الاخبار العاجلةسياسة

يروي قصته بموقع بريطاني: هربت في ظروف مرعبة وهذا ما رأيته من أهوال في الجنينة بدارفور

في مدينة الجنينة غربي السودان رأى إدريس (29 عاما) أشخاصا يطلقون النار أمامه، ورأى الجثث متراكمة في الشوارع، وقال إنهم لم يكونوا يأكلون لأيام، وكان الطعام الوحيد الذي يستطيعون الحصول عليه هو المعكرونة ودقيق الذرة الرفيعة لصنع “العصيدة”.

ولم يكن إدريس -الذي روى قصة هروبه من مدينة الجنينة الحدودية مع تشاد إلى مدينة أدري التشادية ثم إلى نيروبي لموقع “ميدل إيست آي” يرغب في مغادرة بلدته، لكن بعد الأهوال التي عاشها قرر المغادرة، وقال إنه يعتقد الآن أنه ربما لن يعود أبدا.

إدريس هو موثق لانتهاكات حقوق الإنسان، وهو الآن في نيروبي، ويعيد سرد قصته، مفضلا عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، ويعتقد أن هذه الحرب ستستمر سنوات لا يستطيع التكهن بها.

يستمر إدريس يحكي ما شاهده وعاناه بالجنينة

في 22 أبريل/نيسان الماضي حاصرت الجنينة من جميع الجهات مليشيات عربية مسلحة متحالفة مع قوات الدعم السريع، وبعد يومين استيقظنا في السابعة صباحا على صوت إطلاق نار، نزلنا إلى الشوارع لنجد المليشيات في كل مكان، تم إطلاق الرصاص في كل مكان حولي، أينما نظرت كان هناك قتال ورصاص.

نزلت سيارات مصفحة إلى الشوارع وعدت إلى المنزل، استمر القتال لساعات، كنت أسمع صوت الرصاص الحي وكان هناك حديث عن مستودع أسلحة تم اقتحامه ونهبه.

ومع مرور الأيام استمرت الهجمات وزادت الأسلحة أكثر فأكثر، وكانت قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها تشن هجمات يومية في جميع أنحاء المدينة، وكانت هذه القوات ترتدي زيا داكنا وتستخدم سيارات مصفحة وسيارات تويوتا لاند كروزر وتدخل منازل السكان وتقتلهم.

شاهدتهم يقتلون بعض الأشخاص

كان هناك العديد من الأشخاص الآخرين حولي، جيراني، ومعظمهم يخططون لمغادرة المدينة إلى تشاد، في إحدى المرات المرعبة شاهدت المقاتلين يمسكون بأشخاص في الشارع ويفصلون الرجال عن النساء ويسألونهم “هل أنتم مساليت؟ أين يسكن المساليت؟”، بعد ذلك أطلقوا النار مباشرة على بعضهم، وقتلوا 8 منهم، بينهم اثنان من كبار السن، وتمكن البعض من الفرار، فيما تم تقييد آخرين وأخذوهم في سيارات.

كان الناس ينتظرون حتى يتوقف إطلاق النار لمدة ساعة أو ساعتين ليدفنوا الجثث (الفرنسية)

المساليت هي القبيلة الرئيسية التي تسكن مدينة الجنينة الحدودية مع تشاد، وهي من القبائل غير العربية، وأنا من هذه القبيلة، يقول إدريس.

في منتصف يونيو/حزيران شاهدت كثيرا من الناس يُقتلون، ولم تكن هذه هي جريمة القتل الجماعي الوحيدة التي شاهدتها، فكل يوم كنت أرى 6 أو 7 جثث ملقاة في الشوارع، وفي الـ20 من الشهر نفسه قال سلطان المساليت إن أكثر من 5 آلاف مدني قتلوا في الجنينة بين 24 أبريل/نيسان و12 يونيو/حزيران الماضيين.

ينتظرون وقف إطلاق النار لدفن الجثث

في الحي الذي أسكن فيه كان الناس ينتظرون حتى يتوقف إطلاق النار لمدة ساعة أو ساعتين، ثم يخرجون وينقلون الجثث بسرعة لدفنها.

لم يكن الجميع يعثرون على أحبائهم الذين يُقتلون، وهناك قتلى ليس لديهم من يبحث عنهم، لذلك تراكمت الجثث وبدأت تتعفن حيث تُركت في الطرقات.

كان الوضع متوترا للغاية، وكنت قلقا للغاية، ستكون هناك فترة من الهدوء النسبي ليوم أو يومين، ونعتقد أنه ربما هذه المرة سيتوقف القتال، لكنه يستمر ويزداد.

بعد أيام قليلة من بداية الحرب على سكان الجنينة كنت أرى منازل وسيارات وأسواقا في الهواء الطلق تُنهب، ثم بدأت المياه تنفد من المدينة.

يقتلون النساء والأطفال

وكان الأطفال والنساء يغادرون منازلهم للحصول على المياه، لكنهم يُستهدفون ويُقتلون بالرصاص، وبالتالي كان الناس في نهاية المطاف يخافون للغاية من الخروج لإحضار الماء، وبدأ الطعام ينفد بسرعة أيضا.

كنت أسمع كل يوم عن وفاة شخص أعرفه، يتلقى الناس مكالمات هاتفية يومية لإخبارهم بمقتل قريب أو صديق أو أحد الوالدين، فقدت الكثير من أقاربي، قُتلت مجموعة من أفراد العائلة من جانب والدتي في حي المدارس بالمدينة.

إدريس: ربما تستمر الحرب في الجنينة لسنوات (الفرنسية)

كان الأمر صادما، وساد الذعر على نطاق واسع في المدينة، كنت أكتشف أن شخصا قد قُتل، ثم بعد دقائق أتلقى مكالمة بشأن وفاة شخص آخر، بدأت أشعر بالخوف الشديد، ولم أكن أستطع التوقف عن التعرق.

هجمات في كل مكان

لم تكن هناك سيارات إسعاف أو خدمات طبية، وكان الشبان مستهدفين في كل مرة يغادرون فيها منازلهم، كانت الهجمات تحدث في كل مكان، كانت هناك اعتداءات عنيفة على المدارس التي لم تعد تعمل، والأسواق التي كانت لا تزال تعمل.

اقرأ ايضاً
تصعيد خطير.. إلى أين تتجه أحداث "عين الحلوة" في لبنان؟

سرعان ما توقف إمداد الكهرباء وتوقفت الاتصالات بالإنترنت، كنا معزولين تماما، لم تكن هناك طريقة لمعرفة مكان الأصدقاء أو أفراد العائلة الممتدة، كنا نستيقظ في الخامسة صباحا لنذهب إلى منزل أحدهم ونطلب منه أي معلومات، أو لنرى ما إذا كان يعرف ما يجري.

كنا نعيش في الظلام، كنت أسمع صوت اشتباك أو هجوم كبير، لكن لم تكن هناك طريقة لمعرفة ما يحدث وإذا كان هناك ضحايا، فلا توجد طريقة لمعالجتهم ولا أحد يعالجهم، مات الكثير من الناس من حولي لأنهم لم يتمكنوا من العلاج من إصاباتهم.

لم يتوقف عن البكاء لأيام

كان الجميع مرعوبين، لم يتوقف نجل أحد الرجال عن البكاء لأيام، استمر في البكاء والدموع تنهمر على وجهه، كان من الصعب جدا رؤية الجميع يبكون، والجميع يعانون بشدة.

في 14 يونيو/حزيران قُتل والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر، وهو من قبيلة المساليت، وقبل ساعات من وفاته هاجم قوات الدعم السريع، متهما إياها بالوقوف وراء أعمال العنف المستمرة ووصفها بـ”الإبادة الجماعية”.

بالنسبة لمعظم الناس في الجنينة وبالنسبة للعديد من المراقبين الدوليين كان من الواضح أن قوات الدعم السريع هي التي أسرت الوالي وقتلته، لكنها نفت ذلك.

في اليوم التالي وقع هجوم على الحي الذي أسكن فيه، وانتشر فيديو مقتل الوالي، كان الناس يحاولون الفرار من الجنينة على أمل السفر من جنوب المدينة، حيث كنت أعيش إلى منطقة “أردمتا” شمالي الجنينة.

غادرت مدينتي ربما للأبد

في 18 يونيو/حزيران قررت مغادرة الجنينة، المدينة، المكان الذي نشأت فيه، وذلك بعد وقوع مذبحة في 15 من الشهر نفسه، والرحلة إلى أدري محفوفة بالمخاطر على الرغم من أنها لا تتجاوز 30 كيلومترا.

لم تكن رحلتي إلى تشاد سهلة مع استهداف الشباب في الشوارع، ذهبت مباشرة إلى مخبأ بعد أن غادرت المنزل، حفنة منا (كلنا شباب) عثروا على جماعة عربية مسلحة كانت تنقل الناس إلى الحدود، كان عليك فقط أن تدفع لهم.

مررت بأكثر من 10 نقاط تفتيش، حيث تم تفتيشي وطرح الأسئلة من قبل ضباط مسلحين، لقد أرادوا معرفة القبيلة التي أنتمي إليها، وأين أعيش، وإذا كنت من المساليت.

جثث متراكمة على الأرض

رأيت هواتف الناس وأموالهم يتم أخذها، ورأيت أطفالا مسلحين عند نقاط التفتيش، في أوقات السلم تستغرق هذه الرحلة حوالي ساعة لكن هذه المرة استغرقت عدة ساعات وخضعنا للتفتيش عدة مرات بنقاط التفتيش، تعرض الناس هناك أيضا للهجمات ورأيت الجثث متراكمة على الأرض عند نقاط التفتيش هذه.

استقبلنا الجيش التشادي عند الحدود، وقبل أن يسمحوا لي بالمرور أخذوا اسمي، حصلنا على أرقام وتم تسجيل أسمائنا من قبل جمعيات خيرية مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قبل إعطائنا خيمة للبقاء فيها.

كان الأمر صعبا حقا، في بعض الخيام 9 أفراد من عائلة واحدة، لكن مهما كان الوضع فقد كان أفضل من وضعنا في الجنينة.

علمت أنه لا أمل في إصلاح الوضع في الجنينة، لكن كان عليّ توثيق ما يجري، واتخذت قرارا بنشر بعض ما رأيته يحدث في مسقط رأسي على فيسبوك لأنني شعرت أنه من المهم إلقاء الضوء على ما كان يحدث، شعرت -وما زلت أشعر- بأن ما أكتبه يمر دون أن يلاحظه أحد، وأن الفظائع بالجنينة تحدث في الظلام.

لا أمان حتى في تشاد

إحدى الصور التي نشرتها على الإنترنت للجثث سببت لي الكثير من المتاعب، أرسل لي أشخاص ما زالوا في الجنينة رسائل على فيسبوك يقولون فيها إنهم تعرضوا للتهديد بسبب ذلك، هناك أشخاص أقوياء لا يريدون أن يعرف العالم ما يحدث في مدينتنا.

بعد فترة وجيزة وبسبب ما كنت أنشره على الإنترنت لم أعد أشعر بالأمان في تشاد، كنت قد بدأت أسمع عن مقتل العديد من الأشخاص، لأنهم كانوا على صلة بنشطاء أو أشخاص يعملون في مجال حقوق الإنسان، لذلك لم أستطع البقاء هناك لفترة طويلة.

ونظرا لعدم معرفة أحد بما يجري في الجنينة كنت أرغب في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بي لإعلام الناس رغم أنني كنت مترددا في ذلك، لكن وسائل الإعلام أيضا لم تكن تغطي الأمر بشكل صحيح بسبب صعوبة الاتصال بالإنترنت والهاتف.

أردت أن أضغط على قوات الدعم السريع وأظهر للعالم الفظائع التي كانت تحدث رغم أنها كانت تعرض حياتي لخطر مباشر.

منذ حوالي أسبوع قررت أن أغادر تشاد وأن أشق طريقي إلى نيروبي، الحياة صعبة هنا وأنا قلق على أسرتي التي لا تزال في الجنينة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى