الاخبار العاجلةسياسة

500 قتيل وجريح بمدينة الجنينة.. لهيب معارك الخرطوم يصل دارفور

الخرطوم- مع ضجيج الحرب الناشبة في الخرطوم، تغيب تفاصيل مشاهد موغلة في العنف والدموية مسرحها هذه المرة ولاية غرب دارفور المحاذية للحدود مع دولة تشاد، حيث تشهد عاصمتها الجنينة صراعا ذا طابع قبلي خلَّف نحو 300 قتيل و200 مصاب على الأقل منذ الخميس الماضي، وفق تقديرات جمعية الهلال الأحمر السوداني.

وحسب مصدر بالجمعية تحدث للجزيرة، فإن الإحصاءات المعلنة ليست نهائية بسبب صعوبة الوصول لجميع المناطق التي تأثرت بالعنف.

كما ذكر بيان للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان أن 280 شخصا قتلوا وأصيب 160 آخرون جراء الاشتباكات في الجنينة يومي الجمعة والسبت الماضيين، لافتا إلى صعوبة حصر الضحايا بسبب الوضع الأمني.

ووصف المصدر في جميعة الهلال الأحمر الأوضاع في المدينة بالكارثة، حيث تحتاج إلى الأدوية والغذاء ومستلزمات الإيواء، خاصة الأطفال الذين بدأت مجموعات منهم تموت بسبب سوء التغذية، مشيرا لتوقف كل المشافي عن العمل باستثناء المستشفى العسكري وبعض العيادات المتحركة لجمعية الهلال الأحمر.

بدوره، أكد طبيب في المستشفى الرئيسي بالجنينة -في حديثه للجزيرة نت- خروج النظام الصحي والخدمي بالكامل عن الخدمة منذ 24 أبريل/نيسان الماضي، بينما تتزايد بنحو مضطرد معدلات النزوح والإصابات المميتة وسط المدنيين.

وتأتي أعمال العنف في الجنينة امتدادا للصراع المسلح في الخرطوم، عندما اندلعت مواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع بالمدينة قبل أن تتحول لاحقا لقتال ذي طابع قبلي باصطفاف القبائل العربية ضد “المساليت” وهي الإثنينة الأفريقية الغالبة في مدينة الجنينة.

عداء تاريخي

وتزايدت وتيرة الصراع بين المساليت والقبائل العربية مباشرة بعد سقوط نظام البشير عام 2019، وهو العام الذي اتُهمت فيه مليشيات محسوبة على القبائل العربية مرتين بحرق معسكر “كرندينق” وهو أكبر مخيمات النازحين في الجنينة، وبحلول عام 2020 وقعت أحداث منطقة مستري، التي قتل فيها أعداد كبيرة من المساليت بيد المليشيات.

والعداء بين المساليت والقبائل العربية تاريخي، إذ لا تعترف المساليت بأحقية وجود العرب في غرب دارفور، ويصفونهم بالجنجويد والمحتلين لأراضيهم ويسعون لإخراجهم، في حين يتمسك العرب بحقهم في الوجود هناك.

وفي العادة، تندلع الأحداث العنيفة بسبب جريمة جنائية أو مشاجرة سرعان ما تتطور لنزاع قبلي تستخدم فيه كافة أنواع الأسلحة، وتشير أصابع الاتهام على الدوام لقوات الدعم السريع بالتورط في هذه الاشتباكات انحيازا للقبائل العربية.

ففي عام 2019، ظهر قائد الدعم السريع بقطاع غرب دارفور، موسى أمبيلو، في مقطع فيديو وهو يحرض جنوده على مهاجمة معسكر كرندينق وحرقه.

وعام 2021، شهدت الجنينة قتالا ضاريا بين المساليت والقبائل العربية، ثم القتال الأعنف في دارفور كان عام 2022، بعد تعرض منطقة كرينك -التي تبعد 80 كيلومترا عن الجنينة- لتدمير كامل شمل البنية التحتية ومصادر المياه وكل المؤسسات الحكومية، بسبب هجوم القبائل العربية على المنطقة وقتل في تلك الأحداث أكثر من 300 شخص أغلبهم من المساليت.

ودفعت تلك التطورات العنيفة قائد الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” لحزم حقائبه صوب الجنينة والإقامة فيها لما يقرب من 3 أشهر لإقناع الأطراف المتقاتلة بإبرام اتفاقات مصالحة لم تلتزم بها لاحقا.

ولا يقتصر الصراع في غرب دارفور على المساليت والقبائل العربية، ففي عام 2022 أيضا وقع قتال عنيف بين العرب وقبائل القمر الأفريقية في منطقة كلبس، مما أسفر عن أعداد كبيرة من القتلى وتشريد آلاف السكان الذين عبر بعضهم إلى تشاد.

اقرأ ايضاً
وزير الخارجية السعودي يبحث مع سفير قطر القضايا ذات الاهتمام المشترك

توافق هش

في جنوب دارفور وشمالها، تبدو الصورة على عكس ما يجري في الخرطوم وغرب دارفور من قتال، حيث توافقت قوات الدعم السريع والشرطة وبقية الأجهزة في هاتين الولايتين (الجنوب والشمال) على تأمين الأوضاع وحراسة القوافل التجارية بدل الاشتباك.

لكن من وجهة نظر مراقبين فإن التفاهمات هذه تبدو مرحلية ومؤقتة بالنظر لحالة الاحتقان الشديدة التي خلفتها الحرب، والأمر ذاته يؤكده الصحفي المهتم بشؤون دارفور أبو بكر مختار الذي يصف التوافق في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور والفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بالهش، ويرى أنه مرشح للانفجار في أي لحظة لتكاثف العوامل المساعدة، ومنها حالة الغبن المجتمعي تجاه الدعم السريع بسبب الانتهاكات ضد السكان لسنوات طويلة.

ويقول مختار للجزيرة نت إن اللجان التي أشرفت على وقف إطلاق النار بين الجيش والدعم السريع قسمت نيالا والفاشر إلي جزئين، وهو وضع من شأنه المساعدة في انفجار الأوضاع، فعلى سبيل المثال في الفاشر يسيطر الجيش على الجزء الغربي، بينما تحوز قوات الدعم السريع شرقي المدينة.

ويتحدث مختار عن شكاوي القاطنين في مناطق سيطرة الدعم السريع من ارتكاب جنودها لحزمة تجاوزات، مثل احتلال المنازل بعد طرد أصحابها، وانتشار النهب وقطع الطرق، مضيفا أن “هذا الوضع قد يؤدي لتفجر الأحوال الأمنية في هذا الجزء ليشمل كل الفاشر”.

ويعزو المتحدث عدم تطبيق نموذج الفاشر ونيالا في مدينة الجنينة إلى الصراع القبلي في الأخيرة الذي أسهمت عديد من الأطراف في تأجيجه، بينها قوات الدعم السريع التي تتكون في الغالب من منسوبي القبائل العربية ويصطف أفرادها بجانب ذويهم عند نشوب القتال مستغلين أسلحتهم وعتادهم الحربي.

في المقابل، توجه اتهامات للشرطة في غرب دارفور بالانحياز في الصراع الحالي إلى المساليت، وأنها فتحت أمامهم مخازن السلاح، لتبدو المعركة الحالية في الجنينة شبه متكافئة خلافا للمرات السابقة، إذ لم يكن للمساليت سلاح يوازي تجهيزات القبائل العربية.

مخاوف من حرب جديدة

ويربط عبد الباسط الحاج -ناشط حقوقي مهتم بقضايا دارفور- بين تطورات الأحداث في غرب دارفور وصراع الجيش والدعم السريع بالخرطوم، مع تأكيده أن المشكلة في الجنينة قديمة ولها امتدادات خلال السنوات الأربع الماضية، أدت لحالة من الهشاشة الأمنية المستمرة، التي زاد من وتيرتها موقع الولاية الجغرافي الذي جعلها الأكثر عرضة لمظاهر الاشتباكات والعنف.

ويلفت الحاج -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن غرب دارفور من الولايات التي يتكاثف فيها وجود المليشيات القبلية المسلحة بجانب مليشيات الدعم السريع التي تهاجم الجنينة بشكل متكرر، كان آخرها قبل أشهر حين أغارت على مناطق تندلتي وهبيلا وغيرهما.

ويشير كذلك إلى تعاظم المخاوف من انتقال المعركة إلى دارفور فور حسمها في الخرطوم، وأن غرب دارفور ستكون أبرز الولايات التي قد تشهد مواجهات مسلحة مرة أخرى، وربما يحدث اصطفاف وتتزايد الأطراف، كما حدث سابقا بتحالف مليشيات الجنجويد والدعم السريع، مما يؤدي لمزيد من النازحين وتفاقم الوضع الإنساني.

وأكد كذلك الحاجة إلى إطلاق نداء لمساعدة من تبقى من مدنيين في الجنينة وإيصال المعونات الأساسية إليهم وحفظ الأمن داخل المدينة، لأن المناوشات لا تزال مستمرة وسط انتشار لافت للسلاح.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى