الاخبار العاجلةسياسة

قاعدة تجسس صينية في كوبا.. هل تُدخل العالم في أجواء الحرب الباردة؟

واشنطن- أعاد تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) -والذي كشف عن أن الصين ستدفع لكوبا مليارات الدولارات مقابل استضافة ما وصفها بأنها “قاعدة تجسس صينية سرية”- التذكير بأزمة الصواريخ الكوبية التي اندلعت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عام 1962.

وعلى الرغم من النفي الرسمي الصيني والكوبي لوجود قاعدة تجسس تستخدمها الصين داخل كوبا فإن مسؤولين أميركيين أكدوا أن القاعدة تعمل بالفعل منذ عام 2019 على الأقل، وأن هناك مفاوضات جارية لتوسيعها وتطويرها.

واندلعت أزمة الصواريخ الكوبية عندما اكتشفت الولايات المتحدة تحرك الاتحاد السوفياتي لنشر صواريخ نووية في الأراضي الكوبية التي تبعد 90 ميلا فقط من أراضي ولاية فلوريدا، وهو ما دفع واشنطن لفرض حصار بحري على كوبا لمنع وصول الصواريخ إليها.

وفي خطاب تلفزيوني ألقاه في 22 أكتوبر/تشرين الأول 1962 أخطر الرئيس جون كينيدي الأميركيين بوجود الصواريخ، وشرح قراره فرض حصار بحري على كوبا، وأن إدارته مستعدة لاستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر لتحييد هذا “التهديد للأمن القومي”، ثم وضعت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أسلحتهما النووية على أهبة الاستعداد للاستخدام.

وبعد مفاوضات شاقة استمرت 13 يوما اتفق كينيدي والزعيم السوفياتي حينها نيكيتا خروتشوف على نزع فتيل التوتر من خلال صفقة تسحب بمقتضاها موسكو صواريخها مقابل تعهد واشنطن بعدم غزو كوبا وإزالة صواريخ أميركية نووية من الأراضي التركية القريبة من روسيا.

وتناصب واشنطن كوبا العداء منذ نجاح ثورتها الاشتراكية عام 1959 بزعامة فيدل كاسترو في القضاء على نظام موالٍ للولايات المتحدة، وحتى اليوم تتبع كوبا نظاما شيوعيا في ظل عقوبات فرضتها عليها واشنطن منذ ستينيات القرن الماضي، وفشلت قبل سنوات جهود الرئيس السابق باراك أوباما في تطبيع العلاقات بين الدولتين، ليتحقق ما جمع كوبا بالاتحاد السوفياتي سابقا وبالصين حاليا من علاقات قوية.

هذا الصباح- تحديات بيئية ومناخية أمام العاصمة الكوبية هافانا
القاعدة الصينية في كوبا تقع على بعد 150 كيلومترا قبالة فلوريدا حسب التقرير (الجزيرة)

مبدأ مونرو

وتتبنى الولايات المتحدة منذ عام 1832 مبدأ مونرو الذي تطور معناه ليصل إلى ضرورة حظر تدخل القوى الخارجية في نصف الكرة الغربي (أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية).

وعلى الرغم من تأسيس واشنطن تحالف “إيكواس” (ECOWAS) الثلاثي مع بريطانيا وأستراليا وتجمع “كواد” (Quad) الإستراتيجي الرباعي مع اليابان والهند وأستراليا، إضافة إلى تحالفها المتين مع اليابان وكوريا الجنوبية، وحق استخدام قواعد عسكرية في الفلبين فإنها لا تكترث باتهامات بكين لها بالعمل على تطويقها عسكريا.

ومنحت شبكة تحالفات واشنطن في الدول المجاورة للصين تسهيل وجود عشرات الآلاف من الجنود ومئات القطع البحرية والقاذفات الجوية الأميركية على مقربة من الأراضي الصينية.

وخلال كلمته في منتدى أمني بسنغافورة وبخ وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو الولايات المتحدة، وطالبها بأن تهتم بشؤونها الخاصة، قائلا إن “أفضل طريقة لمنع وقوع حوادث هو ألا تقترب السفن والطائرات العسكرية الأميركية من مياهنا ومجالنا الجوي”.

اقرأ ايضاً
السعودية تتعهد برد قوي على ما وصفتها بالأعمال الإرهابية الحوثية

وترى الصين -كما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية وانغ ون بين في مؤتمر صحفي- أن “إدارة بايدن تحاول من خلال نشر اتهامات لا أساس لها في الواقع إضفاء الشرعية على مهامها الاستطلاعية وأنشطة التجسس حول المياه الإقليمية والمجال الجوي للصين”.

قواعد اللعبة

واعتبر المتحدث أن الصين إذا ذهبت إلى كوبا لإقامة منشأة مراقبة ضد الولايات المتحدة في المستقبل فسيكون ذلك أمرا لا تشوبه شائبة من حيث القانون الدولي وقواعد اللعبة المشتركة بين القوى العظمى.

وتابع “وطالما وافقت الحكومة الكوبية على ذلك فلن يكون للولايات المتحدة الحق في توجيه أصابع الاتهام، انظر إلى عدد القواعد العسكرية ووكالات الاستخبارات التي أنشأتها الولايات المتحدة حول الصين، ولم تبدأ الصين بعد في بذل جهود مماثلة لنشر قوات صينية قرب الأراضي الأميركية”.

من جانبه، حذر خبير شؤون السياسة الخارجية الأميركية تجاه أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي جيمس بوسورت الدولتين من مخاطر مغبة تشبيه هذه الأزمة بأزمة الصواريخ الكوبية، ورأى أن القياس الأفضل هو حالة محطة الاستماع والتجسس التي كان الاتحاد السوفياتي ثم روسيا يديرانها في كوبا لعقود، وتعرف باسم “قاعدة لورديس”.

وتقع هذه المحطة خارج هافانا، وكانت أحد أكبر مرافق الاستخبارات الأجنبية التي تديرها موسكو أثناء الحرب الباردة وبعدها، ودفعت موسكو لكوبا مئات الملايين من الدولارات سنويا مقابل السماح للسوفيات باعتراض مجموعة واسعة من إشارات الراديو والاتصالات السلكية واللاسلكية الأميركية، وهو ما زودهم بمعلومات استخباراتية مهمة، لكن ذلك لم يمنع من انهيار الاتحاد السوفياتي لاحقا.

القاعدة الصينية

وجاءت أنباء هذه القاعدة في وقت تقاطعت فيه عدة قضايا تتعلق بما تراه واشنطن تصاعدا كبيرا في التهديدات الصينية والمنافسة الإستراتيجية مع بكين من ناحية، ومن ناحية استمرار العداء والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على كوبا منذ أكثر من 6 عقود.

ووصلت العلاقة بين الدولتين إلى الحضيض العام الماضي بعد زيارة رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايوان التي تراها بكين أراضي صينية، ودفعت تلك الزيارة -وهي الأولى لرئيس مجلس النواب منذ نيوت غينغريتش في عام 1997- الصين إلى إطلاق مناورات عسكرية حول تايوان واختراق مجالها الجوي عدة مرات.

ثم زاد التوتر في علاقات الدولتين في بداية هذا العام بعد أن أسقطت الولايات المتحدة منطادا صينيا للتجسس كان قد عبر الأراضي الأميركية، وشهدت الأسابيع الأخيرة حادثتين، الأولى حين اقتربت سفينة عسكرية صينية كادت تصطدم بمدمرة أميركية في مضيق تايوان، حيث اقتربت منها بنحو 150 ياردة فقط، وهي مسافة قصيرة جدا بالنسبة لحجم هذه السفن الضخمة.

وقبل ذلك بأيام، وقعت حادثة أخرى خطيرة في الجو، حيث قطعت طائرة صينية الطريق أمام طائرة استطلاع أميركية فوق بحر جنوب الصين وكادتا أن تصطدما.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى