مدربون ينزفون وحكام مستهدفون.. العنف يتوحش في الدوري التونسي والخسائر بالملايين
تونس– لم تعد مشاهد العنف في مباريات الدوري التونسي لكرة القدم مجرد أحداث معزولة تحدث بين الحين والآخر، ولكنها صارت بمثابة الظاهرة التي تفشت بقوة في ملاعب الكرة وباتت السلطات الرسمية وأجهزة الأمن ومسؤولو الأندية عاجزة عن مكافحتها والتصدي لها.
وجاءت مباراة الأولمبي الباجي والأفريقي الأسبوع الماضي، ضمن مرحلة التتويج بلقب الدوري، والتي أوقفها الحكم بعد 17 دقيقة فقط على انطلاقها بسبب أحداث العنف، لتؤكد استفحال الظاهرة بشكل غير مسبوق وبنسق تزداد خطورته أسبوعا بعد آخر.
وأعلن حكم المباراة يسري بوعلي عن إيقاف اللقاء في الدقيقة 17 بعد إصابة مدرب الأفريقي سعيد السايبي، بحجارة ألقاها أحد المشجعين على مقاعد بدلاء الفريق، حيث أصابت السايبي الذي سقط أرضا والدماء تنزف من رأسه قبل أن يتم نقله إلى المستشفى بشكل عاجل وسط صدمة للاعبي الفريقين ومسؤوليهما وطاقم الحكام.
#تونس 🇹🇳
توقف مباراة الأولمبي الباجي والافريقي بعد إصابة مدرب #الأفريقي سعيد السايبي بحجارة على رأسه ونقل إلى المستشفى 🤕#الدوري_التونسي pic.twitter.com/Td6u4GeJgo
— Mustafa (@Mustfa33064631) May 31, 2023
وقررت رابطة كرة القدم المحترفة إثر تلك الأحداث اعتبار الأولمبي الباجي خاسرا في المباراة بنتيجة 2-0، وفرض غرامة مالية قدرها 20 ألف دينار (نحو 6.5 آلاف دولار) فضلا عن إجبار النادي على خوض 3 مباريات خارج قواعده وبدون حضور جمهوره.
وفي وقت لاحق أعلنت النيابة العامة في محافظة باجة (شمال غرب) اعتقال أحد المشجعين المشتبه بهم في إصابة سعيد السايبي بحجارة قبل أن يتم إطلاقه سراحه واستكمال التحقيقات.
نزيف لا يتوقف
ولا تبدو مباراة الأولمبي الباجي والأفريقي حالة فريدة من نوعها في الدوري التونسي الذي دخل مربع العنف والفوضى بشكل تزداد حدته ومخلفاته من مباراة إلى أخرى، فقد شهدت عديد المواجهات حالات متفاوتة من العنف الجماهيري الذي استهدف الحكام ورجال الشرطة والمدربين والمسؤولين.
وخلال الموسم الجاري أعلن حكام كرة القدم عن إيقاف 5 مباريات كانت شهدت أحداث عنف مادي ومظاهر فوضى وشغب على الميدان والمدرجات وذلك في دوري الدرجتين الأولى والثانية، في حين ناهز عدد المقابلات التي تخللتها أحداث العنف 20 مباراة.
وكثيرا ما كان المدربون أو الحكام عرضة لاعتداءات بالعنف جراء إلقاء المشجعين المقذوفات بسائر أنواعها كالحجارة أو القوارير أو القطع النقدية أو “الشماريخ” والتي تسببت في إيقاف عدد من المباريات وفرض عقوبات صارمة على الأندية التي كان مشجعوها وراء تلك الأحداث.
وفي فبراير/شباط الماضي، أعلن حكم مباراة الملعب التونسي والنجم الساحلي عن إيقافها في الدقيقة 70 بعد إصابة الحكم المساعد بشمروخ انطلق من مدرجات الفريق الأول.
وفي الفترة ذاتها، تعرض المدرب المساعد للترجي التونسي نادر داود للإصابة بحجر على مستوى الرأس وذلك في مباراة فريقه أمام النادي البنزرتي مما حتم إخضاعه للإسعافات على حافة الميدان قبل استئناف اللعب في المباراة التي انتهت للترجي بنتيجة 1-0.
وأظهرت صور ومقاطع على منصات التواصل طبيب الترجي وهو يرتق الجرح الذي انفتح في رأس داود، مما أثار انتقادات لاذعة للحكم الذي أقر مواصلة المباراة رغم الأجواء المتوترة.
وتعرض مدرب جرجيس قيس الزواغي، إلى اعتداء بالعنف الشديد في مباراة ناديه أمام قوافل قفصة في مباراة الصعود لدوري الدرجة الأولى، مما دفع الحكم إلى إيقاف اللقاء قبل أن تقرر رابطة المحترفين تسليط عقوبة اللعب بدون حضور الجمهور على القوافل وهزمه جزائيا 2-0.
كما أصيب رجل شرطة بجروح بليغة جراء الاعتداء عليه من قبل مشجعين للفريق المستضيف في مباراة هلال الشابة والترجي مما استوجب نقله إلى المستشفى للعلاج.
العدالة غائبة
وكشف محمد محجوب، رئيس الملعب التونسي أن “لجوء الجماهير للعنف في الملاعب عادة ما يكون ردة فعل على قرار خاطئ من الحكام أو احتجاجا على مسؤول أو مدرب وغيرها، لكن مكافحته تستوجب أن يقوم كل طرف بدوره على أحسن وجه” وفق قوله.
وقال محجوب للجزيرة نت “العدالة في كرة القدم هي السبيل المثلى لتجنب العنف والشغب، فريقنا كان ضحية لأخطاء الحكام ولكننا نسعى لتأطير مشجعينا، اتحاد الكرة ولجنة الحكام والنوادي تتحمل جزءا في توقيف عدد من مباريات الدوري نتيجة أحداث العنف”.
ويرى المتحدث أن “عدم وعي الجماهير بخطورة الظاهرة وتخلي روابط المشجعين عن دورها في التأطير والدعوة للتهدئة؛ وراء ارتفاع منسوب أحداث العنف”.
مراجعة القوانين وردع المشاغبين
ويتهم حكام كرة القدم في تونس ما اعتبروه “تساهلا” من السلط الأمنية واتحاد كرة القدم تجاه مرتكبي العنف، مطالبين بتشديد العقوبات ضد كل من يثبت تورطهم في ارتكاب اعتداءات ضد الحكام أو المدربين أو رجال الشرطة وفق أمين برك الله، المتحدث الرسمي باسم جمعية حكام كرة القدم.
وقال برك الله للجزيرة نت “نحن نعتبر أن القوانين الصارمة هي بداية الحل لمكافحة العنف خاصة ضد الحكام، لا بد من خصم عدد من النقاط من رصيد النادي الذي يثبت ارتكاب مشجعيه أعمال عنف ضد الحكم، نحن في حاجة لقوانين أكثر ردعا لأن الحالية لا تتلاءم مع خطورة ما يحدث”.
وأكد المتحدث أنه تعرض للعنف أكثر من مرة خلال مسيرته التحكيمية، مضيفا أن “الدولة مطالبة باعتماد مقاربة عملية وجادة لمحاربة العنف في الملاعب كما أن مسؤولية اتحاد الكرة جسيمة في الحد من الظاهرة خاصة في دعوة النوادي لتحمل تبعات ما يرتكبه مشجعوها”.
عقوبات بالجملة
ومنذ انطلاق الموسم الكروي 2022 ـ 2023، سلطت رابطة كرة القدم المحترفة ما يزيد على 200 عقوبة تأديبية في حق أندية الدرجتين الأولى والثانية تراوحت بين الخطايا المالية التي يبلغ أدناها ألفَي دينار وأقصاها 20 ألف دينار، وخوض المباريات بدون جمهور أو هزم النادي الذي يرتكب مشجعوه أحداث عنف أسفرت عن إصابة حكم أو مدرب أو لاعب أو مسؤول.
وفي مايو/أيار الماضي، ونتيجة تفشي أحداث الشغب أقر الاتحاد التونسي لكرة القدم جائزة الجمهور المثالي والتي تمنح أسبوعيا للنادي الذي تلتزم جماهيره بالروح الرياضية وتبلغ قيمتها 20 ألف دينار (نحو 6.5 آلاف دولار).
أعمال شغب خطيرة بين انصار شبيبة القبايل و الترجي التونسي و الشرطة التونسية#الترجي#الشبيبة pic.twitter.com/OHsHMLMH6i
— Hatim el mourabit (@HatimelMourabit) April 29, 2023
يشار إلى أن وزارة الداخلية ووزارة الرياضة في تونس فرضتا قيودا منذ العام 2020 على دخول المشجعين إلى ملاعب كرة القدم وذلك بالسماح فقط لمشجعي الفريق المستضيف ممن سنهم فوق 18 عاما بالدخول.
وكانت السلطات الرسمية في تونس قدرت الخسائر التي نتجت عن أحداث العنف في الملاعب والمنشآت الرياضية بين 2021 و2022 بما يقارب 3 ملايين دينار، كان أشدها وطأة في مباراة الترجي التونسي وشبيبة القبائل الجزائري في أبريل/نيسان الماضي.