فروا من الحرب ببلادهم فلاحقتهم.. سوريون تحت الرصاص في الخرطوم
الخرطوم- يتلقى المتطوع في أنشطة الأمم المتحدة أحمد أبو يوسف عشرات الاتصالات يوميا من سوريين عالقين في مناطق ملتهبة داخل الخرطوم وعاجزين عن مغادرتها بسبب استمرار القتال.
ويروي للجزيرة نت كيف استنجدت به سيدة لإخراجها وأطفالها من منطقة الخرطوم بحري بعد أن أصبح مسكنهم في مرمى القذائف والرصاص والقصف، ولا تملك الأم السورية أية أموال تمكّنها من الحركة، قائلة “إذا قُتلت أنا لا مشكلة، بس ياريت تخرجوا أولادي”.
ويعكس حال هذه الأم واقع آلاف السوريين الذين فرّوا من الحرب ببلادهم إلى السودان، ولم يتوقعوا في أسوأ كوابيسهم أن يتحول البلد الذي قصدوه طلبا للأمن إلى نسخة مشابهة لما تركوه خلفهم من قصف ودمار ورصاص.
فبين ليلة وضحاها تبدّل حال العاصمة السودانية إلى ساحة حرب شرسة، واستحال ليلها إلى نهار مع كل انفجار وحريق بعد اندلاع القتال الشرس بين الجيش وقوات الدعم السريع.
قتلى وفارون
وأكدت معلومات حصلت عليها الجزيرة نت مقتل ما يزيد على 18 سوريا خلال الاشتباكات في مدن الخرطوم الثلاث منذ 15 أبريل/نيسان الجاري.
وأكد شهود عيان أن شابا سوريا ووالدته كانا من أوائل ضحايا الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع بشارع الستين شرقي الخرطوم، وذلك حين حاولا استخدام سيارتهما للاحتماء من إطلاق النار، لكن الرصاصات عاجلتهما وأردتهما قتيلين في الحال.
كما سقط عدد آخر من القتلى السوريين في منطقة الخرطوم بحري، التي تشهد كغيرها من مدن العاصمة الخرطوم مواجهات حامية الوطيس بين الأطراف المتصارعة، بينما قُتل آخرون خلال محاولتهم الخروج من العاصمة.
ونقلت إذاعة “شام إف إم” السورية الخاصة عن القائم بالأعمال في السفارة السورية لدى الخرطوم بشر الشعار قوله إنه لا توجد إحصائيات دقيقة للضحايا السوريين جراء اشتباكات السودان، وأفاد بأن آخرها يشير إلى مقتل 15 شخصا دون رصد إصابات.
وأوضح أن أيا من طرفي النزاع -الجيش السوداني والدعم السريع- لم يعترض سبيل قوافل الإجلاء، حيث غادر الخرطوم الآلاف من السوريين.
وأضاف “لن نترك السودان حتى مغادرة آخر سوري يريد الرحيل وسنتابع عملنا في حال آلت الأمور إلى التهدئة”، ووفق القائم بالأعمال فإن عدد السوريين في السودان يُقدر بحوالي 30 ألفا.
نداءات العالقين
وتحدث المتطوع لدى الأمم المتحدة أحمد أبو يوسف عن تمكّن ما بين 9 آلاف و12 ألف سوري من الوصول إلى مدينة بورتسودان -الميناء الرئيسي بالبلاد على البحر الأحمر- أملا في المغادرة لبلد آخر بعد الوصول للسعودية التي تكفّلت بنقل كافة الأجانب إلى أراضيها شريطة ألا يمكثوا سوى أيام ويغادروا بعدها لبلدانهم أو لدولة أخرى.
وبحسب أبو يوسف، فإن أعدادا كبيرة من السوريين يعانون من مشكلة عدم صلاحية وثائق السفر بعد انتهاء مدتها، وهو ما سيدفع السعوديين لإجلائهم إجباريا إلى سوريا التي لا يمكنهم دخولها لأسباب كثيرة.
ومن الصعوبات التي تواجه أعدادا كبيرة من السوريين الذين لا يزالون في الخرطوم عدم امتلاكهم مبالغ مالية كافية لدفع تكلفة الحافلات، بعد ارتفاع أسعار التذاكر إلى بورتسودان إلى ما بين 300 ألف جنيه سوداني إلى 400 ألف جنيه للشخص الواحد (الدولار يساوي ما بين 500 إلى 550 جنيه).
وحتى من وصلوا بورتسودان، يقول أبو يوسف إنهم صدموا من الأسعار العالية لإيجارات المنازل التي تراوحت في اليوم الواحد ما بين 50 ألفا إلى 150 ألف جنيه سوداني، وهو مبلغ لا يتوفر لعشرات الأسر والعائلات، وتقرر تبعا لذلك تجميعهم في نادي الموانئ أحد أبرز الأندية بالمدينة.
ولاحقا رصدت الجزيرة نت تزايدا كبيرا في أعداد الوافدين السوريين إلى نادي الموانئ الذي ضاق بالجمع على سعته، مما اضطر العشرات منهم للبقاء في الشارع، حيث يؤكد أبو يوسف أن أعداد القادمين إلى بورتسودان لا يتناسب مع المجموعات التي يتم إجلاؤها إلى السعودية.
ويأمل المتطوع في تدخل الأمم المتحدة أو الجهات القادرة لمساعدة العالقين بالخرطوم بتوفير طرق آمنة وحافلات لنقل غير القادرين منهم إلى بورتسودان أو أي مكان يمكنهم السفر منه، كما يشدد على الحاجة لحل أزمة المئات ممن يواجهون مشاكل في وثائق السفر منتهية الصلاحية.
البقاء أو المغادرة
وفي ضاحية جبرة جنوبي الخرطوم -وهي إحدى نقاط المواجهات الملتهبة بين الجيش والدعم السريع- تقيم أعداد كبيرة من السوريين منذ سنوات طويلة، حيث يعمل غالبيتهم في مصانع صغيرة للأثاث والأجبان وغيرها من الأعمال التي تساعدهم على الحياة في السودان رغم قسوتها، دون الحاجة للتفكير في المغادرة، لكن التطورات الأمنية الأخيرة من شأنها أن تدفع أعدادا كبيرة منهم إلى مراجعة قرار البقاء في هذا البلد.
وبحسب عائلة سورية تحدثت إلى الجزيرة نت، فإن حوالي 50 من أقربائهم موجودون حتى الآن في منطقة جبرة وغير قادرين على التحرك منها لأي مكان، سواء بالسفر إلى بورتسودان أو الانتقال لمنطقة آمنة نسبيا، في ظل ارتفاع التكلفة وعدم امتلاك غالبية الأسر لما يسد رمقها، فضلا عن تكاليف الانتقال إلى مدينة أو منطقة أخرى أكثر أمنا.
ويقول رب الأسرة إنهم حاولوا التواصل مع سفارتهم في الخرطوم لكنها لم تتمكن من تقديم أية مساعدات، كما تحدث عن تضرر سيارة العائلة جراء القصف، في حين شهد منزل يقطنه شقيقه سقوط مقذوفات عليه دون إصابات.
وتحدث الرجل عن وصول عدد كبير من السوريين الى بورتسودان أملا في الإجلاء صوب السعودية ومن ثم محاولة الانتقال لبلد آخر في غضون أسبوعين على أكثر تقدير، مشيرا إلى أن المملكة أبلغت كافة الجاليات التي يسّرت لها الوصول إلى أراضيها بأنها ستكون محطة فقط لبعض الوقت ولن تسمح لأحد بالبقاء فيها كلاجئ، وهو ما يصعّب عليهم المغادرة إليها دون ضمان التمكن من التوجه لبلد ثالث.