مواجهة الأربعاء البرلمانية للرئاسة اللبنانية.. أصوات محسومة ومفاجآت محتملة
بيروت- يتصدر عنوان “جلسة الأربعاء” البرلمانية المشهد في لبنان مع بلوغ المواجهة على الاستحقاق الرئاسي ذروتها بين ثنائي حزب الله وحركة أمل وحلفائهما الذين يدعمون ترشيح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، وبين القوى المسيحية الكبرى (التيار الوطني الحر وحزبا القوات والكتائب) والحزب التقدمي الاشتراكي مع مستقلين يدعمون ترشيح جهاد أزعور الوزير الأسبق والمسؤول في صندوق النقد الدولي.
وتكشف الوقائع أن الجلسة الـ12 قد تنتهي كسابقتها في 19 يناير/كانون الثاني الماضي دون انتخاب رئيس يملأ شغورا مستمرا منذ نحو 8 أشهر.
لكن أهمية الجلسة تكمن في تحديد واقع الاصطفاف القائم بالأرقام، وقد سبقها فرنجية بخطاب عالي النبرة اعتبر فيه أن خصومه تقاطعوا على السلبية ضده، فيما أصدر أزعور أمس الاثنين أول بيان له قائلا إنه ليس مرشحا لتحدي أحد.
كيف يمكن أن تتوزع الأصوات؟
دستوريا، يتطلب انتخاب رئيس للجمهورية من الدورة الأولى لجلسة التصويت حصوله على ثلثي أصوات أعضاء البرلمان المؤلف من 128 نائبا، وفي حال عدم حصوله على تصويت 86 نائبا تعقد الدورة الثانية، ويُنتخب الرئيس بالنصف زائد واحد (65 صوتا) بشرط حضور ثلثي النواب لاكتمال النصاب الدستوري للجلسة.
وبالأرقام، ثمة أصوات شبه محسومة لكلا المرشحين:
- جهاد أزعور، قد ينال نحو 59 صوتا على الأقل موزعة كالآتي: 19 صوتا من كتلة القوات اللبنانية، و4 أصوات للكتائب اللبنانية، و17 صوتا لتكتل التيار الوطني الحر، و8 من كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي، و4 من كتلة التجدد، و3 من نواب من كتلة التغيير، و4 من نواب مستقلين.لكن العدد مرشح للانخفاض إذا امتنع نواب من التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل عن التصويت له بفعل الحديث عن خلافات داخلية بشأن ذلك.
- سليمان فرنجية، من المتوقع أن ينال 44 صوتا على الأقل، موزعة كالآتي: 16 صوتا من كتلة حركة أمل، و15 من كتلة حزب الله، و4 أصوات من التكتل الوطني (المردة)، و5 من تكتل التوافق الوطني، و4 من المستقلين.
- بالمقابل، هناك نحو 25 نائبا من المستقلين والتغييريين والمقربين من الطرفين لم يعلنوا خيارهم رسميا، مما يفتح باب التكهنات واسعا بشأن أصوات المرشحيْن.
وهنا، تستعرض الجزيرة نت سيناريوهات الجلسة المرتقبة على وقع تصادم سياسي وما سيليها من احتمالات:
يتفق المحللون والخبراء السياسيون على حتمية حصول الجلسة بدورتها الأولى، وعلى عدم إمكانية إنتاجها رئيسا جديدا للبلاد بسبب عاملين:
- أولا: استحالة حصول أحد المرشحين على ثلثي أصوات النواب بالدورة الأولى.
- ثانيا: ترجيح تطيير النصاب (إفشاله) بالدورة الثانية، مما يعيق انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد.
لكن الصحفي والمحلل السياسي جوني منير يجد أن أزعور قادر على نيل أكثر من 60 صوتا “مما قد يحرج الثنائي الشيعي ويدفعهما لتطيير نصاب الدورة الثانية، مما سيشعل السجال بين الكتل، لأن داعمي أزعور سيتهمونهما بعرقلة انتخابه رئيسا”.
بدوره، يتحدث الكاتب والباحث في مركز كارنيغي مهند الحاج علي للجزيرة نت عن احتمالين:
- أولا: أن ينال أزعور أصواتا أكثر من فرنجية بالدورة الأولى.
- ثانيا: التقارب أو التعادل بالأصوات بين فرنجية وأزعور إذا تمكن كل طرف من إحداث خروق لبعض الكتل والمستقلين “مما يضاعف مأزق الطرفين اللذين سينشغلان بالبحث عن مصادر الخرق”.
امتعاض الثنائي من وليد جنبلاط
من جهته، يكشف الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حزب الله وسيم بزي عن مساعٍ لم تنجح في الساعات الأخيرة لتأجيل الجلسة تفاديا لأجوائها التصادمية.
ويشير بزي في حديث للجزيرة نت إلى امتعاض ثنائي حزب الله وحركة أمل من زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعد إعلان دعمه أزعور.
ويقول “يعرف الجميع العلاقة التاريخية بين جنبلاط وبري، ولم يتوقع الأخير أن يختار جنبلاط أزعور بدل الورقة البيضاء، لأن كتلته المؤلفة من 8 نواب كانت قادرة على لعب دور الميزان وامتصاص الاحتقان بين الطرفين”.
ويفيد بزي بأن الثنائي ينظر إلى موقف جنبلاط كفعل انقلابي يستند إلى معطيات خارجية التقطها بعد زيارته الأخيرة لباريس، متحدثا أيضا عن تطلع حزب الله بريبة لسلوك جبران باسيل والانقسام في تياره.
ويضيف أن موقف الأخير “ستترتب عليه الكثير من النتائج السلبية بعلاقة الحزب معه، وسيزيده إصرارا على التمسك بفرنجية”، متوقعا أن “تكون الجلسة حبلى بالمفاجآت”.
إدارة بري
وبما أن نبيه بري زعيم حركة أمل ورئيس مجلس النواب يدير الجلسات، يرى جوني منير في حديث للجزيرة نت أنه سينحاز إلى ما يخدم مصلحة ترشيح فرنجية “وسيسهل تطيير النصاب بالدورة الثانية”، فيما يعتقد الحاج علي أن صلاحيات بري محدودة، و”سيظهر عاجزا عن تحقيق إرادته بانتخاب فرنجية”.
وهنا، يذكّر وسيم بزي بأن بري واضح بدعمه السياسي لترشيح فرنجية منذ 2016 حين امتنعت كتلته عن التصويت لصالح الرئيس الأسبق ميشال عون، ومع ذلك “سيأخذ مسافة طبيعية بين مسؤوليته الدستورية وموقفه السياسي”.
ويقول بزي “إن الأرقام المتداولة للأصوات تفتعل إظهار فرنجية ضعيفا، فيما يحظى بتكتل أكثر صلابة وتماسكا مقابل وظيفة التقاطع على أزعور لإسقاطه، ومن يعرف حزب الله يدرك أنه سيقاتل لترشيحه حتى النهاية”.
تداعيات غياب الأصوات السنية
وبعدما أخذت المعركة طابع الصراع بين الإرادتين المسيحية والشيعية، يرى الكاتب الحاج علي أن غياب تيار المستقبل بعدما كان شريكا فاعلا في صناعة التسوية الرئاسية فاقم تعقيد المشهد وتسبب في تشتت الأصوات السنية، مقابل ترقب حصول فرنجية على أكبر عدد من هذه الأصوات عبر حلفاء حزب الله.
ويعتبر أن ما يشهده الاستحقاق الرئاسي مسار طبيعي لنتائج الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار 2022 التي أفرزت برلمانا معلقا لا غلبة فيه لطرف على آخر.
ويقول الحاج علي “إن حزب الله غير قادر على إنتاج تسوية كما 2016، بسبب اختلال التوازن بالنظام الطائفي بعد انسحاب الحريري”، ولأن المعطيات الإقليمية -حسب رأيه- في ظل الاتفاقات والمصالحات مع إيران وسوريا كبلته داخليا وضيقت هامش قدرته على التصعيد لفرض ما يريد.
ما بعد الجلسة
ومع انتهاء جلسة 14 يونيو/حزيران الجاري يتوقع جوني منير استمرار الاستقطاب السياسي، مع ترقب القوى السياسية نتائج حركة الموفد الفرنسي الخاص للبنان جان إيف لودريان بعد تعيينه مؤخرا، وأن تتراجع باريس عن دعم فرنجية “إذ لا حل إلا بمرشح ثالث ضمن تسوية متكاملة يكون حزب الله عنصرا محوريا فيها”.
ويرى منير أن حظوظ فرنجية وأزعور ستصبح شبه معدومة، متوقعا أن يتقدم اسم قائد الجيش جوزيف عون، ويقول إن دمشق لم تعطِ إشارات تمسّك مطلق بفرنجية لكونه صديق بشار الأسد “بل قد تميل لكل تسوية بإطار الانفتاح العربي عليها”.
ويتوقف منير عند بيان الخارجية السورية قبل يومين، وهو الأول من نوعه، والذي وجه تحية إلى الشعب والجيش اللبناني لدفاعهما ضد الاعتداءات الإسرائيلية في كفر شوبا.
بالمقابل، يرجح الحاج علي ظهور أسماء جديدة في المباحثات والمواقف الإقليمية التي ستبنى على جلسة الأربعاء، ويتوقع تخلي باسيل عن دعم أزعور لامتصاص غضب حزب الله وللتقاطع على اسم ثالث، وسيكشف ذلك -حسب رأيه- أن أزعور كان مرشحا لحرق ترشيح فرنجية، وليس مرشحا أصيلا لداعميه.
أما المحلل السياسي بزي فيجد أن التحدي الأهم يتمثل في مدى قدرة مرشحي أزعور على الاستمرار بدعمه، ويستبعد جاهزية حزب الله للبحث في اسم ثالث بدل فرنجية “مما يعني أننا ذاهبون لأسابيع وأشهر مديدة من الشغور والصراع السياسي”.