“التزام شخصي للغاية”.. لماذا تدعم إدارة بايدن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين؟
واشنطن- لم يختلف موقف إدارة الرئيس جو بايدن المؤيّد للعدوان الإسرائيلي على مخيم جنين عما سبقه من دعمها السابق للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/أيار 2021، أو الاعتداءات المتكررة على مدن الضفة الغربية.
ويقول محللون أميركيون إن دعم بلادهم الثابت لإسرائيل مكّن وشجع العنف المتصاعد للحكومة الإسرائيلية اليمينية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، والتي كان مخيم جنين أحدث فصولها.
ومنذ تشكيل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة في أواخر عام 2022، تشنّ إسرائيل غارات عسكرية شبه يومية داخل مدن ومخيمات الضفة الغربية ويسقط فيها ضحايا مدنيون فلسطينيون بينهم أطفال.
ومن جهة أخرى، سعت إسرائيل إلى توسيع المستوطنات غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بزيادة أعداد المستوطنين الذين يحميهم الجيش الإسرائيلي، والموافقة على بناء مستوطنات جديدة.
وفي الوقت الذي تندد فيه إدارة جو بايدن بعنف المستوطنين وتعرب عن معارضتها لسياسات نتنياهو الاستيطانية، أعادت تأكيد دعمها لإسرائيل مرارا وتكرارا في كل مناسبة ممكنة.
ومع استهداف القوات الإسرائيلية مخيم جنين للاجئين المكتظ بالسكان بهجمات جوية وغارات برية شارك فيها مئات الجنود يومي الاثنين والثلاثاء، أكد البيت الأبيض مرة أخرى ما وصفه “بحق إسرائيل في الدفاع” عن نفسها.
وجاء في بيان البيت الأبيض “نحن ندعم أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن شعبها ضد حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، وجماعات إرهابية أخرى”، وتجاهل بيان البيت الأبيض المدنيين الفلسطينيين، ولم يدعُ إلى وقف التصعيد.
وغرّد مدير برنامج فلسطين بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن خالد الجندي، قائلا “لا يتطلب الأمر عبقريا لفهم أن هجوم إسرائيل المميت والضخم على نطاق واسع على جنين لن يؤدي إلا إلى تأجيج مزيد من العنف والتطرف. بالنسبة لإدارة بايدن، فإن منحها دعما غير محدود وغير نقدي هو في أحسن الأحوال موقف غير مسؤول، وفي أسوأ الأحوال تواطؤ في جرائم الحرب”.
أكذوبة “دفاع إسرائيل عن نفسها”
تروّج منظمة “آيباك”، أكبر جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة، لسردية مفادها “أن السلطة الفلسطينية فقدت السيطرة الأمنية على جنين، مما سمح لها بأن تصبح مرتعا للإرهاب المدعوم من إيران، وأجبر ذلك الجيش الإسرائيلي على تكثيف جهود مكافحة الإرهاب لردع الهجمات وحماية المدنيين الإسرائيليين. ويجب على أميركا أن تستمر في الوقوف إلى جانب حليفتها إسرائيل”.
وتنطلق جهود “اللوبي” الإسرائيلي من نقطة “دفاع إسرائيل عن نفسها”، وهو ما سهّل للبيت الأبيض ووزارة الخارجية إعادة تكرار هذه العبارة عقب وقوع أي حادث أو اعتداء تقوم به إسرائيل بدلا من إلقاء المسؤولية عليها.
ولا يقتصر الترويج للموقف الإسرائيلي على منظمات اللوبي هذه، بل يدعم الكثير من أعضاء الكونغرس، ومن كلا المجلسين، النواب والشيوخ، بشكل مطلق إسرائيل في عدوانها، ويكررون عبارة “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”.
ويتطابق ذلك مع مواقف كثير من المسؤولين الأميركيين ومبعوثين سابقين لعملية السلام، مثل دنيس روس مفاوض عملية السلام في عهد باراك أوباما.
وغرّد روس قائلا “حتى في الوقت الذي يحمي فيه الإسرائيليون ديمقراطيتهم بالمظاهرات، فإن القوات الإسرائيلية تلاحق البنية التحتية الإرهابية التي بُنيت في جنين، وقد عثر على أسلحة ومتفجرات ومختبرات لصنع القنابل. في إسرائيل، الاحتجاجات ليست علامة على الضعف الإسرائيلي، بل هي قوة”.
بايدن المؤيد لإسرائيل
شكّل انخراط بايدن على مدى أكثر من نصف قرن في العمل السياسي سجلا طويلا من التزامه القوي بحماية أمن إسرائيل وتعزيز الشراكة الأميركية الإسرائيلية، فقد اعتبر خلال حملته الانتخابية عام 2020 أن دعمه لإسرائيل “شخصي للغاية ويمتد طوال حياته المهنية”.
وعلى الرغم من تعهد بايدن بإعادة المبادئ الحاكمة التي وجّهت الدبلوماسية الأميركية نحو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويشمل ذلك دعم حل الدولتين، ومعارضة ضم إسرائيل الأراضي وبناء المستوطنات فإنه لم يتراجع عن قرار ترامب بنقل سفارة واشنطن إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ولم يُعد افتتاح قنصلية بلاده بشرقي القدس.
وتؤكد إدارة بايدن أنها لا تزال تهدف إلى إعادة فتح قنصليتها في القدس، التي أغلقها الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2019، إلا أنها لا تقدم جدولا زمنيا ولم تبدأ أي إجراءات عملية في هذا الاتجاه على الرغم من مرور أكثر من عامين ونصف على بدء حكم بايدن، وذلك خشية إغضاب إسرائيل.
حرب استنزاف لا نهاية لها
يقول آرون ديفيد ميلر، الخبير بمؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي” والمفاوض الأميركي السابق في مفاوضات سلام الشرق الأوسط، إنه مع “عدم وجود إستراتيجية سياسية لعمليات مكافحة الإرهاب في الضفة الغربية، ستحاصر حماس والجهاد إسرائيل في حرب استنزاف على جبهات متعددة بما يُضعف السلطة الفلسطينية ويجعل إسرائيل مسؤولة عن الضفة الغربية، وهو ما سيسعد المتطرفين الإسرائيليين سموتريتش وبن غفير”.
ولا تريد إدارة بايدن أن ينفجر الوضع في الضفة الغربية ويخرج عن السيطرة، لكنها لا تخاطر بعلاقتها مع إسرائيل في وقت تعطي فيه الأولوية لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين إسرائيل والدول العربية، خاصة المملكة العربية السعودية، أولوية خاصة، وتضعها على قمة أهدافها في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، امتدح بريان كاتوليس، المسؤول السابق ونائب رئيس معهد الشرق الأوسط، تعيين بايدن للسفير السابق لدى إسرائيل دانيال شابير مسؤولا عن التكامل الإقليمي، واعتبر ذلك فرصة لتعزيز الاستقرار والازدهار في جميع أنحاء المنطقة.
وأشار كاتوليس إلى أن واشنطن اتخذت هذا العام بعض الخطوات الدبلوماسية الرئيسية لتعزيز خفض التصعيد في جميع أنحاء الشرق الأوسط.