الاخبار العاجلةسياسة

تفاصيل مثيرة.. كيف تفاعل الشارع العراقي مع هروب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق من محبسه؟

بغداد– لم تكن ليلة عادية تلك التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد ليل الثلاثاء الماضي، بعد أن تمكن رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش من الهروب من محبسه من مركز شرطة كرادة مريم المجاور للمنطقة الخضراء من جهة بوابة التخطيط، حيث تعد المنطقة من أكثر المناطق تحصينا في البلاد.

وهو ما حدا بالقوات الأمنية إلى تطويق المنطقة والبدء بحملة بحث وتفتيش عن المتهم الفار، مع أوامر مباشرة من وزير الداخلية عبد الأمير الشمري باحتجاز جميع ضباط مركز الشرطة وإحالتهم للتحقيق.

 

 

وما أثار حفيظة العراقيين من قصة هروب كمبش هي التفاصيل التي شبهها البعض بأفلام هوليود، إذ كشف المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول أن كمبش الذي صدر بحقه -قبل 9 أيام- حكم بالحبس المشدد لمدة 4 سنوات تمكن من الفرار من الجهة الخلفية لمركز شرطة كرادة مريم في الساعة 10:30 من مساء الثلاثاء بمساعدة 3 أشخاص، حيث كانت هناك عجلتان بانتظاره لتأمين هروبه إلى جهة مجهولة.

هروب مدبر

وفي بيان صحفي صدر أمس الأربعاء عن رسول، أوضح أن هروب كمبش جاء بعد مغادرة شقيقته -النائبة في البرلمان العراقي أسماء حميد كمبش- المركز بعد أن زارته وقت الإفطار، مؤكدا أن الأجهزة المختصة باشرت بالتحقيق ووضعت يدها على الوثائق والأدلة وألقت القبض على كل من له علاقة بالهروب والأطراف التي سهلت ذلك.

وكان كمبش قد اعتقل مارس/آذار الماضي من منزله بقضاء بعقوبة مركز محافظة ديالى (شرقا)، على خلفية قرار أصدرته هيئة النزاهة الاتحادية بتهمة ارتكابه خروقات مالية بلغت قيمتها نحو 100 مليون دولار، بعد اتهامه بالتلاعب جاءت على إثر تلاعب في بناء مساجد ومآذن وفنادق، حيث صدر بحقه حكم قضائي حضوري بالحبس المشدد لمدة 4 سنوات.

وكان كمبش قد تولى رئاسة ديوان الوقف السني (مؤسسة حكومية) مطلع عام 2020، بعد أن شغل قبل ذلك منصب وكيل رئيس الديوان للشؤون الدينية والثقافية، ثم جاء قرار إعفائه من منصبه بأمر من رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي منتصف العام الماضي.

وأثارت حادثة هروب كمبش تساؤلات عدة، لا سيما ما يتعلق باستمرار احتجازه في مركز للشرطة بعد إدانته قضائيا، وهو ما يعني أنه كان من المفترض أن يُرَّحل إلى سجون وزارة العدل، فضلا عن حقيقة وجود سجون من الدرجة الأولى (VIP) تتمتع بخدمة 5 نجوم وخارجة عن ضوابط السجون العراقية، وهو ما أشارت إليه بكل وضوح عضو لجنة النزاهة البرلمانية عن تحالف الجيل الجديد سروة عبد الواحد في تغريدة لها على تويتر.

في السياق، قالت سروة عبد الواحد “إن المنطقة التي يقع فيها مركز شرطة كرادة مريم تعد محصنة أمنيا بالنسبة للمواطنين، لكنها مفتوحة أمام الفاسدين والمسؤولين، وإن هذه الحادثة من شأنها أن تفقد المواطنين ثقتهم بالمؤسسات الأمنية، وهو ما يتطلب موقفا رادعا من الحكومة العراقية”.

وفي حديث خاص للجزيرة نت، أكدت النائبة البرلمانية أن مثل هذه الأحداث المتعلقة بالهروب من السجون لها جذور وتوافقات سياسية مسبقة، على اعتبار أنه ليس بإمكان أحد الهروب من السجن من دون تسهيلات مسبقة وتوافقات مع من وصفتهم “ببعض الفاسدين”، مبينة أن موضوع هروب كمبش يرتبط بتواطؤات، لا سيما أن هناك من يريد كمبش خارج السجن، حسب تعبيرها.

الكتاب العراقي باسم العوادي
باسم العوادي أكد اتخاذ الحكومة العراقية إجراءات حاسمة في ما يتعلق بقضية هروب كمبش (الجزيرة)

تبرير حكومي

وتعليقا على ذلك، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي للجزيرة نت إن وزارة الداخلية اتخذت -بتوجيه من رئيس الوزراء- قرارات حاسمة في ما يتعلق بحادثة هروب سعد كمبش، مبينا أن اختراق بعض مراكز التوقيف من الداخل أو بتأثير من قوى أخرى، تعد حالة ورثتها الحكومة من الحكومات السابقة، وهي جزء من حالات الفساد التي تعمل الحكومة بالتنسيق مع وزير الداخلية للقضاء عليها، معلقا “لعل هذه الحادثة ستكون مفصلية في طبيعة تعاطي الحكومة مع القضايا المماثلة”.

أما عن التداعيات التي يمكن أن تتركها هذه الحادثة على أداء الحكومة ومنهاجها في مكافحة الفساد، فقد أكد العوادي أن حادثة هروب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق، ستكون حافزا ومحركا للحكومة على اتخاذ أقسى الإجراءات الرادعة، وإصدار الأوامر والقرارات الحاسمة، لا سيما في ما يتعلق بالحد من السلبيات الموروثة واكتشاف مكامن الخلل في المنظومة الأمنية المكلفة بمحاربة الفساد، وفق قوله.

اقرأ ايضاً
هكذا ينظر الأوكرانيون إلى جدية تهديد روسيا باستخدام الأسلحة النووية

وكانت وكالات أنباء عراقية محلية قد نقلت عن الأجهزة الأمنية أن قوات من الشرطة قد ألقت القبض -أمس الأربعاء- على أبناء كمبش وزوجته قبل محاولتهم العبور إلى إقليم كردستان عبر محافظة كركوك (شمالا) من دون أن يتسنى لمراسل الجزيرة نت التحقق من صحة ذلك.

على الجانب الآخر، قال الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي حيدر الجوراني -للجزيرة نت- إن حادثة هروب كمبش أثارت ما كان قد أشار إليه تقرير سابق لبعثة الأمم المتحدة بالعراق “يونامي” (UNAMI) نشر الشهر الماضي عن الإخفاء القسري، وتضمن كيفية إدارة السجون العراقية.

الجوارني يرى أن قضية هروب كمبش فضحت ظاهرة السجون الخاصة والتمييز في تنفيذ الأحكام القضائية والإفلات من العقاب، مبينا أن هذه الحادثة تعد ثاني أكبر تحدٍ تواجهه حكومة السوداني بعد اضطرابات محافظة ديالى الأمنية الشهر الماضي، والتي تكمن خلفها أيضا جملة من التشظيات السياسية التي انعكست على مستوى الاتفاقات السياسية لتشكيل الحكومة الحالية، وفق تعبيره.

واستمرارا لردود الأفعال، ترى مستشارة المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب فاطمة العاني إن هروب كمبش من السجن يشير إلى ما وصفته “بتسييس” ملف المعتقلين بالبلاد، ومدى تورط الأحزاب والمسؤولين بهذا الملف، مما سيؤثر حاليا ولاحقا على السلم المجتمع.

وفي حديثها للجزيرة نت، لفتت المستشارة إلى أن هذه الحادثة تضع القانون العراقي على المحك في ما يتعلق بخضوع الجميع لأحكام القانون، لا سيما في ظل توثيق مركزها لأكثر من 60 حالة وفاة لسجناء نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد في السجون خلال عام 2022، ومطلع العام الحالي، حسب قولها.

وكانت الأسابيع الماضية قد شهدت جدلا واسعا بعد أنباء عن هروب أحمد الكناني المتهم باغتيال الخبير الأمني والإستراتيجي هاشم الهاشمي عام 2020، بعد أن كشف كتاب رسمي صادر عن وزارة العدل خلو سجون الوزارة من المتهم وبياناته.

تفاعلات واسعة

وشهدت منصات التواصل الاجتماعي بالعراق تفاعلات واسعة مع حادثة هروب كمبش، إذ يرى الإعلامي أحمد ملا طلال أن هروب رئيس ديوان الوقف السني كفيل بإسقاط الدولة.

في حين غرد السياسي بليغ أبو كلل منتقدا عدم اتخاذ وزير الداخلية أي إجراءات للحد من الفساد في مراكز الشرطة، مشيرا إلى وجود مراكز احتجاز ذات درجة أولى (VIP) وخدماتها المقدمة للفاسدين.

أما الصحفي عمار الحديثي، فقد أكد -في تغريدته- أن مركز شرطة كرادة مريم يبعد عن مستشارية الأمن القومي مسافة كيلومتر واحد فقط.

من جهته، أشار المغرد عمر حبيب إلى أن سجن كرادة مريم عبارة عن مضيف يقبع فيه السجناء من أصحاب المليارات.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى