الاخبار العاجلةسياسة

خبير أميركي: التهديد بالسلاح النووي أسهل لبوتين من استخدامه

واشنطن- جاء حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عدم الحاجة إلى مزيد من الضربات الضخمة على أوكرانيا “على الأقل في الوقت الحالي” في وقت يجتهد فيه الخبراء والمعلقون للوقوف على مدى جدية التهديدات الروسية، سواء المباشرة أو غير المباشرة، بتوجيه ضربة نووية تكتيكية محدودة النطاق إلى أهداف في أوكرانيا، خاصة بعدما أعلنت موسكو قبل أسبوعين تعبئة جزئية لإضافة 300 ألف جندي للمجهود الحربي الروسي.

الجزيرة نت أجرت حوارا مع البروفيسور ألكسندر ديبس، الخبير في الشؤون النووية بجامعة ييل (Yale University) الأميركية المرموقة.

ويركز ديبس في أبحاثه الأكاديمية على أسباب الحروب، والانتشار النووي. وقد ظهرت أعماله في أفضل دوريات العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مثل “دورية العلوم السياسية الأميركية”، وهو مؤلف كتاب “السياسة النووية: الأسباب الإستراتيجية للانتشار”، الصادر عن جامعة كامبردج البريطانية.

وحصل ديبس على الدكتوراه من جامعة ماساشوستس للتكنولوجيا، بعدما نال درجة الماجستير من جامعة أكسفورد.

وفي ما يلي نص الحوار:

لقد جاءت هذه الهجمات الواسعة ردا على الهجوم الأوكراني على الجسر الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، وهذا ما أدى إلى تصعيد الصراع بما نراه منذ ذلك الحين.

  • كيف تطورت الحرب الروسية في أوكرانيا لتصل إلى هذه الدرجة من تدمير أهداف مدنية، خاصة البنية التحتية؟

لقد نجح الهجوم المضاد الأوكراني الأخير في استعادة كثير من الأراضي المحتلة من روسيا. وبعد انتكاسات عسكرية متكررة، حاول بوتين قلب موازين الصراع بإعلانه ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة، دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا، مدعيا أنها جزء لا يتجزأ من روسيا، وأعلن أنه مستعد لاستخدام الأسلحة النووية لحمايتها. وبهذا التصريح وضع بوتين نفسه في موقف صعب، خاصة أن التهديدات النووية تضيف توترا إضافيا للأوضاع المضطربة في المقام الأول. وأي شيء يتم القيام به لزيادة مصداقية التهديدات النووية يزيد من خطر وقوع كارثة.

  • هل يمكن أن تثير التطورات الأخيرة ردا نوويا من روسيا؟

من الصعب أن نعرف على وجه الدقة؛ فالتهديدات النووية تمثل ضغطا كبيرا على صانعي القرار في الجهات المقابلة. لكن -بصفة عامة- من الأسهل التهديد بالاستخدام النووي عندما يكون بقاء دولة ما على المحك. حاول بوتين رفع مصداقية تهديداته النووية بالادعاء بأن هذه المناطق جزء من روسيا، وبالتالي فإن الهجوم عليها يهدد وحدة أراضي روسيا. وإذا كان هذا هو المنطق، فإن استخدام الأسلحة النووية لحماية هذه المناطق التي تم ضمها حديثا يعكس تصعيدا هائلا في الصراع. في الوقت ذاته، قد يكون هناك خطر أكبر يتمثل في حدوث انفجار نووي من هجوم عرضي، أو حادثة، في محطة زاباروجيا للطاقة النووية.

  • كيف يمكن لواشنطن وحلف شمال الأطلسي (ناتو) الرد على أي هجوم نووي من روسيا على هدف داخل أوكرانيا؟

قام مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بتحذير روسيا بصورة مباشرة من أنه ستكون هناك “عواقب وخيمة” إذا استخدمت أسلحة نووية. ولم يوضح علنا ما يعنيه ذلك، لكنه قال إن الولايات المتحدة كانت واضحة لروسيا في السر. ومن المحتمل أن توسع واشنطن مستوى دعمها العسكري لأوكرانيا وطبيعته إلى حد أبعد مما هو عليه الآن. لكن لا أتصور أن ترد واشنطن نوويا على أي استخدام روسي للأسلحة النووية.

  • وما العواقب الإستراتيجية الرئيسية لحلف الناتو من استمرار الهجمات الروسية على أوكرانيا؟

تهاجم روسيا جارة ديمقراطية صغرى، وتستولي على أجزاء من أراضيها، ويرفض أعضاء حلف الناتو هذا الانتهاك الواضح للقانون الدولي. لقد قامت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بعمل رائع عند اندلاع الصراع، بتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن خطط روسيا وحشدها الدعم لإرسال رد فعل قوي من دول الحلف. كما تم إقناع دول أخرى (السويد وفنلندا) بالانضمام إلى الحلف نتيجة العدوان الروسي. ومن المرجح أن يعزز تصعيد روسيا هجماتها الأخيرة على المدنيين ونجاح أوكرانيا في ساحة المعركة من عزم أعضاء حلف الناتو على مواصلة دعم المجهود الحربي الأوكراني.

اقرأ ايضاً
استراتيجية سعودية لتوطين الصناعات العسكرية والدفاعية

  • هل تتصور أن يعيد الرئيس بوتين الأراضي الأوكرانية في إقليم دونباس وشبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا؟

لقد وضع بوتين نفسه حقا في موقف صعب، ولقد وضع نفسه في مأزق وطريق مسدود. ويبدو من غير المرجح أن يعيد هذه الأراضي. وقد يأمل بوتين في أن تتمكن قواته على الأرض من الصمود لفترة كافية، حتى تتمكن القوات الإضافية من إمالة ميزان القوى لصالحه، أو أن يتضاءل الحماس الأوروبي لدعم أوكرانيا مع حلول فصل الشتاء وشعور المستهلكين بحجم ارتفاع أسعار الطاقة.

  • ما السيناريوهات التي تتوقعها للأشهر والسنوات القليلة المقبلة بسبب هذه الحرب؟

من غير المرجح أن تنتهي الحرب في أي وقت قريب. قد نرى أوكرانيا تواصل المضي قدما في هجومها المضاد واستعادة المزيد من الأراضي، وروسيا قد تمضي -من جهتها- وقتا طويلا في شن هجماتها المضادة بعد دخول قوات التعبئة الجديدة المعركة.

  • هل تتوقع أن تستمر الحرب لسنوات؟

نعم، أتوقع استمرار الحرب لسنوات.

Russian President Vladimir Putin looks at Col.Gen. Sergei Surovikin, Russian Commander in Syria, at the Hemeimeem air base in Syria, on Monday, Dec. 11, 2017. Declaring a victory in Syria, Putin on Monday visited a Russian military air base in the country and announced a partial pullout of Russian forces from the Mideast nation. (Mikhail Klimentyev, Sputnik, Kremlin Pool Photo via AP)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث عن عدم الحاجة لمزيد من الضربات الضخمة على أوكرانيا في الوقت الحالي (أسوشيتد برس)
  • برأيك، كيف ومتى تنتهي هذه الحرب؟

سيكون من الصعب على الرئيس بوتين الموافقة على تسوية يتخلى فيها عن بعض الأراضي التي ادعى للتو أنها جزء من روسيا، أو أن يوافق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف الناتو، أو أن يحد الحلف من المساعدات التي يقدمها لكييف. قد يكون هناك وقف لإطلاق النار، حيث يأمل كل جانب في إعادة تجميع صفوفه وتحويل الحقائق على الأرض من خلال هجمات لاحقة جديدة.

  • ما الدروس الأولية لأولئك الذين يحاولون فهم طبيعة الحروب الحالية والمستقبلية؟

هناك بعض الدروس:

أولا: عند اندلاع الحرب، كانت هناك معركة دبلوماسية استثنائية في بداية الصراع. وارتكن بوتين إلى بعض مبادئ القانون الدولي، مثل تقرير المصير الوطني وحماية الأقليات “المضطهدة”، لتبرير عدوانه. ومن المؤكد أن هناك سوابق لمثل هذه المناورات، فقد قام أدولف هتلر بالشيء نفسه في الأزمة بشأن سوديتنلاند، قبل بدء الحرب العالمية الثانية. لكن رد إدارة بايدن، الذي دان مثل هذه المحاولات وحشد الرأي العام العالمي من أجل رد قوي، كان لافتا للنظر حقا.

ويشير بعض المحللين إلى مناورات بوتين الدبلوماسية ومنظوره المائل للتاريخ في التدليل على أن الحرب كانت “خاطئة”. وأرى في ذلك معركة دبلوماسية لتبرير قراره. لكن لا يزال من الممكن أن يكون هناك منطق إستراتيجي لدى نظامه لمعارضة أوكرانيا قوية وديمقراطية تزداد قربا من حلف الناتو.

ولطالما اشتكى الرئيس بوتين من فكرة توسع حلف الناتو، مدعيا أن الغرب تراجع عن وعوده السابقة بعدم التوسع شرقا. فقد هاجم جورجيا بعد بضعة أشهر فقط من قمة بوخارست عام 2008، التي فتحت الباب أمام انضمام جورجيا وأوكرانيا إلى الحلف. من جهته، واجه حلف الناتو “معضلة التزام”، فهو لا يستطيع الالتزام بإبقاء أوكرانيا خارج الحلف من ناحية، ومن ناحية أخرى يتردد الأوربيون في السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى الحلف.

في الوقت ذاته، لدى الرئيس بوتين بعض الحوافز لمهاجمة أوكرانيا الآن قبل أن تصبح أقوى. ومن الناحية الإستراتيجية، تشكل أوكرانيا القوية والديمقراطية تحديا لبوتين، وربما قاعدة لحركات المعارضة المحلية، أو جبهة أخرى في صراع مع الغرب.

ثانيا: في ما يتعلق بسير الحرب، هناك خطأ إطلاق التهديدات النووية من جانب موسكو، إذ يفقدها ذلك أهميتها في استخدامها لردع الهجمات عندما يمكن أن تهدد هذه الهجمات بقاء الدولة، ولكن من الصعب استخدامها لانتزاع تنازلات من الأعداء. ومن المؤكد أن البعد النووي لعب دورا في هذا الصراع. لقد دعمت الولايات المتحدة وحلف الناتو أوكرانيا، لكنهما لم يصلا إلى حد محاربة روسيا مباشرة. ويأمل الرئيس بوتين في استخدام التهديدات النووية لانتزاع تنازلات من أوكرانيا.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى