بعد الموافقة على تزويد أوكرانيا بـ”إف-16″.. هل استبقت روسيا نتائج قمة الناتو بـ”فخ نووي” في بيلاروسيا؟
موسكو- لم يكن الحديث عن احتمال اندلاع حرب نووية بين روسيا والدول الغربية أمرا عاديا في السابق، كما هو الحال الآن في ظروف الحرب الأوكرانية والاشتباك الروسي متعدد الأوجه والمجالات مع الغرب.
وحتى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 باتت تُعدّ مشكلة عابرة إذا ما قورنت بمخاطر تصاعد الصراع المسلح في أوكرانيا إلى حرب نووية بين روسيا والولايات المتحدة، خاصة في ظل تصريحات المسؤولين الروس بأن الاشتباك العسكري المتزايد بين روسيا والغرب عبر البوابة الأوكرانية، بات يجبر موسكو على التفكير في كافة السيناريوهات المحتملة.
في هذا السياق، جاء لافتا تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن روسيا ستعتبر نقل مقاتلات “إف-16” إلى القوات الأوكرانية تهديدا من الغرب في المجال النووي، وإشارته إلى أن واشنطن وحلفاءها في الناتو “يخلقون خطر حدوث صدام مسلح مباشر مع روسيا، مما يهدد بالتحول إلى عواقب كارثية”.
الدلالة الإضافية التي حملها هذا التصريح هي أنه جاء على لسان رأس الدبلوماسية الروسية، المعروف بالحذر في التصريحات والدقة في اختيار العبارات، خلافا لنائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف، الذي غالبا ما تتميز تصريحاته وتغريداته بالسقف المرتفع للحدية والصدام مع السياسات الغربية.
وتكمن خطورة مقاتلات “إف-16” المتطورة في قدرتها على حمل أسلحة نووية، ومن البديهي أنه لن تتوفر لروسيا إمكانية التحقق فيما إذا كانت كل طائرة بعينها مجهزة لإيصال أسلحة نووية أم لا.
وعليه جاء تصريح لافروف ليتجاوز هذه الإشكالية ويعلن بأن مجرد ظهور مثل هذا الطائرات المقاتلة في الأجواء الأوكرانية يُعدّ تهديدا حقيقيا.
إرهاصات الروليت الروسي
وقبل قمة الناتو الأخيرة في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، صرح مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أن كييف ستتسلم -على الأرجح- مقاتلات “إف-16” من الدول الأوروبية التي لديها مثل هذه المعدات. كما أعلنت رومانيا عزمها فتح مركز سيقوم بتدريب الطيارين الأوكرانيين بمشاركة متخصصين من شركة “لوكهيد مارتين” المصنعة لتلك المقاتلات.
ويحلل الباحث في الشؤون الدولية دميتري كيم، مخرجات قمة فيلنيوس بأنها تعكس “الوضع المتناقض للغاية، الذي وجد أعضاء الناتو أنفسهم فيه”.
ووفق قول “كيم” للجزيرة نت، لا يستطيع هؤلاء ترك أوكرانيا لوحدها في مواجهة روسيا. لكنهم لا يستطيعون إلزام أنفسهم بمواقف صارمة تجاه كييف، تجعل منهم شركاء مباشرين في الحرب، وبالتالي، تحوّل مدنهم الأوروبية إلى أهداف لضربات روسيّة انتقامية.
بهذا المعنى، يضع كيم تحذيرات وزير الخارجية الروسي في سياق تسجيل المواقف، أكثر مما هو استشعار بخطر حقيقي.
لكنه يشير في المقابل، إلى وجود قوى في الغرب قد تستفيد حتى من استخدام روسيا المحدود للأسلحة النووية في أوكرانيا، لأن ذلك -لو حدث- سيضمن وضع موسكو في عزلة حقيقية وطويلة الأمد على المسرح العالمي.
في الوقت ذاته، يلفت إلى أن دوائر صنع القرار في الغرب تعارض بشكل قاطع الانزلاق إلى حرب نووية بين أميركا وروسيا، لكنها في نفس الوقت تواصل لعبة الروليت الروسي مع الكرملين.
والروليت الروسي هي لعبة قاتلة لغايات المقامرة أو محاولة الانتحار أو إثبات عدم الخوف من الموت، ظهرت في روسيا القيصرية، وتقوم على وضع رصاصة واحدة فقط في مسدس يحتوي مخزنا لـ6 رصاصات، بحيث يوجه الشخص المسدس باتجاه رأسه بدون أن يعرف ما إذا كانت الرصاصة ستطلق أم لا.
طريق اللاعودة وفخ بيلاروسيا
لكن المحلل العسكري الروسي فلاديسلاف شوريغين، يرى التصعيد الأخير من منظار أكثر خطورة. إذ يعتبر أن الغرب منحاز بشكل مفرط إلى جانب أوكرانيا في موقف موحد للطبقة الغربية الحاكمة بأكملها.
ووفق رأيه، فإن خطر حصول مواجهة نووية لا يزال قائما بالنظر إلى الخط التصاعدي للدعم الغربي لكييف، الذي تضمن البيانات والإعلانات والضخ المالي، والكثير من شحنات المساعدات العسكرية، فضلا عن العقوبات الهائلة ضد موسكو، لدرجة أنهم “حرقوا جسور العودة عبر التصعيد إلى أبعد مدى”، وفق تعبيره.
في هذا السياق، يرى شوريغين أن روسيا استبقت نتائج قمة فيلنيوس بنصب أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، من شأنها لجم أية محاولة للعب بالزر النووي.
وبهذا الشكل -يتابع المحلل العسكري- يكون الغرب قد وقع في فخ، بحيث تؤدي أي حركة إضافية من قبل الناتو، بما فيها على الأراضي الأوكرانية، إلى تفاقم الوضع الأمني للمنظومة الغربية برمتها.
ويختم بأنه في كل الأحوال، ستبقى الأزمة بعيدة عن الوصول لنهايتها. فالغرب لن يسلم بسهولة بخسارته في أوكرانيا، لأن نهاية النزاع لصالح روسيا ستكون لها الكلمة الفصل في بروز عالم متعدد الأقطاب، ينهي بـ”الضربة القاضية الهيمنة الأنجلو-سكسونية”، وفق تعبيره.