أن أجهزته بصدد تحديد المشتبه بهم، لكنها لم تعتقل أحدا حتى الآن.
وأمر الرئيس إبراهيم رئيسي وزير داخليته بفتح تحقيق عاجل. كما أمر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف بتشكيل فريق من لجان البرلمان للتحقيق بقضية تسميم التلميذات. وأكد وزير الصحة أن ما حدث تسمم، لكنه قال إن تحديد كيفية إنتاج هذا السم، وما إذا كان عن قصد أم لا، لا يدخل في نطاق واجبات وزارته.
كما عقد البرلمان اجتماعا طارئا للتحقيق في القضية بمشاركة وزراء التربية والتعليم والاستخبارات والصحة، فضلا عن مندوبي بعض المدن التي شهدت حالات تسمم مثل قم وبروجرد.
ولا توجد إحصائية دقيقة حول عدد المصابات المتزايد، إلا أنه بعد مرور 100 يوم من بدء القضية، نقلت وكالة “مهر” اليوم الأول من مارس/آذار -عن أحد أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان- قوله إن 900 فتاة أصبن بالتسمم في المدارس خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
اتهامات للمعارضة
في ظل غياب الإعلان الرسمي عن نتيجة التحقيقات، تحدثت وكالة “إرنا” الرسمية عن 3 سيناريوهات، الأول أن تكون جماعات دينية متطرفة -ترفض تعليم البنات- وراء القضية، نظرا إلى أنها بدأت من مدينة قم الدينية واستهدفت مدارس البنات.
والثاني أن يكون التسمم نتيجة لأعمال شغب قامت بها الطالبات موسم الامتحانات لتعطيل المدارس. أما السيناريو الثالث الذي قدمته الوكالة فيتهم “الأعداء خارج البلاد وداخلها” من أجل استمرار “أعمال الشغب” أي الاحتجاجات.
من جهته، قال عباس صالحي رئيس تحرير صحيفة “اطلاعات” المقربة من التيار الأصولي “تعميم تعليم الفتيات من إنجازات الثورة، فلن نخسر هذا الإنجاز بالمجان”.
كما علقت وكالة “نورنيوز” المقربة من الأمن القومي، قائلة إن الحادث أصبح كالعادة قضية لوسائل الإعلام المعادية لزعزعة السلام والاستقرار النفسي في المجتمع.
كما اعتبرت وكالة “فارس” -المقربة من الحرس الثوري- أن الغرض من عمليات التسمم هو جر الأغلبية الصامتة إلى الاحتجاجات.
غضب من السلطات
ووصفت البرلمانية السابقة والناشطة بمجال حقوق المرأة فاطمة راكعي القضية بـ “الإرهابية” محذرة من كوارث اجتماعية وأمنية أكثر خطورة نتيجة للتأخير في التحقيق، حيث قالت إن قضايا كهذه لا تتحمل التأخير أبدا.
وأضافت راكعي -في حديث للجزيرة نت- أن الإعلان الصريح عن نتائج التحقيق وحده يمكن أن ينقذ من زعزعة الأمن، مؤكدة أن التباين في الخطاب الرسمي يقلل من ثقة الرأي العام.
وقد انتقد الحكومةَ العديدُ من كبار رجال الدين والمشرعين والساسة، لأنها لم توقف هجمات السم كما أعلنت عن أسباب متناقضة لها، وحذر البعض من أن انتشار الإحباط بين العائلات قد يشعل مزيدا من الاحتجاجات.
ونقلت وسائل إعلام رسمية عن رجل الدين الطباطبائي البروجردي قوله “يدلي المسؤولون بتصريحات متناقضة، أحدهم يقول إنها متعمدة، وآخر يقول إنها مرتبطة بالأمن، ومسؤول ثالث يلقي باللوم على أنظمة التدفئة في المدارس” مضيفا “مثل هذه التصريحات تزيد عدم ثقة الناس في المؤسسة”.
اتهامات مقابلة
واستذكر المتفاعلون قضية الهجوم بالأحماض على النساء اللاتي ينتهكن قواعد اللباس المفروضة في البلاد، بهدف ترويعهن.
وفي هذا الإطار، كتبت السياسية الإصلاحية معصومة ابتكار مخاطبة السلطات “لماذا هذا التأخير؟ هل تريدون أن يصبح الأمر مثل الهجوم بالأحماض في أصفهان؟”.
وبدورها، قالت السياسية الإصلاحية آذر منصوري “لو كانت هويات منفذي الهجمات بالأحماض قد تحددت وعوقبوا آنذاك لما تجرأت مجموعة من الرجعيين على فتياتنا البريئات في المدارس”.
وتساءل الباحث السياسي عباس عبدي: هل السلطات لم تعد قادرة على السيطرة؟ وهل أصبح الجهاز الأمني ضعيفا لهذه الدرجة أم أن كل شيء تحت السيطرة؟ متابعا “مع الأسف إنني أرجح الخيار الثالث على الأول والثاني”.