بعد أن وصلت ذروتها.. إلى أين تتجه الأزمة بين فاغنر والجيش الروسي؟
موسكو – عادت قضية التجاذبات الإعلامية والتباينات الإجرائية بين مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة ووزارة الدفاع الروسية، لتطل برأسها من جديد، وذلك بعد إعلان مؤسس المجموعة وقائدها يفغيني بريغوجين رفضه أمر وزير الدفاع سيرغي شويغو، والذي يلزم جميع المشاركين في التشكيلات التطوعية بإبرام عقود مع الوزارة.
وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت أن أعضاء من تسميها بالتشكيلات التطوعية الذين يقومون حاليا بمهام قتالية في أوكرانيا، يجب أن يوقعوا عقدا مع الوزارة بحلول الأول من يوليو/تموز 2023.
لكن بريغوجين -وفي لهجة لم تخل من الانفعال والعبارات القاسية بحق وزير الدفاع- رفض في تصريح علني أوامر الوزارة، وأوضح أنها تنطبق على منتسبي القوات النظامية، أما الشركات العسكرية الخاصة فغير ملزمة بهذه الأوامر، بحسب تعبيره.
وفي الوقت الذي شدد فيه على أن الدولة يجب أن تشارك في تقديم الضمانات الاجتماعية للمحاربين القدامى والمقاتلين الذين أتموا مهامهم القتالية أو ما زالوا يواصلون تأديتها، كان حازما في القول بأن ذلك لا يعني أن قواته ملزمة بإبرام اتفاقيات مع وزارة الدفاع.
وأضاف بريغوجين “لا أحد من مقاتلي فاغنر مستعد للسير في طريق العار مرة أخرى. ولذلك، لن يبرم أحد اتفاقات. أما فيما يخص الضمانات الاجتماعية، فأعتقد أن مجلس الدوما والرئيس سيجدان حلا وسطا يؤمّن ضمانات اجتماعية مقبولة للمشاركين في الأعمال القتالية”.
بريغوجين حرص على التأكيد أن شركته العسكرية الخاصة “تخضع تماما لمصالح روسيا والقائد الأعلى للقوات المسلحة”، و”تنسّق جميع أعمالها وتؤدي المهام التي حددها قائد تجمع القوات الروسية في منطقة العمليات في أوكرانيا اللواء سيرغي سوروفيكين”، واصفا إياه بـ”القائد الذكي والكفء وذي الخبرة”.
ذروة الأزمة وسيناريوهاتها
ويغطي الأمر الصادر عن وزارة الدفاع ما يقرب من 40 كتيبة متطوعين، ويتضمن نظام التمويل، وتحديد نوع الخدمة العسكرية للمقاتلين. ويشير نص القرار إلى الرغبة في توحيد نظام دفع الرواتب بين الوحدات النظامية وكتائب المتطوعين.
وتضم القوات الروسية في أوكرانيا مقاتلين من وزارة الدفاع والمخابرات ووزارة الداخلية والحرس الوطني، إلى جانب فاغنر وبقية كتائب المتطوعين.
وحسب الخبير الإستراتيجي رولاند بيجاموف، فإن الأجواء بين فاغنر ووزارة الدفاع فرضتها ظروف الحرب في أوكرانيا، وأبرزها قيام مجموعة فاغنر بمهام لم تكن القوات التابعة لوزارة الدفاع تمتلك الجاهزية لتنفيذها.
وفي حديثه للجزيرة نت، رأى بيجاموف أن التنسيق بين فاغنر وقوات وزارة الدفاع واجه مشاكل عدة في مراحل مفصلية في سياق العمليات القتالية في أوكرانيا، ولكن ذلك لا يعني أن بريغوجين يمهد للتمرد، بل يريد “رفع الصوت عاليا للفت الانتباه لإشكاليات العلاقة مع وزير الدفاع وعدد من قيادة الوزارة”، معتبرا أن رفض بريغوجين أوامر شويغو يعبّر عن وصول الأزمة بين الجانبين إلى ذروتها.
وأضاف أن بريغوجين على حق من الناحية القانونية، لأن القوات التي تتبع له لا تنتمي إلى وزارة الدفاع، وفي الوقت نفسه هي ضمن منظومة المتطوعين التي تتبع للقائد الأعلى للقوات المسلحة، أي الرئيس فلاديمير بوتين.
وردا على سؤال بخصوص سيناريوهات تطور الأزمة بين فاغنر ووزير الدفاع، رأى بيجاموف أنها متعددة، ومن بينها عامل الوقت، بحيث تتم تسوية الأمر حتى بداية يوليو/تموز المقبل، موعد إبرام عقود المتطوعين، ويمكن إذا هدأت موجة التصريحات المتبادلة أن تُستثنى فاغنر من قرار وزارة الدفاع.
أما السيناريو الثاني فقد يكون خضوع بريغوجين للقرار، لكن مقابل تلبية كافة مطالبه وشروطه التي كان طرحها في وقت سابق، كالتسليح الكامل وغير المتقطع، إضافة إلى الضمانات الاجتماعية لمقاتلي المجموعة.
طموحات سياسية
من جهته، يميل المختص بالشؤون العسكرية ألكسي شيريايف إلى أن القول بأن بريغوجين تحوّل من رجل أعمال إلى مالك لشركة عسكرية خاصة قادرة على تنفيذ مهام ترقى إلى مستوى الجيوش.
فضلا عن ذلك، لدى بريغوجين -حسب شيريايف- طموحات سياسية، خاصة وأنه يمتلك يدا عسكرية طولى في المهام العسكرية الروسية خارج الحدود، لا يمكن أن تسمح الظروف الحالية بالاستغناء عنها.
من هنا، يرجح الخبير العسكري أن تتم تسوية جميع الملفات الشائكة مع فاغنر على مستوى عال عبر اتفاق مع المجموعة أو منحها وضعا خاصا، يقوم على أساس قانوني يضمن بشكل خاص الشق الاجتماعي للأزمة كالإعانات للجرحى وعوائل القتلى، بحيث تكون هناك قاعدة ضمانات اجتماعية موحدة لجميع الوحدات العسكرية، النظامية منها والتطوعية.
ومع ذلك، يشير شيريايف إلى حصول تغيرات تعاقدية في كل الأحوال. على سبيل المثال، قد ينتقل عدد وازن من مقاتلي “الخدمات المميتة” في القوات الخاصة للخدمة في سلاح المدفعية، الأقل خطورة والموجود في أعماق الدفاع، وتتقاضى في الوقت نفسه المرتبات ذاتها.
ويدخل بريغوجين باستمرار في خلافات مع وزارة الدفاع الروسية، وقد اتهمها بعدم توفير إمدادات الذخيرة الكافية لمجموعته العسكرية في أوكرانيا.
قوات بديلة
وعلى عكس فاغنر، ستتجاوب مجموعات أخرى من المتطوعين مع قرارات وزارة الدفاع للانتقال من متطوعين ذوي وضع غير مفهوم، إلى جزء من وزارة الدفاع، وهو ما بدأ بالفعل منذ فترة قريبة.
لذلك يخلص الخبير العسكري ألكسي شيريايف إلى أن صياغة قرار وزارة الدفاع جاءت في المحصلة لتأسيس قيادة موحدة لجميع الوحدات الروسية الموجودة في مسرح العمليات في أوكرانيا، والحد من الخلافات والمشاكل ذات الطبيعة التأديبية والتنظيمية.
واعتبر أن أولئك الذين لن يوقعوا العقد مع الجيش سيواجهون مشاكل، كون وزارة الدفاع لديها القوة الكافية لمنع الوحدات التي رفضت الانصياع لهذا القرار من التوجه للجبهة، وعليه سيوقع الجميع باستثناء فاغنر كونها شركة عسكرية خاصة وليست منظمة تطوعية.
والأسبوع الماضي وبعد يوم من رفض مؤسس فاغنر التوقيع، قالت وزارة الدفاع الروسية إنها وقعت عقدا مع مجموعة القوات الخاصة الشيشانية المعروفة باسم “قوات أحمد”، التي توصف بأنها الجيش الخاص لقائد منطقة الشيشان رمضان قديروف.
وقوات أحمد هي قوات شيشانية مكونة من 4 كتائب، سميت “قوات أحمد” تيمّنا بالزعيم الشيشاني أحمد قديروف، قوامها 10 آلاف مقاتل، ونفذت عدة هجمات في مدن أوكرانية، وتعد شبه تابعة للجيش الروسي، رغم ضمها متطوعين من خارج الجيش.
ويرى الإعلام الأوكراني أن قوات أحمد الخاصة “مرعبة”، كونها القوات الوحيدة من خارج روسيا وأوكرانيا والتي تشارك في الحرب مباشرة، في حين اكتفت بقية الدول غير الشيشان بتقديم الدعم اللوجيستي، خاصة الدول الأوروبية الداعمة لكييف.