تجميد التيار الصدري.. ترتيب للأوراق الداخلية أم إفشال لنوايا متطرفة مدعومة خارجيًا؟
بغداد- تعدّدت القراءات والآراء حول أسباب تجميد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تياره السياسي لمدة عام، وإغلاقه حسابه الرسمي على تويتر، ما بين تأكيد الصدر أنها خطوة لمحاربة من سمّاهم المفسدين داخل مفاصل التيار، وبين آراء ترى أنها قد تكون لإعادة ترتيب الأوراق داخليًا وتمهيدًا لرفضه محاولات إعادته للعملية السياسية، في الوقت الذي يرى فيه آخرون أنها خطوة استباقية جاءت لقطع الطريق أمام محاولات خارجية خطّطت لتفكيك التيار عبر تشويه سمعته عبر دعم مجموعة فيه تحمل ما وُصفت بـ”دعوى دينية متطرفة”.
من “أهل القضية”؟
ومؤخرا، بثت مجموعة تطلق على نفسها “أهل القضية” تسجيلات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رأت في الصدر “تجسيدًا” لأحد أئمة الشيعة المُقدسين، الأمر الذي أغضب الصدر ودفعه لإعلانه تجميد التيار، قائلا -في تغريدة له على تويتر- “أن أكون مصلحًا للعراق ولا أستطيع أن أصلح التيار الصدري فهذه خطيئة، وأن أستمر في قيادة التيار الصدري وفيه (أهل القضية) وبعض من الفاسدين، وفيه بعض الموبقات، فهذا أمر جلل”.
وبعيد ساعات من تحرّكات الصدر الأخيرة، اعتقلت السلطات الأمنية العراقية 65 متهما من أفراد “أهل القضية” بتهمة الترويج لأفكار تسبب إثارة الفتن والإخلال بالأمن المجتمعي، وذلك حسب بيان لمجلس القضاء الأعلى في البلاد.
وكان التيار الصدري ألغى قبل يومين -بأمر مباشر من زعيمه- اعتكاف مسجد الكوفة الرمضاني بمحافظة النجف (جنوبا) بعد نشر هذه التسجيلات المصورة التي عدها التيار الصدري صادرة عن مجموعة عقائدية منحرفة تعرف بـ”أهل القضية”.
وكان مقتدى الصدر اعتزل العمل السياسي 9 مرات في غضون 9 سنوات، كان آخرها في أغسطس/آب من العام الماضي، بعد اعتصام أنصاره داخل البرلمان العراقي واقتحامهم القصر الجمهوري، وأعمال عنف شهدتها المنطقة الخضراء انتهت باشتباكات مع فصائل مسلحة مناوئة له، مما أسفر عن سقوط العديد من القتلى والجرحى.
ويُعرف عن الصدر أنه يمتلك قاعدة جماهيرية وشعبية كبيرة ومؤيدة له، حيث يستطيع من خلالها إثارة قلق الطبقة السياسية المُعارضة له، لا سيما تحالف الإطار التنسيقي، ويأتي ذلك من خلال قدرة التيار على حشد الآلاف من أتباعه وتحريك بوصلتهم بالاتجاه الذي يريده وفي غضون ساعات.
الحيثيات والرسائل
وللوقوف على تفاصيل وحيثيات الانسحاب الصدري، تواصل مراسل الجزيرة نت مع 3 من قيادات التيار، إلا أنهم اعتذروا عن التصريح التزاما منهم بتوجيهات الصدر التي نصت على عدم الحديث لوسائل الإعلام منذ انسحابه من المشهد السياسي، مع تأكيد عضو بارز في التيار أن قرار التجميد جاء لأسباب دينية أكثر مما هي سياسية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد المتحدث الصدري -مشترطا عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة- أن قرار التجميد جاء لردّ محاولات فتنة تدعمها جهة خارجية تُحاول تشويه سمعة وصورة التيار لتفكيكه من خلال تأييدها مجموعة تطلق على نفسها “أهل القضية”، معلقا “مُغالاة أهل القضية التي رأت في الصدر أنه إمام الحجة أزعجت زعيم التيار كثيرا، مما دفعه لتجميد تياره خوفًا من انحرافهم بشكلٍ ربما قد يتوسعُ أكثر ويُهدّد حتى المكوّن الشيعي”.
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) April 13, 2023
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة المستنصرية عصام الفيلي أن الصدر أراد بقرار تجميد تياره أن يوصل رسالة للأطراف السياسية مفادها أنه يُحاول مُحاربة كل أشكال الانحراف والفساد، سواء كان سياسيًّا أو عقائديًّا، وفق تعبيره.
ويُشير إلى أن ما طرحته مجموعة “أهل القضية” يتقاطع تمامًا مع العقيدة الإسلامية بشكل عام وعقيدة الشيعة بشكل خاص، معلقا في حديثه للجزيرة نت “لذلك وجد الصدر فكرة المجموعة خروجا عن الدين والعقيدة، ولا تمّت لتياره ولا لاسم والده فبأية صلة”.
أما على المستوى السياسي، فيرى الفيلي أن هناك ارتباطا بين خطوة الصدر الأخيرة وأداء حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عبر وجود ما وصفه بـ”التناغم” بينهما، لا سيما ما يتعلق بمعالجة المشاكل الموروثة وملفات الفساد، وتزامن ذلك مع الحديث عن تغييرات قريبة في “الكابينة” الحكومية الحالية واستبدال بعض الوزراء، وفق قوله.
ورغم ذلك، يختتم الفيلي حديثه للجزيرة نت بالإشارة إلى أن مفاتيح باب العودة للنشاط السياسي ستبقى بيد الصدر، مستندًا -حسب رأيه ذلك- إلى طبيعة الأوضاع الداخلية، بالإضافة إلى قدرته على التصدي لبعض الأحزاب المتهمة بالفساد، وفق قوله.
غلق الأبواب
في غضون ذلك، يصف رئيس مركز بغداد للدراسات الإستراتيجية مناف الموسوي قرار التجميد بـ”عملية إصلاحية حقيقية” داخل التيار، وأنها خطوة يتبعها الصدر منذ فترة طويلة من خلال إجراء الإصلاحات سواء كان بالتجميد أو إيقاف العمل السياسي أو العسكري داخل تياره، لا سيما عند وجود الأخطاء.
ومع ذلك، لا يخفي الموسوي -المقرب من التيار الصدري- أن القرار جاء كذلك لغلق جميع الأبواب أمام الضغوط التي قد يتعرّض لها الصدر من أجل العودة للعملية السياسية والمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات التي من المقرّر أن تعقد نهاية العام الحالي.
وعن احتمالية أن يكون قرار الصدر الأخير نابعا من محاولة رفع يده ومسؤوليته عن أي غضب جماهيري وشعبي قد يحدث خلال الفترة المقبلة، لا يستبعد الموسوي ذلك، موضحًا -في حديثه للجزيرة نت- أنها قراءة عميقة وواضحة من الصدر برفع يده عن العملية السياسية والحكومة، خاصة مع وجود ضغوط تُمارس ضده من التيار وخارجه لإعادته للعملية السياسية.
وفي ما إذا كان من المُمكن أن يعلق الصدر تجميد تياره والعودة لنشاطه السياسي أو الديني قبل انتهاء المدة التي حددها، يُجيب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو عن ذلك باستحالة التنبؤ بالقرارات المحتملة التي يتخذها الصدر سواء المتعلقة بالعودة إلى ممارسة الحياة العامة أو البقاء على حالة التجميد.
ويُشير المُتحدث الأكاديمي إلى أن التيار الصدري يُعاني من وجود آراء يمكن أن تعدّ “متطرفة” بالنسبة للمنظومة الفقهية الإثنى عشرية الجعفرية الشيعية، وذلك نتيجة غياب الدور الأساسي للصدر بسبب عمليات التجميد التي تطول شخصيات بارزة فيه باستمرار.