تفاصيل 11 ساعة من الاشتباك.. مقاتلو كتيبة جنين للجزيرة نت: جاهزون لشهر كامل من القتال المستمر ضد الاحتلال
جنين- عبر جهاز لاسلكي كان أحد الأشخاص يصرخ بصوت يغالبه الفرح “عملية فدائية شباب.. عملية قرب رام الله، كبّروا شباب، عملية عملية”. وعلى الفور تهلّلت وجوه مجموعة من المقاتلين الذين استراحوا داخل غرفة صغيرة تملؤها صور رفاقهم، وعلى أحد جدرانها لوحة حملت أسماء العشرات من شهداء مخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية.
قال مجاهد، وهو أحد مقاتلي كتيبة جنين، “هذا نصر آخر يضاف للنصر الذي ظفرناه يوم أمس (الاثنين)”، وهذا النصر إشارة لعملية إطلاق النار التي نفذها فلسطينيان بالقرب من مستوطنة “عيلي” بين نابلس ورام الله وسط الضفة الغربية مساء الثلاثاء، وأدت إلى مقتل 4 مستوطنين وإصابة آخرين بجروح خطيرة.
وجاءت العملية بعد يوم دامٍ شهدته مدينة ومخيم جنين الاثنين، وأدى إلى استشهاد 6 من أبنائها وإصابة العشرات منهم، في واحدة من أعنف الهجمات العسكرية الإسرائيلية منذ سنوات.
لكن مجاهد، وهو أحد عناصر وحدة الرصد في كتيبة جنين، يعتقد مع رفاقه أن نتائج معركة يوم الاثنين بين قوات الاحتلال الإسرائيلي ومقاتلي المخيم مثّلت نصرا حقيقيا للفلسطينيين، حيث “أوقعت المقاومة خسائر كبيرة” في صفوف قوات الاحتلال.
ويقول ابن الكتيبة التي خاضت عشرات الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي في العامين الماضيين، إن “إسرائيل فعلت كل شيء للقضاء على المقاومين في مخيم جنين، لكنها خرجت وقد انتهت صورة ما تسميه (أقوى جيش في العالم)”.
كشف القوات الخاصة
لا تغفل عين مجاهد لحظة واحدة عن شاشة تلفاز رُبطت بعدد كبير من كاميرات المراقبة وتكشف أجزاء واسعة من المخيم وشوارعه وحاراته. ويقول بينما يراقب الشاشة بتركيز كبير “بهذه الكاميرات اكتشفنا دخول القوات الخاصة إلى حارة الجابريات الواقعة في الطرف العلوي من المخيم، وعلى الفور بدأ الاشتباك معها، وفوجئ جيش الاحتلال بما رأى هنا وبما جهزنا له”.
ويعتبر مجاهد ورفاقه من المقاومين أن أجهزة المراقبة من أهم الأساليب التي تستخدمها الكتيبة لحماية مقاتليها عبر كشف محاولات الاقتحام المستمرة من قبل جيش الاحتلال، وخصوصا القوات الخاصة.
وتطوّر كتيبة جنين ومقاتلو المخيم أنفسهم باستمرار، ويستفيدون من أي خطأ قد يقع وقت الاقتحام وعند الاشتباك مع قوات الاحتلال، للتعلم منه وتجاوزه مستقبلا. وتقسم الكتيبة مقاتليها إلى أكثر من وحدة لكل منها عملها الخاص المنفصل عن الوحدات الأخرى والمكمل لها في الوقت ذاته.
وحدات الكتيبة
يقول مجاهد “نحن هنا وحدة للمراقبة، ونعمل لمدة 24 ساعة على نظام “المجموعات”؛ كل مجموعة تستلم المراقبة لـ6 ساعات، والفضل لله فالكاميرات موزعة في أكثر الأماكن دقة وأهمية في المخيم..”.
ويرصد عناصر وحدة المراقبة أي تحرك غريب على أطراف المخيم وعند مداخله، كما تُراقَب أي سيارة مشبوهة قد تصل إلى المخيم فترسَل إشارة سريعة لوحدات الرصد التي تشغّل صفارة الإنذار وتُنبه المقاومين في الوحدات الأخرى ليأخذوا مواقعهم على الفور.
وبالإضافة لوحدة المراقبة أنشأت الكتيبة وحدات الرصد والرباط، ووحدة الاشتباك، ووحدة الهندسة والمتفجرات وهي التي نجحت في الاقتحام الأخير بتفجير عبوة ناسفة بآلية عسكرية كبيرة وتعطيلها بشكل كامل.
ويقول المقاومون إن العبوة المستخدمة في عملية تفجير الآلية، الاثنين، جديدة وصُنعت داخل المخيم من قبل مهندسي المتفجرات وسميت بعبوة “التامر” نسبة لمؤسس وحدة الهندسة والمتفجرات الشهيد تامر النشرتي.
ويحاول مقاتلو كتيبة جنين التدرب على عمليات القنص والاشتباك كلما أتيحت لهم الفرصة لذلك. ويقول مجاهد إن التدريب يحتاج لخطة مدروسة للحفاظ على أمن وسلامة المقاومين. وهذا ينطبق أيضا على العمليات الخارجية التي ينفذها مقاتلو الكتيبة خارج المخيم كإطلاق النار على الحواجز الإسرائيلية.
تطور إستراتيجية الاشتباك
يصف “أبو السعيد”، وهو مقاتل في العشرينيات من العمر للجزيرة نت، تطور إستراتيجية المقاومة في مخيم جنين وفقا لتوسع رقعة الاقتحامات الإسرائيلية وزيادتها.
ويقول “بكل تأكيد نحن كمقاومين كنا مستعدين للاقتحام، واعتدنا على ذلك عند دخول القوات الإسرائيلية في أي لحظة”. ويضيف “أتحدث الآن ولا أستبعد حصول اقتحام، هذا أمر اعتدنا عليه في المخيم، واقتحام الاثنين كان كبيرا ولكن لم يفاجئنا”.
يروي أبو السعيد أن “الاشتباك استمر قرابة 11 ساعة، ومنذ لحظة دخول القوات الخاصة عند الساعة الرابعة فجرا أُبلغنا عن طريق وحدة المراقبة، وبدأت المواجهة التي لم تحسب لها قوات الاحتلال حسابا”.. و”باعتراف إسرائيل كان صمود الكتيبة وقوتها واضحا وكبيرا..”.
واشتبك المقاومون الفلسطينيون مع قوات الاحتلال الإسرائيلي على عدة محاور في أطراف المخيم وبعدة حارات بداخله، وخلال المعركة كانت تصل التوجيهات بشكل مباشر للمقاتلين عبر الأجهزة اللاسلكية لتغيير أماكن وجودهم أو تركيز إطلاق النار على نقطة يوجد بها الجنود أو الانسحاب كلما احتاج الأمر.
ويمكن للمارين من أزقة المخيم وحواريه مشاهدة أكثر من موقع تحصّن به المقاتلون وراء أكياس من الرمل شكّلت ساترا من الرصاص الإسرائيلي. وتسمى المجموعات التي تتمركز هنا وحدات الرباط.
وبالقرب من الشارع الذي شهد عملية تفجير آلية الاحتلال الإسرائيلي، وصل أبو السعيد برفقة أحد المقاتلين للقيام بواجب التهنئة لأسير خرج اليوم من سجون الاحتلال.
القصف بالأباتشي
وحاملا سلاحه، يروي أبو السعيد تفاصيل مواجهة الاحتلال الاثنين، ويقول “الجديد في هذا الاقتحام ليس عدد الآليات العسكرية المقتحمة ولا الأسلحة ولا طول مدته، وإنما استخدام الاحتلال لطائرات الأباتشي، لكننا جيل بدأ وعيه على اجتياح عام 2002 ومخلفاته، ولا نستبعد شيئا عن إسرائيل، ولا يمكن أن نستغرب من أي ردة فعل يقومون بها أمام المقاومة”.
ويرى المقاومون أن عجز الاحتلال عن نقل الجرحى من جنوده في معركة الاثنين، وسحب آلياته التي عطلت بشكل كامل بفعل العبوات الناسفة التي انفجرت فيها، دفعه للاستعانة بالطائرات وقصف أحد المواقع في حي الجابريات قرب المخيم، وهو سلاح تعود إليه إسرائيل بعد أكثر من 20 عاما من اجتياح المخيم وقصفه عام 2002.
يقول أبو السعيد “معيّة الله حمت المقاومين الذين كانوا يشتبكون من مسافة صفر مع قوات الاحتلال عند قصف طائرات الأباتشي لموقع قريب جدا من تمركزهم”. ويضيف “في كل اقتحام سيجد الاحتلال الجديد من المقاومة، فالكتيبة تكبر وعناصرها تزداد وقدراتها القتالية تتطور، وهذا واضح في كل معركة مع العدو”.
ثم يضيف “أنا مقاتل في الكتيبة ويوجد مثلي مئات من الشباب، ونهج الكتيبة واضح ومستمر وهدفنا التحرير، وفكرتها ممتدة بفضل الله، كما ترون في المدن الفلسطينية والبلدات والقرى يولد مقاومون جدد كما مخيم جنين”.
حاضنة شعبية
وتعتبر الكتيبة احتضان الناس لمقاتليها وتشكيل الشارع الفلسطيني حاضنة شعبية لها أهم أسباب صمودها وقوتها. في المقابل تسعى الكتيبة لمتابعة شؤون الناس في المخيم خصوصا من تعرضوا للاعتداءات الإسرائيلية، أو فقدوا أقرباءهم في الاقتحامات المتكررة.
ويضيف أبو السعيد “قرار الكتيبة كان بأن ينزل الناس لمصالحهم ومتابعة حياتهم وعدم تعطيلها، لأن الحياة يجب أن تستمر بشكلها الطبيعي، والمعركة مفتوحة مع جيش الاحتلال وطويلة”.
ثم يبتسم ويذكر “يوم الاثنين نقص الحَب عند المقاتلين، لكن أولاد الحلال كُثر، ساعدونا في نقل الحَب وإيصاله لمن يحتاجه من المجاهدين”. ويقصد بالحَب “الرصاص الذي يستخدمه المقاومون”.
استعداد لشهر كامل
ويؤكد مقاتلو الكتيبة أنهم على استعداد لمواجهة أي اقتحام موسّع تهدد به إسرائيل، وأن استعداداتها تصل للتصدي لجيش الاحتلال لمدة تزيد على شهر كامل في حال فكرت في اجتياح المخيم مثلا.
ويقولون إن “المقاتلين في المخيم من كافة الفصائل يشكّلون قوة تهابها إسرائيل، ويمكنها أن تحدث فرقا في معادلة القتال معها. والميدان يوحد المجاهدين كلهم من أي فصيل كان”.
ويوم الاثنين، تمكّنت كتيبة جنين من إعطاب نحو 8 آليات عسكرية إسرائيلية بعضها محصّنة ضد الرصاص وجرح 5 جنود على الأقل كانوا بداخل واحدة منها، فيما قتلت إسرائيل 6 فلسطينيين وأصابت حوالي 100 آخرين بينهم 15 بحالة الخطر خلال اقتحام بدأ منذ ساعات الفجر واستمر حتى الرابعة مساءً.