لماذا أبهج إيقاف روبرت مالي صقور المعارضين للاتفاق النووي مع إيران داخل واشنطن؟
واشنطن- مثّل إيقاف المبعوث الخاص بإيران روبرت مالي عن العمل وسط تحقيق أمني دبلوماسي أجرته وزارة الخارجية الأميركية في احتمال إساءة التعامل مع معلومات سرية، مفاجأة كبيرة للمختصين بالشأن الأميركي الإيراني.
وكان مالي، الذي قاد فريق التفاوض الأميركي المباشر وغير المباشر مع إيران منذ وصول الرئيس جو بايدن للحكم في يناير/كانون الثاني 2021، مُكلفا بإعادة التفاوض حول اتفاقية الملف النووي الإيراني التي انسحبت منها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في 2018.
وأثار وضع مالي تساؤلات منذ تغيّبه عن إحاطة سرية للكونغرس بشأن إيران في 16 مايو/أيار الماضي، حين أخبر مسؤولو وزارة الخارجية أعضاء مجلس النواب أن مالي كان في إجازة شخصية ممتدة.
في الوقت ذاته، طالب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، النائب الجمهوري مايكل ماكول، بمعرفة المزيد عن المزاعم التي دفعت وزارة الخارجية إلى إجراء تحقيق مع روبرت مالي بشأن تعامله مع الوثائق السرية.
واتفق عدد من المعلقين تحدثت إليهم الجزيرة نت على نقطتين، بخصوص أزمة روبرت مالي:
- أولاهما: أن قضايا التفاوض بين طهران وواشنطن أكبر من شخصية أي مفاوض في فريق الدولتين، حيث إن القضايا الخلافية جوهرية، وليست لها أبعاد أو تفضيلات شخصية.
- والأخرى: أن إبعاد روبرت مالي يُسعد مَن لا يريدون العودة للاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، إذ إنه كان هدفا لصقور المعارضين للاتفاق الذين صوروه على أنه متعاطف مع إيران.
محورية شخصية مالي.. ولكن
لعب مالي دورا رئيسيا في الجهود الأميركية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وهو أحد أكثر ملفات إدارة بايدن الخارجية تعقيدا، ولم تسفر هذه الجهود بعد عن أي اختراقات. وسبق له أن لعب دورا كبيرا في المفاوضات التي جرت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وصولا لعقد الاتفاق عام 2015، كما كان له دور رائد في السعي لتأمين إطلاق سراح الأميركيين المحتجزين في إيران.
وليس من الواضح طبيعة مخالفة مالي، ولا يعرف ما إذا كان هناك نية لدى وزارة العدل لبدء تحقيق جنائي يتعلق به.
جدير بالذكر أن المبعوث الأميركي يُعد أيضا صديقا مقربا لوزير الخارجية أنتوني بلينكن منذ عقود، ويعود تاريخ صداقتهما إلى مرحلة الشباب أثناء إقامتهما في باريس.
المفاوضات أكبر من شخص
وفي حديث مع الجزيرة نت، قال البروفيسور جودت بهجت، الأستاذ بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، إن “الأخبار عن روبرت مالي مثيرة للدهشة، وهو كدبلوماسي رفيع المستوى يتمتع بخبرة واسعة تمتد لعقود”.
ويضيف بهجت “يرتكب كبار الدبلوماسيين وذوي الخبرة أخطاء، لكن هذا لا يحدث كثيرا. من المحتمل أنه في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة سنعرف المزيد عما حدث بالفعل، ففي عصر المعلومات هذا من الصعب الحفاظ على الأسرار”.
لكن رغم الأخبار الغامضة حول قضية المبعوث الأميركي، يقول الخبير بهجت إن لدى الولايات المتحدة وإيران مؤسسات قوية تنفذ إستراتيجياتهما وسياساتهما.
ويتابع بهجت أنه رغم أن مالي شخصية رئيسية في مفاوضات الملف النووي، فإن الاستغناء عنه ممكن، خاصة أن المفاوضات لا تتعلق بكبار المسؤولين الذين يجرون المحادثات بقدر ما تتعلق بالعقبات التي تحتاج واشنطن وطهران إلى التغلب عليها، مثل تبادل المعتقلين، ومستوى تخصيب اليورانيوم، ورفع العقوبات. و”لا ينبغي المبالغة فيما حدث، لكن لا ينبغي التقليل من شأنه كذلك”.
فرصة لمعارضي التفاوض مع إيران
كان روبرت مالي أحد مهندسي الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عهد أوباما، وألغاه ترامب، ومنذ ذلك الحين يعتبر المعارضون للاتفاق مع إيران مالي أحد أقوى الأصوات في إدارة بايدن التي تدفع من أجل المسار الدبلوماسي بشأن الملف النووي الإيراني.
هذا الموقف جعله هدفا لغضب مشرّعي الكونغرس من الجمهوريين، ومن المسؤولين الإسرائيليين الذين اتهموه مع إدارة بايدن بالسعي إلى استعادة الاتفاق النووي بأي ثمن.
تقول الباحثة بمؤسسة “أوراسيا” والخبيرة في الشأن الإيراني آسال راد، “من الواضح أن معارضي المسار الدبلوماسي مع إيران سيستخدمون هذه الأخبار لإدانة مالي، وعرقلة أي سعي من إدارة بايدن للتوصل إلى تفاهم مع إيران”.
ومع ذلك، تضيف راد للجزيرة نت، فإن “الجهود المبذولة لتحرير الأميركيين المحتجزين في إيران، ووقف التصعيد، والحد من البرنامج النووي الإيراني هي مسائل تتعلق بالأمن القومي الأميركي ومصالح واشنطن، وستظل أهداف هذه السياسة دون تغيير”.
وفيما يتعلق بالمخاوف من أن غياب مالي قد يؤثر تقدّم المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، تقول راد “وفقا لبيان صادر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية مات ميلر الخميس، فإن العديد من المسؤولين في وزارة الخارجية والبيت الأبيض يعملون على هذه القضية، ولن تتأثر المفاوضات بغياب مالي”.
ضد المسار الدبلوماسي
ومع توقيفه، يشرف حاليا مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، على ملف التفاوض مع إيران.
بدوره، قال المدير التنفيذي لمركز تحليلات دول الخليج العربي بواشنطن جورجيو كافييرو، إنه يشعر “بالشك نظرا إلى عدد الأصوات المتشددة التي تكره فكرة المسار الدبلوماسي الأميركي تجاه إيران والتي كانت مُصممة على تدمير روبرت مالي والتشكيك في مهنيته لسنوات”.
وفي حديث للجزيرة نت، قال كافييرو إن “نية الأشخاص المبتهجين بما جرى لمالي تجعلني أشك في أن الجماعات المناهضة للدبلوماسية كان لها يد فيما جرى لمبعوث بايدن إلى إيران، خاصة أن مالي أثبت أنه شخصية ذكية ولائقة ومعقولة”.
وبحسب كافييرو، يمثّل تصميم مالي على أن إيجاد تفاهم جديد مع إيران بشأن الملف النووي خدمة لمصالح أميركا وسيكون جيدا من وجهة نظر الأمن العالمي. “لكن شخصيات في واشنطن موالية لأجندات المحافظين الجدد الخطيرة تعارض سعي مالي لمعالجة القضية النووية الإيرانية من خلال الدبلوماسية، بدلا من تغليظ العقوبات أو الحرب”.