مصير مجهول في انتظارهم.. اللاجئون السوريون مجددا في مرمى الحملات الانتخابية بتركيا
إسطنبول- تعيش السورية ميس (لاجئة لم تحصل على الجنسية التركية) توترا مضاعفا نتيجة تركيز خطاب المعارضة على ملف اللاجئين -خاصة السوريين- وسعيها لإرضاء القوميين “المتطرفين” بعد الجولة الأولى من الانتخابات التركية.
وتقول ميس للجزيرة نت (وهي ربة منزل تعيش في مدينة إسطنبول) “قبل الجولة الأولى كنت أترقب النتيجة على أحر من الجمر، ومع ذلك كنت أقل توترا بسبب عدم تركيز الأحزاب والمرشحين على ملف السوريين، أما الآن فقد أصبحنا الشغل الشاغل للحملات الانتخابية، وهذا أمر مخيف بالنسبة لي”.
وتضيف ميس أنها “مقتنعة بأن أردوغان سيفوز في الجولة الثانية بسهولة، لكنني أخاف من تصاعد الخطاب العنصري وعواقبه في الشارع”.
في قلب حملات المعارضة
ومثل ميس، لم يستقر اطمئنان أغلب اللاجئين السوريين في تركيا بعد تراجع حدة الخطاب العنصري الذي كان يستهدفهم طيلة سنوات، حتى وجدوا أنفسهم أكبر أهداف الحملة الانتخابية للمعارضة التركية بعد نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد الماضي.
وحصل الرئيس رجب طيب أردوغان في الجولة الأولى على 49.5% من الأصوات، في حين حصد مرشح تحالف الشعب المعارض كمال كليجدار أوغلو على 44.9% من الأصوات، ونال مرشح تحالف الأجداد القومي سنان أوغان على 5.2% من الأصوات، مما جعله في موقع المساومة مع كل من تحالفي الحكومة والمعارضة لنيل دعمه في الجولة الثانية.
وكان سنان أوغان ربط تأييده لأي من الطرفين قبل وبعد الانتخابات بجملة شروط؛ أبرزها العمل على إعادة اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين -الذين يقول إنهم وصلوا إلى 12 مليونا- إلى بلدانهم، إلى جانب فك الارتباط مع الأحزاب المرتبطة بمنظمات “إرهابية”.
وذكر أوغان بالاسم حزب الشعوب الديمقراطي (حزب اليسار الأخضر) المدعوم من حزب العمال الكردستاني الموسوم “بالإرهاب”، وهو حليف كليجدار أوغلو في الانتخابات، وكذلك حزب الدعوة الحرة حليف أردوغان، الذي يرى كثيرون أنه امتداد لمنظمة حزب الله الذي انخرط في “أنشطة إرهابية” في العقود السابقة، في حين ينفي الحزب صلته بالمنظمة.
وأعلن أردوغان مرارا أنه لن يساوم أوغان على شروطه، في حين سارع مرشّح المعارضة إلى تبني خطاب جديد قائم على التعهد بإعادة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم بمجرد وصوله إلى السلطة، مستخدما كلمة “مختلين” في وصفهم، ومكررا رقم “12 مليونا” الذي أصر أوغان سابقا على استخدامه في حملته الانتخابية، رغم أن الأرقام الرسمية تتحدث عن نحو 6 ملايين أجنبي يقيمون في البلاد، بينهم 3.5 ملايين سوري.
لقاءات ومساومات
وأمس الجمعة، التقى أردوغان وأوغان، كما اجتمع كليجدار أوغلو ورئيس حزب النصر أوميت أوزداغ، الداعم الرئيسي لمرشح الرئاسة الخاسر سنان أوغان.
لكن الأخير لم يعلن دعمه بعد لأي من المرشحيْن، مرجحا أن يتم الإعلان عن موقفه النهائي خلال أيام، والذي قد يتضمن الاكتفاء بالحياد وعدم تأييد أي منهما، حسب تصريحات أخرى له.
وسبق لقاء كليجدار أوغلو وأوزداغ لقاء بين أوغان وزعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو؛ أحد قادة تحالف الأمة المعارض. وتحدثت مصادر إعلامية معارضة عن عرض تلقاه مرشح تحالف الأجداد أوغان من تحالف الأمة لمنحه وزارة الهجرة في حال فوز كليجدار أوغلو بالجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، لكن أوغان طالب بوزارة الداخلية.
وفي حديث صحفي له، تساءل أوغان: لماذا عليه أن يرضى بمنصب وزير إذا كان بوسعه الحصول على منصب نائب الرئيس، وذلك في إشارة على ما يبدو إلى رفعه سقف التفاوض مع طرفي المعارضة والحكومة، مما قد يجعله في حال توصله إلى اتفاق مع أي منهما في موقع يسمح له بفرض سياساته ورؤيته بشأن العديد من القضايا، وأبرزها قضية اللاجئين السوريين.
هل يتمكن أوغان من فرض شروطه؟
يخشى السوريون من تأثير أوغان وتحول نسبة التصويت التي حصل عليها إلى سبب في تحكّمه لاحقا في مصيرهم، سواء انضم إلى الحكومة أو المعارضة، لكن هل ينجح في فرض شروطه على أي من الطرفين؟
يعتقد الأكاديمي أنغين كوتش -وهو بروفيسور مساعد في قسم السياسة بجامعة أولوداغ التركية- أن مطالب أوغان بشأن اللاجئين السوريين سيتم استقبالها بإيجابية من قبل تحالف الأمة المعارض، في وقت لا يلاحظ فيه تغيير في السياسة الحالية لأردوغان بشأن هذه المسألة في الظروف الراهنة. ومع ذلك، تم طرح مطالب أوغان هذه أثناء المحادثات مع الرئيس بالتأكيد.
وقلل كوتش من إمكانية تحوّل مطالب أوغان إلى نفوذ حقيقي على ملف اللاجئين. وقال للجزيرة نت إن اقتراح تسلم أوغان وزارة الهجرة -سواء تحقق من قبل كليجدار أوغلو أو أردوغان- لن يشكّل حالة قسرية بالنسبة للسوريين الذين يحملون حماية الأمم المتحدة ولديهم صفة “لاجئين مؤقتين”، بل سيكون أقرب إلى مبادرة لوقف تدفق اللاجئين غير المسيطر عليهم.
ويرى الأكاديمي التركي أن هذا الوضع سيكون في مصلحة كل من تركيا وسوريا في حال انضم أوغان إلى الحكومة، إذ ستستمر المحادثات بين الحكومتين بعد الانتخابات بشأن عودة اللاجئين، على أن يتحقق ذلك بما يتوافق مع القانون الدولي.
لكنه لمّح إلى أن انضمام أوغان إلى المعارضة قد يجعله في موقع أقوى لتحقيق رؤيته، بالنظر إلى مواقف تحالف الأمة الأكثر تطرفًا في هذا الشأن مقارنة بالتحالف الحاكم.
واستبعد كوتش أن يتمكن تحالف الأمة المعارض من نيل تأييد أوغان إذا لم يبتعد التحالف عن حزب الشعوب الديمقراطية، مرجحًا في هذه الحالة انضمامه إلى “الجمهور” الحاكم أو بقائه على الحياد.
خوف ممزوج بالتفاؤل
يشعر عبد الرحمن (صحفي مقيم في إسطنبول، حصل على الجنسية التركية قبل 5 أعوام) بالخوف من تسلم المعارضة لحكم في تركيا، لكنه أصبح أكثر اطمئنانا بعد ظهور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
يقول عبد الرحمن للجزيرة نت “كنت أشعر بالخوف قبل الجولة الأولى من الانتخابات، أما الآن فأنا أشعر بأمان أكبر، خاصة بعد تصريحات الحكومة بأنها لن تتخلى عن اللاجئين، في مقابل التصريحات العنصرية التي تصدر من الطرف الآخر”.
وأوضح أنه سيصوت في الجولة الثانية للرئيس أردوغان. وقال “هو الآن صمام الأمان بالنسبة لوجود السوريين في تركيا”.
أما إبراهيم (عامل في مخبز سوري في مدينة غازي عنتاب) فتحدث عن شعوره بعدم الاستقرار مؤخرًا في تركيا بسبب تصاعد الكراهية ضد الأجانب واللاجئين السوريين خصوصًا، بالإضافة إلى صدور قرارات جديدة كل فترة تحمل قيودا إضافية على اللاجئين.
لكنه قال للجزيرة نت إن الوضع الحالي يبقى أفضل من المجهول الذي ينتظرهم في حال نجح مرشّح المعارضة كليجدار أوغلو. وأضاف “أخشى إذا تسلمت المعارضة الحكم أن أفقد عملي في حال اتخذت الحكومة الجديدة قرارات تضيق على السوريين ونشاطهم التجاري في البلد”.
تخوّف في محله
ويعتقد غزوان قرنفل (محام وناشط حقوقي سوري مقيم في غازي عنتاب) أن تخوف السوريين مشروع وفي محله ولا يقتصر على حالة الاستقطاب الانتخابي التي نعيشها اليوم، بل بدأ منذ مدة طويلة وتركهم في مصير مجهول بهذا البلد.
ويضيف قرنفل للجزيرة نت أن هناك موقفا واضحا من قطاع كبير من الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة على حد سواء في ما يتعلق بمسألة اللاجئين وضرورة عودتهم.
وفي حين يؤكد المحامي -الذي يحمل الجنسية التركية- أن السوري في تركيا اليوم لا يشعر بالاستقرار أو اليقين تجاه مستقبله، فقد دعا مؤسسات إنفاذ القانون في الدولة إلى اتخاذ إجراءات إزاء تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية ضد الآخر بشكل عام والسوريين بشكل خاص، مؤكدا ضرورة مواجهة ذلك بحزم من قبل المؤسسات القضائية.
في الوقت نفسه، دعا قرنفل السوريين إلى محاولة تجنّب الاحتكاك مع الأتراك قدر الإمكان، في ظل الاستقطاب الانتخابي و”الأعصاب المشدودة”.