الاخبار العاجلةسياسة

ساعات عصيبة وترقب واسع في السودان.. هل تتجه الأوضاع للانفجار بين الجيش والدعم السريع؟

الخرطوم – يعيش السودانيون منذ ليل أمس الأربعاء ساعات عصيبة وترقبا مستمرا بعد تبادل كل من الجيش والدعم السريع تحريك تعزيزات عسكرية صوب منطقة مروي شمالا وحتى داخل العاصمة الخرطوم.

وأرسلت قوات الدعم السريع نحو 200 سيارة محملة بالجند والسلاح إلى مروي، حيث بدأت دخول المدينة في وقت مبكر من صباح أمس الأربعاء، واتجهت للتمركز غرب المطار في أرض زراعية.

وقالت مصادر متطابقة للجزيرة نت إن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف اختصارا بحميدتي ابتاعها قبل أكثر من عام بغرض الاستثمار، لكنه عدل عن الفكرة وقرر أن ينشئ عليها معسكرا للتدريب ويشيد عليها مباني سكنية لقواته.

ووفقا لشهود عيان من أهالي مروي تحدثوا للجزيرة نت، فإن الجيش الذي يملك قاعدة مشاة في مروي، سارع لإعلان حالة التأهب، وعمد لمحاصرة قوة الدعم السريع، وأمر قائدها بالانسحاب من الموقع لكن دون جدوى، حيت تم إمهال القوة 24 ساعة للمغادرة تنتهي مساء اليوم الخميس.

ونقل الشهود عن قوات الدعم السريع قولهم إنهم في انتظار الأوامر من القيادة للانسحاب أو البقاء، في حين تواترت أنباء عن تزايد الانتشار العسكري للجيش في محيط مطار مروي خلال نهار اليوم الخميس.

تمثل مروي ثقلا أمنيا وإستراتيجيا بالغ الأهمية، وطبقا للخبير الأمني اللواء أمين إسماعيل المجذوب، فإن المنطقة تضم مطارا عسكريا وآخر مدنيا، وتوجد بها قاعدة جوية، وبالتالي لا تقبل القوات المسلحة أي وجود لغيرها فيها.

وأشار إلى أن المطار يغطي شمال السودان وشرقه وغربه، ويعتبر قاعدة جوية مساندة بديلة للقواعد العسكرية الأخرى في السودان، ويستقبل الطائرات العسكرية المقاتلة وطائرات النقل الجوي.

  • ماذا كان رد فعل الجيش؟

أصدر المتحدث باسم الجيش بيانا في الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس، قال فيه “إن القوات المسلحة يقع على عاتقها دستورًا وقانونًا حفظ أمن وسلامة البلاد، ووجب علينا أن ندق ناقوس الخطر بأن بلادنا تمر بمنعطف تاريخي وخطير”، مشيرا إلى أن هذا المنعطف تزداد مخاطره بقيام قيادة قوات الدعم السريع بتحشيد القوات والانفتاح داخل العاصمة وبعض المدن.

وأضاف المتحدث أن “هذه التحركات والانفتاحات تمت دون موافقة قيادة الجيش أو مجرد التنسيق معها، مما أثار الهلع والخوف في أوساط المواطنين، وفاقم من المخاطر الأمنية، وزاد من التوتر بين القوات النظامية”.

وفي انعكاس لعمق الصراع بين القوتين، قال المتحدث باسم الجيش العميد نبيل عبد الله، في بيانه، إن محاولات الجيش لإيجاد الحلول السلمية لتجاوزات الدعم السريع لم تنقطع، حفاظًا على الطمأنينة العامة وعدم الرغبة في نشوب صراع مسلح يقضي على الأخضر واليابس.

كما أكد أن انفتاح قوات الدعم السريع وإعادة تمركزها يخالفان نظام عملها، وفيه تجاوز للقانون ومخالفة لتوجيهات اللجان الأمنية المركزية والولائية، محذرا من حدوث مزيد من الانقسام والتوتر في حال استمرار قوات الدعم السريع في الانفتاح، وقال إن ذلك “ربما يقود إلى انفراط عقد الأمن بالبلاد”.

  • كيف فسر الدعم السريع انتشار قواته في المنطقة؟

إزاء تصعيد الجيش وتأكيد مصادر عسكرية تأزم الأوضاع في مروي، أصدر متحدث باسم الدعم السريع بيانا ليل أمس الأربعاء، قال فيه إنهم بوصفهم قوات قومية تضطلع بعدد من المهام والواجبات الوطنية التي كفلها لها القانون، تعمل بتنسيق مع قيادة القوات المسلحة وبقية القوات النظامية الأخرى في تحركاتها.

وأفاد بأنها تنتشر وتتنقل في كل أرجاء الوطن من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، ومحاربة ظواهر الاتجار بالبشر، والهجرة غير النظامية، ومكافحة التهريب والمخدرات، والجريمة العابرة والتصدي لعصابات النهب المسلح أينما وجدت.

وأشار إلى أن وجود قوات الدعم السريع، بالولاية الشمالية، وفي مدينة مروي تحديدا، يأتي ضمن وجودها في بقية الولايات، في إطار تأدية مهامها وواجباتها التي تمتد حتى الصحراء.

لكن مصادر عسكرية وبيان المتحدث باسم الجيش نفيا الحديث عن وجود تنسيق مشترك، وقال مصدر استخباراتي للجزيرة نت إن العدد الكبير لقوات الدعم السريع التي نشرت في مروي تؤكد سعيها لفرض سياسة الأمر الواقع وإجبار الجيش على قبولها حول المطار، وهو ما لن يحدث، وفق تعبيره.

  • هل يملك الدعم السريع حق الانتشار في أي منطقة؟

يؤكد العميد عمر عثمان أن الدعم السريع لا يملك الحق في التحرك منفردا، وأن ذلك ما أثار حفيظة الجيش الذي يجب أن يحاط علما بأي تحركات عسكرية. ويتوقع عثمان، في حديثه للجزيرة نت، تدخّل حكماء ووسطاء لمنع انحدار الأوضاع الأمنية، حيث بدأت تحركات قادة سياسيين، بينهم رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر لتطويق الأزمة.

ويرجع المتحدث سبب الأزمة إلى التباطؤ في نقاش الكثير من القضايا الجوهرية، التي سبق أن طرحها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في مبادرته “الطريق إلى الأمام”، حين تحدث عن ضرورة تدارك التشظي العسكري والمدني باعتباره مقلقا للغاية، لكن حديثه لم يجد التقدير من الأطراف جميعها.

  • كيف تبدو خارطة انتشار قوات الدعم السريع؟

يملك الدعم السريع قوة عسكرية واقتصادية ضاربة، ونجح قادته في استقطاب عدد كبير من قادة الجيش الذين أحيلوا للتقاعد، وأسس مقار عديدة في العاصمة الخرطوم، كما يملك إدارات ومعسكرات في غالب ولايات السودان.

ففي العاصمة، تملك قوات الدعم السريع معسكرات في كل منافذها، حيث تقيم أعداد كبيرة من هذه القوات في معسكر “طيبة” جنوب الخرطوم، بجانب معسكر آخر في منطقة صالحة، وثالث في الجيلي شمال الخرطوم، كما تملك مقرا في سوبا شرقا، علاوة على استحواذها على مقار إستراتيجية في قلب الخرطوم، بينها مقر جهاز المخابرات السابق قريبا من قيادة الجيش، ومقر هيئة العمليات القريب من مطار الخرطوم الدولي، بالإضافة إلى معسكرات في غالب مدن دارفور غربا، وكسلا شرقا.

  • ما علاقة الانتشار بالوجود المصري في مطار مروي؟

يتحدث قيادي في لجان المقاومة بمنطقة مروي للجزيرة نت عن وجود عسكري مصري في مطار مروي منذ أكثر من عامين، ويعتقد أن الدعم السريع يريد محاصرة هذا الوجود والضغط على الجيش بهدف “إنهاء وجود المصريين غير المبرر في المطار الإستراتيجي”، مشيرا إلى أن أهالي المنطقة يرفضون وجود الدعم السريع والقوات المصرية على السواء، وفق تعبيره.

اقرأ ايضاً
تباين أداء اسواق الاسهم الخليجية و أرامكو السعودية تسجل رقما قياسيا

وفي الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2022 أكد مدير المطارات الولائية عبد المحمود عمر أنّ الوجود المصري في مطار مروي تحت سيطرة السلطات السودانية، موضحا -في تصريحات صحفية- أنه يتعلّق بالتدريب بين الجانبين، رغم وجود مراقب مصري في برج المراقبة، إلاّ أن ذلك يتمّ في ظل السيطرة السودانية.

وكانت القوات السودانية والمصرية أجرت في مارس/آذار 2021 مناورات عسكرية في مروي تتصل بإدارة العمليات الجوية، بمشاركة عناصر من قوات الصاعقة في البلدين.

وطالبت لجان المقاومة في مروي بإنهاء كافة أشكال الوجود العسكري في البلدة، ودعت في بيان اليوم الخميس لمغادرة الجيش المصري مطار مروي فورا، مع تفكيك القاعدة الحربية الجوية بمطار مروي، ودعت كذلك للترحيل الفوري للفرقة 19مشاة من موقعها الحالي، وطالبت بانسحاب أرتال الدعم السريع.

  • كيف تبدو الأوضاع؟ وما المساعي المبذولة لإنهاء الصراع؟

تتكاثف حالة القلق ساعة بعد أخرى مع وصول أرتال عسكرية للدعم السريع إلى الخرطوم قادمة من دارفور، كما أرسل الجيش تعزيزات إلى مطار مروي، بما يصعّب التكهن بتطورات الموقف خلال الساعات المقبلة.

وتنشط وساطات سياسية لحمل الطرفين على عدم التصعيد، وأصدر رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان مالك عقار، بيانا مشتركا قائلين إنهم بذلوا مساعي بين قيادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لإنهاء الأزمة الأمنية، وإن تحركاتهم وجدت تجاوبا من الجانبين.

وطالب حزب بناء السودان بإعلاء المصلحة العامة وإعادة الانتشار بشكل فوري، وسحب جميع الحشود العسكرية إلى مواقعها المعتمدة التي كانت تتمركز فيها قبل 6 أشهر.

  • هل اقتربت المواجهة بين الجيش والدعم السريع؟

يستبعد الخبير الأمني اللواء أمين إسماعيل المجذوب وقوع مواجهة مسلحة بين القوتين، ويقول إن التطور الحالي مرده لفشل المفاوضات حول دمج الدعم السريع، الذي شعر قادته بضعف موقفهم وحاولوا إدارة الأزمة بافتعال أزمة أخرى، وتحريك قوات إلى مطار مروي تحت دعاوى كثيرة عمت مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يصدر حيالها رد من قادة الدعم السريع.

ويضيف الخبير الأمني في حديثه للجزيرة نت “بدا واضحا أنه يريد الحصول على موقف قوي في المفاوضات الخاصة بالدمج والاتفاق النهائي”.

ويشير أمين إسماعيل إلى استمرار التحشيد من الجانبين لكن تصاحبه حالة من ضبط النفس، حيث تتواصل -كما يقول- الاجتماعات بين القيادات لنزع فتيل الأزمة، مردفا “لم يصل الأمر ولن يصل للنزاع المسلح، لأن الأمر سياسي، وكل جهة تحاول إدارة الأزمة بافتعال أزمات أخرى”.

  •  ما الحل؟

يرى اللواء أمين إسماعيل المجذوب أن الحل يكمن في إدارة الأزمة السياسية بسرعة، والوصول لاتفاق على دمج قوات الدعم السريع في الجيش، ورفع التوصيات لتضمينها في الاتفاق النهائي.

ويشير لحالة احتقان كبير في الشارع ووسط القوى السياسية بسبب التباطؤ في نقل السلطة للمدنيين، والوفاء بالالتزامات التي قطعها العسكر في وقت سابق بالانسحاب من المشهد، حيث تعطي حالة التوتر الحالية انطباعا بأن الأزمة مفتعلة لتعطيل الانتقال، مضيفا “هذا أمر خطير جدا، لذلك فإن الحل السياسي ينهي كل الأزمات بسرعة”.

ولفت إلى أن التدخل الخارجي لم يعد مؤثرا في الموقف الحالي الذي يعد أزمة داخلية حادة بين مكونات عسكرية، داعيا المدنيين للابتعاد عنها تماما، لأن أي وساطة ستزيد الموقف تعقيدا وتفهم بأنها انحياز لجهة ما، ومردفا “الكرة الآن في ملعب القادة العسكريين، يجب أن يجلسوا سويا لأنهم يعرفون بعضهم بعضا ويفهمون لغتهم ويدركون بالتالي الحلول، وذلك حتى لا ننجر إلى صراع مسلح يفتت البلاد ويدخلها في حرب أهلية”.

  •  ما أصل الخلاف بين البرهان وحميدتي؟

يعكس التطور الذي شهدته مروي وحديث الناطق باسم الجيش مستوى القطيعة بين الطرفين، رغم محاولات تغطية التوترات الناشبة منذ عدة أشهر.

وبدأ الخلاف بين حميدتي والقائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان مبكرا، حيث تباينت مواقفهما حيال التعامل مع الأزمة السياسية، ومسارعة حميدتي لتأييد مواقف ائتلاف الحرية والتغيير الذي أطاح به قائد الجيش من الحكم يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وأظهر حميدتي تأييده لمسودة الدستور الانتقالي التي أعلنتها نقابة المحامين المحسوبة على الحرية والتغيير كمخرج للأزمة السياسية.

وتوالت مفارقة حميدتي للبرهان واقترابه من قوى الحرية والتغيير والعمل معها لتعجيل تسليم السلطة لحكومة مدنية.

كما تبدى اتساع الهوة بين القائدين العسكرييْن خلال ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، التي انعقدت في سياق الوصول لاتفاق سياسي يمهد لإبعاد العسكر عن السلطة وتسليمها للمدنيين، حيث تعذر على الجيش والدعم السريع التفاهم على السنوات المفترضة لإكمال عملية الدمج والقيادة والسيطرة على القوات خلال الفترة الانتقالية.

وبحسب مصادر تحدثت للجزيرة نت، فإن الجيش دفع مطلع هذا الأسبوع بمقترحات تحدد فترة دمج قوات الدعم السريع بعامين فقط، وعام إضافي لإنهاء عمليات التسريح، حيث تشمل عملية الدمج والتسريح أكثر من 100 ألف جندي ومقاتل يتبعون للدعم السريع.

في المقابل يتمسّك حميدتي بأن تكون فترة الدمج 10 سنوات، كما يرى أن تكون قيادة وسيطرة القوات بيد مجلس السيادة المدني، وهو ما يرفضه البرهان الذي يقول إن السيطرة يجب أن تكون للقائد العام للجيش لحين إجراء انتخابات.

وبدا أن التباعد في التوافق على المسائل الخلافية وشكوك قادة الجيش حيال قبول الدعم السريع بالاندماج في الجيش، ضاعفا من التوتر بين الطرفين حد تحريك كل طرف آلياته الثقيلة استعدادا لأي تطور قادم.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى