الاخبار العاجلةسياسة

فلسطينيات عالقات في غزة.. السفر إلى أستراليا أسهل منه لرام الله

غزة- “ليش ما بدك توديني عند أبوي في رام الله؟”، يسأل الطفل عطا باستمرار، وعقله الصغير لا يستوعب أن “السفر إلى أستراليا أسهل من سفر ساعتين بالسيارة من غزة إلى رام الله”، كما تجيب والدته أحلام سالم، وقد امتزج صوتها بكثير من الألم والحسرة.

ولم يلتقِ عطا (4 أعوام) -الذي وُلد في غزة- إطلاقا بوالده زياد المقيم في مدينة رام الله بالضفة الغربية منذ عام 2008، بسبب مماطلة الاحتلال الإسرائيلي في الرد على طلب تغيير عنوان الإقامة في بطاقة هوية الأم أحلام وأبنائها الخمسة من غزة إلى الضفة الغربية، والسماح للعائلة بالالتحاق بالأب والإقامة معه.

تعجز أحلام عن الإجابة على أسئلة طفلها عطا الدائمة عن والده-رائد موسى-الجزيرة نت
تعجز أحلام عن الإجابة عن أسئلة طفلها عن والده الذي فصله الاحتلال عنهم (الجزيرة)

عالقات

قبل نحو 4 أعوام، كانت المرة الأخيرة التي التقت فيها أحلام سالم (42 عاما) بزوجها زياد في رام الله، عندما منحتها سلطات الاحتلال تصريحا مؤقتا للمرور عبر معبر بيت حانون “إيرز” كمرافقة لوالدتها المريضة، ومكثت هناك نحو سنة مخالفة الوقت المحدد بالتصريح على أمل إيجاد حل لمشكلتها، لكن من غير جدوى، لتقرر العودة إلى غزة.

وأمثال أحلام من النساء كُثر في غزة، وتُقدّر أعدادهن بأكثر من 100 سيدة يطلق عليهن “الزوجات العالقات”، ممن يحملن بطاقات هوية عنوان الإقامة فيها غزة، بينما الأزواج يقيمون ببطاقات هوية عنوانها الضفة الغربية.

في مهب الريح

أحلام وزوجها من الفلسطينيين العائدين إلى الأراضي المحتلة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، وقد أقاما في الضفة الغربية نحو 10 سنوات قبل الانتقال إلى غزة، تقول للجزيرة نت “كان تغيير العنوان سهلا، وقام زوجي بذلك فعلا، ولم أدرك في ذلك الحين أن الأوضاع ستنقلب رأسا على عقب، وستصبح أسرتنا في مهب الريح بسبب العنوان”.

وحتى اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، كان التنقل بين غزة والضفة متاحا إلى حد ما عبر ما كان يطلق عليه “الممر الآمن”، وهو ضمن سلسلة إجراءات كثيرة نصّ عليها اتفاق أوسلو للسلام عام 1993، وانقلبت عليها إسرائيل ولم يعد لها أثر.

وجراء تدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة إثر تشديد إسرائيل حصارها عليه في منتصف 2007، عاد زوج أحلام إلى الضفة، وبقيت هي برفقة أطفالهما على أمل أن يلتئم شملهم.

وطوال هذه السنوات، تقيم أحلام مع أبنائها في بيت مستأجر، وتقوم بدور الأم والأب، لكن صبرها نفد، وتقول “طفح الكيل، ولم أعد قادرة على التحمل.. نفسيتي تعبت، وزوّجت ابني البكر (أحمد) من دون حضور والده، ومرّت بي مشكلات كثيرة تحتاج إلى وقفة رجل”.

وقد تقدمت أحلام بطلب لتغيير العنوان في بطاقتها الشخصية منذ عام 2007، فيما تقدمت بطلبات مماثلة لأبنائها منذ نحو عام، وتقول “لم أترك سبيلا للمّ شمل أسرتي، ولم يعد أمامنا إلا المغادرة والإقامة خارج البلاد، لكن حتى هذا الخيار ليس سهلا وبحاجة إلى المال”.

رفضت سلطات الاحتلال لمرات عديدة منح حنان وأطفالها الثلاثة تصاريح زيارة لزوجها المقيم بالضفة-رائد موسى-الجزيرة نت
سلطات الاحتلال رفضت مرات عديدة منح حنان وأطفالها الثلاثة تصاريح زيارة لزوجها المقيم في الضفة (الجزيرة)

أعباء مالية وضغوط نفسية

في بيت آخر، تعاني الطفلة جود أبو صاع (9 أعوام) المرض وهي بحاجة إلى عملية جراحية دقيقة، غير أن الخوف دفع والدتها حنان إلى تأجيلها غير مرة، على أمل وجود زوجها إلى جانبها.

ومنذ أن باعد العنوان في بطاقة الهوية بينها وبين زوجها أيمن (35 عاما) قبل نحو عامين، تعيل حنان (34 عاما) بمفردها أطفالهما الثلاثة: جود، وأحمد (7 أعوام)، وورد (5 أعوام).

اقرأ ايضاً
29 عاما على اتفاقية أوسلو.. كيف كرّس الاحتلال الإسرائيلي الاستيطان وغيّب حل الدولتين؟

تقول حنان للجزيرة نت إنها لا تستطيع الإجابة عن أسئلة أطفالها الدائمة: “متى سيأتي أبي؟”، و”لماذا لا نذهب إليه؟”، و”شو (ماذا) يعني هوية؟”.

في عام 2012، تزوّجت حنان في الإمارات العربية المتحدة، واضطرت وزوجها الذي يحمل بطاقة هوية الضفة الغربية إلى المغادرة بعدما فقد عمله إثر جائحة كورونا عام 2020، وقد مكثت نحو شهر في الأردن تنتظر السماح لها بالمرور للحاق به إلى الضفة الغربية، وعندما تبدد الأمل عادت بأطفالها إلى غزة، لتقيم بهم عند شقيقها في شقة سكنية شمال القطاع.

وخلال العامين الماضيين، لم تفلح حنان في الحصول على موافقة واحدة لطلبات كثيرة تقدمت بها للحصول على تصريح زيارة لزوجها، وتقول إن “الاحتلال يخنقنا ويحاصر أدق تفاصيل حياتنا”.

ويفرض هذا التشتت الأسري عبئا ماليا كبيرا على أسرتي أحلام وحنان، وتساءلت الأخيرة “في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية: كيف لنا أن نواجه عبء تكاليف بيتين في غزة والضفة؟”.

أسر مشتتة

وقالت المتحدثة باسم الزوجات العالقات الدكتورة مروة أبو حمادة، للجزيرة نت، إن معاناة أحلام وحنان تتشابه مع ما تواجهه عشرات الحالات الأخرى لنساء متزوجات ومخطوبات، وأطفال مشتتين بين غزة والضفة، بانتظار تغيير بضع حروف في خانة العنوان ببطاقات الهوية.

ولا يوجد إحصاء دقيق بأعداد الزوجات العالقات، غير أن مروة تقول إنهن أكثر من 100 في غزة، وأعدادهن تتزايد، والمعاناة تتفاقم مع وصول الأبناء إلى عمر 16 عاما، واستصدار بطاقات هوية خاصة بهم.

ومروة نفسها -المقيمة حالياً في بيت لحم بالضفة الغربية- كانت من الزوجات العالقات، ولم تنجح في الوصول إلى بيتها وعملها بجامعة فلسطين الأهلية إلا بتصريح مرافقة لنجلها المريض، عند السماح له بالذهاب للعلاج في مستشفيات الضفة، فيما بقي الآخر عالقا في غزة.

وتقول مروة إن ابنيها من زواجها الأول كانا يقيمان في غزة، فيما كانت تقيم برفقة زوجها الضفاوي وابنتها الرضيعة في بيت لحم بالضفة، وعندما اضطرت لزيارة والدها المريض في غزة عام 2021، منعها الاحتلال من العودة، وقام بتغيير عنوان رضيعتها (5 شهور) من الضفة إلى غزة.

وتناضل مروة حالياً من أجل الحصول لابنها محمد (17 عاما) الوحيد في غزة على موافقة تغيير عنوان، ليلتئم شمل أسرتها بالضفة.

ميرفت صادق فلسطين رام الله 7 شباط فبراير 2021 حملة فلسطينية تطالب بتحريك ملف طلبات لم الشمل التي يعاني منها عشرات آلاف الفلسطينيين
إسرائيل توقفت عن منح موافقات جديدة لتغيير العنوان مما شتت العديد من العائلات الفلسطينية (الجزيرة)

لا موافقات جديدة

وعقب تفاهمات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 2021 وحتى يوليو/تموز 2022، نجحت وزارة الشؤون المدنية -وهي الجهة المخولة فلسطينيا بمتابعة ملف لمّ الشمل وتغيير العنوان- في الحصول على 14 ألفا و500 موافقة، من بينها 4300 تغيير عنوان، بحسب المتحدث الرسمي باسم الوزارة عماد قراقرة.

وقال قراقرة للجزيرة نت إن هذه الموافقات تشمل زوجات وأزواجا من العالقين في الضفة وغزة، وهي “إنجاز وطني”، مضيفا أن هناك جهود مستمرة لحل آلاف الملفات الأخرى، ومعالجة الحياة المأساوية للعائلات المشتتة، لكنه قال “لا يوجد أي موافقات إسرائيلية جديدة حتى اللحظة”، وأضاف “ليس هناك دولة في العالم تقوم بتشتيت العائلات كما تفعل إسرائيل”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى