تضم 3 أضعاف طاقتها الاستيعابية.. كيف سيتمكن العراق من فك التكدّس بالسجون؟
بغداد- تعود قضية السجون في العراق مرة أخرى إلى واجهة الأحداث، بعد أن أكدت وزارة العدل الاتحادية أن طاقتها الاستيعابية تجاوزت 300%، في الوقت الذي تلقى فيه مكتب مستشار رئيس الوزراء لحقوق الإنسان آلاف الشكاوى من سجناء يطالبون بإعادة التحقيق في قضاياهم، وسط خلافات سياسية تحول حتى الآن دون إقرار البرلمان قانون العفو العام الذي تطالب به كتل سياسية معينة.
وتؤكد مصادر رسمية من وزارة العدل الاتحادية أن عدد السجون في عموم البلاد يبلغ 30 سجنا، تضم نحو 60 ألف سجين بين محكوم وموقوف بجرائم جنائية أو بقضايا “الإرهاب”، ومن بين السجناء 1500 امرأة، إضافة إلى سجن آخر فدرالي يعرف بسجن “سوسة” في محافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق المرتبط بوزارة العدل الاتحادية.
من جهته، يقول المتحدث باسم وزارة العدل كامل أمين إن نسبة الاكتظاظ العالية بالسجون البالغة 300% لا تشمل جميع السجون، مبينا أنها متفاوتة بين سجن وآخر، خاصة أن دائرة إصلاح الأحداث تضم فائضا يربو على 200 سرير.
وعن هذه المشكلة وإمكانية معالجتها، أوضح أمين -في حديثه للجزيرة نت- أن وزارته تعمل وفق 3 اتجاهات، الأولى سريعة الأجل وتتمثل بمحاولة توسعة المؤسسات الإصلاحية عبر بناء أو تحوير بعض الأماكن لاستيعاب الاكتظاظ، في حين يتمثل الاتجاه الثاني المتوسط الأجل باستئناف أعمال البناء في الأقسام الإصلاحية المتوقفة عن العمل بسبب خلافات أو شبهات فساد، لافتا إلى أنه قد تم تخصيص مبالغ لإكمالها ضمن موازنة العام الحالي 2023.
أما المحور الثالث طويل الأجل فيتضمن بناء مدن إصلاحية جديدة، الأمر الذي يعني ضرورة توفير أراضٍ واستملاك الدولة لها، ثم إدراج تكلفتها ضمن المشاريع الاستثمارية بما تضمه من وسائل ومراعاة لجميع معايير حقوق الإنسان، وفق المتحدث باسم وزارة العدل.
أبعاد سياسية واقتصادية
وفي إطار البحث عن حلول لهذه المشكلة، أكد مستشار رئيس الوزراء لحقوق الإنسان زيدان خلف على أهمية إصلاح السجون من خلال ما سماها “العقوبات البديلة”، وضرورة محاسبة جميع المتورطين بقضايا التعذيب.
وقال خلف في حديث لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن مكتبه تلقى أكثر من 3 آلاف شكوى بادعاءات عن حالات التعذيب موثقة وفق تقارير الطب العدلي، وقد تمت إحالتها إلى الادعاء العام، وفق قوله.
وعن الحلول، كشف خلف أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وافق على مقترح العقوبات البديلة التي تشمل من أكمل ثلثي مدة محكوميته، على شرط ألا تتعلق تهمته بجرائم تمس الأمن القومي والقتل والفساد، حيث تتحول المدة المتبقية من محكوميته إلى غرامة مالية، ثم يتم بعدها إطلاق سراحه، وفق ما تحدث عنه خلف.
على الجانب الآخر، وعن أسباب اكتظاظ السجون، يرى مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون أنه مرتبط بأبعاد سياسية وأخرى اقتصادية، مبينا أن السجون تدر أموالا طائلة على بعض الأحزاب، خاصة تلك التي تمتلك حوانيت (أسواق تجارية) داخل السجون وتحظى بعقود مع الحكومة خاصة بإطعام وتغذية السجناء، مبينا أن الحكومة تخصص لكل سجين 12 دولارا يوميا لأجل الطعام والشراب والملابس.
وفي حديثه للجزيرة نت، نبّه سعدون إلى أهمية بناء سجون جديدة بمواصفات إصلاحية وضرورة فك الاختلاط بين السجناء، من خلال عزل المدانين بقضايا وأحكام خفيفة عن المدانين بأحكام مثل “الإرهاب” والفساد والجرائم الجنائية الكبرى، وفق قوله.
ولا تقف حلول مشكلة اكتظاظ السجون عند نقطة معينة، فالناشط المدني محمد ياسر الخياط يرى -في حديثه للجزيرة نت- ضرورة إجراء مراجعة شاملة لملف السجناء، مبينا أن العفو العام كفيل بإفراغ السجون وتخفيف معاناة السجناء وعوائلهم، لا سيما أن الاكتظاظ ناتج عن الكثير من الدعاوى الكيدية وتبليغات المخبر السري التي قد تكون غير دقيقة، وفق تعبيره.
وتسعى قوى سياسية سنية -ضمن تحالف إدارة الدولة- لتشريع قانون العفو العام في إطار الاتفاق السياسي الذي أفضى لتشكيل حكومة السوداني، في حين أكدت النائبة البرلمانية نهال الشمري عن تحالف تقدم الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أن قانون العفو سيقر قريبا -قبل تشريع قانون الموازنة العامة- مؤكدة وجود تقدم كبير في مفاوضات تشريعه، مشيرة في تصريحات صحفية إلى أنه من المؤمَّل التصويت عليه منتصف مايو/أيار المقبل.
ورش إصلاحية
ورغم الأعداد الكبيرة للسجناء في البلاد، افتقدت وزارة العدل منذ عام 2003 إقامة الورش المهنية والبرامج الإصلاحية التي تساعد السجناء على الاندماج بالمجتمع وتحد من عودتهم إليها مستقبلا، غير أن المتحدث باسم الوزارة أوضح أن قانون إصلاح النزلاء رقم 14 لعام 2018، يضم مادة لتنظيم العمل داخل السجون للتشغيل والاستفادة من الأيدي العاملة داخل الورش التي تضمها السجون، ولا سيما الكبيرة منها، وهو ما تعمل عليه وزارته.
وفي السياق ذاته، أكد أن السجون تضم أنشطة ثقافية ومكتبات وساحات رياضية لكرة القدم والطائرة والمنضدة، فضلا عن فعاليات تنظيم دورات ومسابقات بين الأقسام، مع توفير فرصة التعليم -بمراحله كافة- لمن يرغب بإكمال دراسته على مستوى محو الأمية والابتدائية والثانوية، في حين أشار إلى توفر قسم خاص لطلبة الجامعات وآخر لدراسة تكنولوجيا المعلومات، وفق قوله.
وللمرة الأولى منذ الغزو الأميركي، نجحت وزارة العدل بإقامة ورش تدريبية للسجناء، حيث منحت دائرة الإصلاح العراقية منتصف أبريل/نيسان الجاري شهادة أصولية وتأييد ممارسة مهنة للنزلاء المودعين في سجن التاجي المركزي (شمال بغداد)، وجاء ذلك خلال حفل أقيم في ختام ورش الحلاقة والنجارة التي أقيمت للنزلاء من أجل تعليمهم المهن التي تساعدهم على الاندماج في المجتمع بعد قضاء محكوميتهم.
ووفق مدير دائرة العمل والتدريب المهني ببغداد صالح أحمد الذي تحدث لوسائل إعلام محلية، فإنه وبناء على توقيع مذكرة التفاهم الموقّعة بين وزارتي العدل والعمل والشؤون الاجتماعية، فإن هذه الورش أقيمت داخل الأقسام الاصلاحية (السجون) بهدف إشراك النزلاء بالحياة العلمية والاجتماعية، وفق قوله.