ماذا تحمل “الخطة العشرية” الأميركية لتعزيز الاستقرار في ليبيا؟
واشنطن- قدّم الرئيس الأميركي جو بايدن للكونغرس إستراتيجية إدارته حيال ليبيا، وذلك ضمن ما أطلق عليها “الخطة العشرية لتعزيز الاستقرار في مناطق الصراعات”.
وضاعفت واشنطن اهتمامها بهذا البلد مع قيام مدير وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إيه” (CIA) وليام بيرنز بزيارة للعاصمة طرابلس ولقاء رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة والاجتماع باللواء المتقاعد خليفة حفتر بمدينة بنغازي في يناير/كانون الثاني الماضي.
وقال السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند إن “الإستراتيجية العشرية الجديدة تعتمد على الشراكات البناءة والبرامج المجتمعية التي تدعم تطلع الشعب الليبي إلى الاستقرار والمساءلة والحوكمة”.
وشدد نورلاند في تغريدة له على أن “هذه المبادرة تؤكد التزام الولايات المتحدة بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي، ودعم التقدم نحو حكومة موحدة منتخبة ديمقراطيا يمكنها تقديم الخدمات العامة وتعزيز النمو الاقتصادي في جميع المجالات”.
الدوافع الأميركية
بدوره، قال جوناثان وينر المبعوث السابق إلى ليبيا في عهد الرئيس باراك أوباما ونائب مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون إنفاذ القانون الدولي للجزيرة نت إن جوهر الجهود الأميركية لتحقيق الاستقرار في ليبيا يبدأ بالديمقراطية والانتخابات، ويشمل توحيد المؤسسات واستخدام الموارد الطبيعية والثروات الليبية لصالح الشعب الليبي بطريقة شاملة.
وأشار وينر إلى أن هذا ينعكس في المبادئ الأربعة التي حددت الولايات المتحدة فيها إستراتيجيتها لمنع نشوب الصراعات وتعزيز الديمقراطية على النحو التالي:
- أولا: تمكين الشعب الليبي من اختيار قادته، وهذا يتطلب إجراء انتخابات، وآخر عملية شهدتها البلاد كانت في عام 2014، وهذا وقت طويل جدا دون أن يتخذ الناس خيارات بشأن من سيحكمهم.
- ثانيا: لا يتطلب التكامل بين الشرق والغرب فحسب، بل أيضا التكامل بين الشرق والغرب والجنوب، ولا يمكن لليبيا أن تحمي نفسها من نقاط ضعفها الأمنية والاقتصادية دون حلول تشمل جنوبها.
- ثالثا: تحتاج ليبيا إلى حكر استخدام القوة على حكومتها في ظل سيادة القانون، إذ “لا نعرف أي مجتمعات يمكنها توفير السلامة والأمن على المدى الطويل بناء على نظام من أمراء الحرب المحليين، فالجيش الموحد والنظام الوطني لمراقبة الحدود وقوات الشرطة المحلية الخاضعة للحكم المدني كلها عناصر طبيعية في أي حكومة وبلد عاديين، وإلى أن تحقق ليبيا ذلك فمن غير المرجح أن تكون قادرة على تلبية احتياجات شعبها من السلامة والأمن”.
- رابعا: إدارة إيراداتها نيابة عن شعبها بطريقة تتسم بالكفاءة المعقولة، وبمقاومة الفساد الذي ينخر شرعية أي حكومة تحتضنه، ويقوض ثقة الجمهور في أي بلد يصبح فيه عاملا جوهريا في الحياة اليومية للمستهلكين والشركات على حد سواء.
من جانبه، وفي حديث مع الجزيرة نت أشار السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط -والذي سبق له العمل في سفارة بلاده بطرابلس- إلى أن واشنطن تسعى إلى “حث القادة الليبيين على التعاون مع جهود الأمم المتحدة لتحقيق عملية سياسية موحدة تؤدي إلى انتخابات بحلول نهاية العام، وتحقيق قدر أكبر من الاستقرار والأمن لليبيين وشركائهم الاقتصاديين الغربيين”.
المصالح الأميركية في ليبيا
وعن طبيعة المصالح الأميركية التي تدفع واشنطن للتدخل في الشأن الليبي، قال فولفغانغ بوستاي المحلل الأمني والدبلوماسي السابق ورئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية الليبية “إن سي يو إس إل آر” (NCUSLR) للجزيرة نت إن “مكافحة الإرهاب في ليبيا مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، حيث يريد الأميركيون إنهاء زعزعة الاستقرار المستمرة في المنطقة بأكملها بسبب الوضع الفوضوي في هذا البلد، وعلاوة على ذلك -خاصة في ضوء الصراع بأوكرانيا- تريد واشنطن إخراج مرتزقة فاغنر الروس من ليبيا”.
من جانبه، أشار السفير ماك إلى أنه “من شأن الاستقرار في ليبيا أن يجعل من الممكن إحداث زيادة كبيرة في صادرات النفط والغاز الليبية، وهذا بدوره سيعزز شركاءنا في الاتحاد الأوروبي ويوفر المزيد من الاستقرار الإقليمي في مواجهة الجهود المزعزعة للاستقرار التي تبذلها روسيا”.
ومن مصلحة الولايات المتحدة تعزيز الاستقرار في هذا البلد، إذ إن “ليبيا المستقرة والآمنة والمزدهرة والمنتجة لفرص العمل لن تفيد الليبيين فحسب، بل من المحتمل أن تفيد جيرانها في 4 مناطق حيوية متقاطعة: المغرب العربي، والساحل، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها”، كما يقول وينر.
مواجهة محتملة
واشار السفير ماك إلى أن واشنطن تريد مساعدة الليبيين على معالجة مشاكلهم السياسية والاقتصادية بطرق تقلل بشكل كبير فرص “الأذى” الروسي أو نمو “المنظمات الإرهابية”.
أما وينر فقال إن “الأمر متروك للشعب الليبي والحكومة الليبية لتحديد العلاقات التي يريدونها مع روسيا والصين، تماما كما هو الحال مع علاقتهم بالولايات المتحدة، فقد كانت لدى روسيا مخططاتها واستخدمت وجود مجموعة فاغنر في البلاد للاستفادة من نفوذها في أفريقيا -ولا سيما بجنوب الصحراء الكبرى- على نطاق أوسع، ولا أرى أنه من مصلحة ليبيا الاستمرار في إيواء مجموعة فاغنر التي قتل مرتزقتها عددا كبيرا من الليبيين في هجوم 2019-2020 على طرابلس”.
أما فولفغانغ بوستاي فيرى أن “الإستراتيجية الأميركية لا تتمحور حول روسيا ولا الصين، بل نهجها هو العكس، فمن خلال تحقيق الاستقرار في ليبيا -خاصة تحسين وضع السكان بشكل كبير- سيتم تأمين ليبيا ضد التأثير الساحق لروسيا والصين”.