1059 بلدية و3018 مختارا.. ما الذي يعيق إجراء الانتخابات البلدية في لبنان؟
بيروت – تنتهي الولاية الممدّدة للمجالس البلدية في لبنان يوم 31 مايو/أيار 2023، ورغم دعوة وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي إلى الاستعداد لانتخاب هيئات محلية جديدة في الشهر ذاته، فإن ذلك لا يعني حتمية إنجازها نظرا للعقبات التي تعترضها.
وبينما يعتقد مراقبون أنه لا يوجد إرادة سياسية حقيقية لإنجاز هذا الاستحقاق الديمقراطي المهم للبنانيين، حدد الوزير مواعيد إجرائها بدءا من السابع من مايو/أيار المقبل في شمالي لبنان، وفي الـ14 من الشهر ذاته في جبل لبنان، ويوم 21 مايو/أيار القادم في بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل، يليه الجنوب والنبطية في الـ28 من الشهر نفسه.
وتستعرض الجزيرة نت جوانب معلوماتية عن البلديات في لبنان، وتطرح أسئلة عن التحديات التي تواجه الاستحقاق الانتخابي.
-
ما واقع المجالس البلدية في لبنان؟
تعود فكرة إنشاء البلديات إلى عهد المفوض السامي الفرنسي عند إنشاء دولة لبنان الكبير سنة 1920. ثم صدرت أنظمة بلدية سنة 1922 تحدد أصول إنشاء البلديات، وتنص على أن يدير كل مجلس بلدي المصالح لكل مدينة أو قرية مستقلة إداريا.
ولاحقا، صارت البلدية عبارة عن إدارة محلية تمارس صلاحياتها ضمن نطاقها الجغرافي المحدد قانونيا، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، وتتبع جميع البلديات لسلطة وزارة الداخلية.
وماليا، تؤمّن البلديات مواردها من استيفاء الرسوم البلدية مباشرة من سكانها، ومن رسوم الدولة والمساعدات والقروض وحاصلات الأملاك العامة البلدية وغيرها.
لكن البلديات عموما، وتحديدا بعد الانهيار الذي يعصف بلبنان منذ خريف 2019، تعاني من شح مالي كبير، وبعضها يشكو من العجز، مما أعاق تأدية دورها الإنمائي وغيّب المشاريع نتيجة تراجع الإقبال على المناقصات التي تعلنها.
-
كم يبلغ عدد البلديات والمخاتير؟
بحسب أرقام حديثة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي “يو إن دي بي” (UNDP)، يوجد في لبنان 1059 بلدية فيها 12 ألفا و741 عضوا. وبعد الانتخابات البلدية الأخيرة عام 2016، أصبحت 108 بلديات، بعضها منحلة يديرها القائم مقام أو المحافظ، أي بنسبة 10% من عموم البلديات.
وقانونيا، يُعتبر المجلس البلدي منحلا إذا فقد نصف أعضائه على الأقل أو حُكم بإبطال انتخابه.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد على الأراضي اللبنانية 3018 مختارا، يتولون ملفات حيوية وضرورية للمواطنين كإصدار وثائق الولادات والوفيات وتنظيم معاملات جوازات السفر والهويات وغيرها.
وحاليا، تشهد مكاتب أغلب المخاتير ازدحاما كبيرا، إذ تسارع شريحة واسعة من المواطنين لإنجاز معاملاتها تحسبا لعجزها عن العمل إذا انقضت المهلة الانتخابية بلا انتخابات أو تمديد.
-
كم تبلغ سنوات ولاية المجالس البلدية والاختيارية؟
تعد الانتخابات البلدية والاختيارية الاستحقاق الديمقراطي الثاني مع الانتخابات البرلمانية الذي ينجز بالتصويت والاقتراع، لكن ولاية المجالس البلدية والاختيارية تبلغ 6 سنوات خلافا لولاية البرلمان في 4 أعوام.
وفي تاريخه الحديث، شهد لبنان حتى الآن 6 انتخابات للمجالس البلدية في الأعوام 1952 و1963 و1998 و2004 و2010 و2016.
وتظهر الفوارق أن لبنان عمليا لم يلتزم بولاية الست سنوات إلا في انتخابات 2004 و2010 و2016. في حين أن المجالس الأخرى كانت تشهد تمديدا لولايتها وفقا لظروف كل مرحلة، وأطول تمديد عرفته البلديات كان بين مجلسي 1963 و1998 بسبب أحداث الحرب الأهلية، ويحكى عن صدور نحو 21 قانونا حينها يقضي بالتمديد للبلديات والمخاتير، وبعضها بمفعول رجعي.
أمام التمديد الأخير، فحصل منتصف 2022، حين انتهت ولاية المجالس البلدية والاختيارية المنتخبة عام 2016. وجرى تمديدها حتى 31 مايو/أيار 2023.
-
من يحق له الترشح للانتخابات البلدية؟
باستثناء الموظفين في مناصب في الدولة والعاملين بمواقع ينص عليها القانون مفصلا، يحق لكل مواطن ترشيح نفسه لعضوية بلدية ما، ويقدم ترشيحه لدى المحافظة حيث سجلاته ومسقط رأسه مقابل رسم مالي قيمته 500 ألف ليرة (نحو 5.2 دولارات).
وسابقا، كان يقدّر معدل المرشحين في هذا الاستحقاق بكل لبنان بنحو 40 ألف مرشح. غير أن المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات “لادي” (LADE) علي سليم يتوقع أن يرتفع عدد المرشحين هذا العام إذا أُجري الاستحقاق، نظرا لقيمة رسم الترشح التي صارت زهيدة جدا بفعل انهيار العملة اللبنانية أمام الدولار.
رح تخلص ولاية المجالس #البلدية والمخاتير بأول أيار.#الانتخابات طايرة على الغالب والتوجه انه يتمدد للمجالس البلدية، المخاتير شو مصيرهم؟
ما في طريقة يكفوا شغل
الناس كيف بتعمل اوراقها
يلي عنده معاملة بدها مختار يخلّصها قبل أيار#الانتخابات_البلدية #لبنان pic.twitter.com/WQ0UyJUGlv— Chadi Mansour (@chadiman) April 4, 2023
-
ما العقبات التي تعترض إنجاز الانتخابات البلدية؟
ماليا، قدرت الحكومة اللبنانية الحاجة لتمويل الانتخابات بنحو 8.9 ملايين دولار، في حين رصدت الحكومة قبل الانهيار نحو 20.5 مليون دولار لإنجازها عام 2016.
لوجيستيا، وفي ظل الإضراب المستمر لمعظم موظفي القطاع العام الذين يطالبون بتحسين رواتبهم، فإن العملية الانتخابية تحتاج نحو 12 ألف موظف ونحو 800 قاض للجان القيد، وجميع هؤلاء من غير المضمون حضورهم نتيجة اعتراضهم على أوضاعهم ورفضهم قيمة المستحقات التي تسددها لهم الدولة لقاء هذا العمل والتي تبلغ نحو 8 ملايين ليرة لكل موظف (نحو 80 دولارا) بالكاد تغطي كلفة التنقل إلى مراكز الاقتراع والفرز.
علاوة على أن شهر أبريل/نيسان الحالي معظمه عُطل رسمية في لبنان، ولم يتبلغ الموظفون بعد بإشعارات للمشاركة في العملية الانتخابية مطلع مايو/أيار المقبل.
ويضيف علي سليم للعقبات اللوجيستية والسياسية والمالية، ما وصفه بـ”غياب الإرادة السياسية لإنجاز الاستحقاق، خصوصا أن السلطة السياسية حوّلت البلديات منذ عقود إلى ساحات لتكريس نفوذها المحلي بالقرى والمدن عبر الأعضاء المنتخبين”.
ويستغرب سليم رفض البرلمان حتى الآن إصدار مرسوم يجيز تمويل الانتخابات البلدية من حقوق السحب الخاصة “إس دي آر” (SDR) بقيمة 1.1 مليار دولار التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي عام 2021، مقابل التذرع بصعوبة توفير هذا التمويل. علما أن لبنان أنفق منه حتى الآن نحو 700 مليون دولار.
وفي ظل الشغور الرئاسي، ونظرا للخلاف السياسي والدستوري حول ما إذا كان البرلمان هيئة ناخبة أم تشريعية، يقول الأكاديمي والخبير في القانون الدستوري وسام اللحام إن البرلمان قد يتذرع بذلك لإفشال أية جلسة مخصصة لإقرار اعتمادات الانتخابات البلدية. ويصف ذلك بالبدعة للهروب من الاستحقاق، مذكرا أن لبنان تمكّن سنة 2016 من إجراء الانتخابات البلدية، رغم شغور موقع الرئيس قبل انتخاب ميشال عون.
ويقول اللحام “لو كان هناك انتظام طبيعي للمؤسسات لرُصدت الاعتمادات في الموازنة السنوية لعام 2023، التي لم تصدر بعد رغم مرور أكثر من 4 أشهر على بداية العام”.
-
ما السيناريوهات المرتقبة حول مصير الانتخابات البلدية؟
يقول وسام اللحام إن إجراء الانتخابات البلدية ما زال واردا طالما أن وزير الداخلية دعا الهيئات الناخبة إليها.
وسياسيا، يتوقع أن تقيس كتل البرلمان مدى مصلحتها بإنجازها، “خصوصا أن البلديات تحوّلت لذراع من أذرع النظام السياسي وخسرت وظيفتها الإنمائية”. ويذكّر اللحام بالدعوات السياسية لتقسيم بلدية بيروت على أساس طائفي.
من جانبه، يقول خبير الانتخابات علي سليم إن العقبة المالية ليست كافية لعدم إجراء الانتخابات، ولكن رغم وجود ائتلاف يعارض التمديد للمجالس الحالية، فإنه قد يمر بـ”قوة استمرار المرفق العام”.
وإذا انقضت المهلة الدستورية لولاية المجالس البلدية والاختيارية من دون إجراء الانتخابات، يصدر البرلمان، وفق اللحام، قانونا للتمديد بمفعول رجعي.
وقال سليم إن “البلديات تعتبر منتهية الولاية إذا انقضت الفترة ولم يصدر مرسوم التمديد، ثم تستمر في عملها كسلطة أمر واقع مع إضفاء شرعية عليها بقانون مفعول رجعي”.
على مستوى آخر، يقول النائب في البرلمان اللبناني فريد البستاني إنه لا يوجد نية لعقد جلسة برلمانية قريبا بعد الإشكال الكبير الذي شهدته جلسة اللجان الأخيرة.
وإذا عقد البرلمان جلسة قريبا، وفق البستاني، يرجّح أن تكون دعوة لمناقشة بند واحد حول الانتخابات البلدية بغية التصويت على تأجيلها والتمديد للمجالس الحالية. وأضاف “المشكلة ليست تمويلية فحسب، بل إدارية، ونحن لم نحل بعد أزمة المعلمين ومختلف موظفي القطاع العام الذين لا يمكن إجراء الانتخابات من دونهم”.