الحكومة حظرتها واعتبرتها غير قانونية.. ماذا وراء تجدد الاحتجاجات في كينيا؟
كينيا – تعتبر كينيا من الدول القلائل في أفريقيا التي يزخر تاريخها بالاحتجاجات السياسية المتكررة -منذ بواكير الاستقلال في عهد المؤسس جومو كينياتا- ضد القمع السياسي وقساوة الأجهزة الأمنية.
وبعد موجة الديمقراطية الثالثة في أعقاب الحرب الباردة والتحول إلى الديمقراطية وتبني التعددية السياسية، شهدت كذلك عنفا ارتبط بالانتخابات، بل وصل إلى ما عرف بـ “عرقنة الانتخابات”، حيث يتم الحشد السياسي على أسس عرقية وولاءات قبلية منذ انتخابات 2002 و2007 و2012 التي راح ضحيتها المئات وأصيب الآلاف.
ومنذ إعلان فوز الرئيس وليام روتو بانتخابات أغسطس/آب 2022 رفض السياسي المخضرم رايلا أودينغا زعيم تحالف أزيميو أموجا الاعتراف بالنتيجة وأعلن أنه قد تمت سرقة فوزه بالرئاسة، لأن الفارق كان ضئيلا بين المتنافسين (50.49% لروتو مقابل 48.85% لرايلا أودينقا).
لكنه لم ينجح في كسب الاعتراض على ذلك في المحكمة الدستورية، وإزاء هذا الفشل لجأ أودينغا إلى الرأي العام، ووضع نزاعه مع الحكومة الجديدة في محكمة الشارع، وترك في محكمة الرأي العام 3 قضايا باعتبارها مطالب يجب أن تحققها حكومة روتو:
- إعادة فتح خوادم هيئة الانتخابات والحدود لإثبات فوزه في الانتخابات
- إعادة تشكيل هيئة الانتخابات الكينية
- تخفيض تكاليف المعيشة وإعادة دعم المواد الغذائية
لم تتجاوب الحكومة مع مطالب زعيم المعارضة، مما دفعه لتحريك الرأي العام عبر الدعوة إلى الاحتجاج على تردي الأوضاع المعيشية، وبدأت المظاهرات في مارس/آذار الماضي، وهو ما حاولت الحكومة امتصاصه عبر قبول الحوار مع المعارضة، مما دفع المعارضة لوقف الاحتجاجات مؤقتا.
كيف خذل مرشح الفقراء جمهوره؟
كان الرئيس وليام روتو يطلق على نفسه مرشح الفقراء وطبقات المجتمع الدنيا، وكانت الصحافة المحلية والدولية تطلق عليه مرشح الطبقات المتزاحمة لكونه أحد القادمين من قاع المجتمع الفقير، لكن عندما جلس على كرسي الحكم لم يلتزم بوعوده -بحسب المعارضة- بل سرعان ما ازدادت معاناة الكينيين بفعل الصعوبات التي يعانيها الاقتصاد، وتأثيرات عوامل دولية أخرى مثل نتائج جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، والتغيرات المناخية.
في ظل التراجع الاقتصادي العالمي، وحالة اللايقين التي يواجهها العالم اقتصاديا والديون المتراكمة على كينيا منذ ولاية الرئيس السابق أهورو كينياتا، قرر الرئيس وليام روتو اتخاذ إجراءات مالية عبر تمرير قانون يهدف إلى زيادة الموارد المالية والإيرادات من خلال رفع الضرائب.
وصرح روتو بأن الحكومة بحاجة إلى مزيد من الأموال لتسديد الديون المتراكمة من الحكومة التي قادها الرئيس كينياتا، والتي بلغت 69 مليار دولار، ومواجهة التضخم المرتفع الذي بلغ 8% على أساس سنوي في أبريل/نيسان الماضي، ومعالجة تراجع النمو الذي بلغ 4.8% في 2022 بعد أن كان 7.6% في 2021.
ويعاني 27% من سكان البلاد من انعدام الأمن الغذائي الحاد، فضلا عن ارتفاع تكاليف الكهرباء والمياه والغاز والسكن، مع انعدام فرص العمل للشباب، بالإضافة إلى تراجع الإيرادات وزيادة الإنفاق الحكومي.
احتجاجات واسعة على قانون الضرائب الجديد
تصاعدت الاحتجاجات في يوليو/تموز بعد فترة هدوء كان يجب أن يتخللها حوار بين الحكومة والمعارضة، لتخفيف حدة الاحتقان في الشارع، لكن الطرفين فشلا في ذلك لتباين الكيفية والاتجاهات النهائية للحوار.
وخلفت الاحتجاجات أضرارا بالغة، حيث اندلعت الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في 13 مقاطعة من أصل 47 مقاطعة، وعلى مدى أيام تعطلت فيها المصالح وأغلقت المدارس في كثير من الولايات، وتحدثت تقارير صحفية وحقوقية عن أن عدد القتلى بلغ أكثر من 50، فضلا عن عدد كبير من الإصابات.
وأوقفت السلطات الأمنية والشرطية أكثر من 400 شخص من بينهم 60 من ضباط الأمن، بينما تفيد التقارير الرسمية بأن عدد الضحايا لا يتجاوز 20، كما أشارت تقارير دولية إلى أن السلطات الكينية قتلت أكثر من 20 شخصا خارج نطاق القانون، وطالبت بإجراء تحقيقات.
وبعد مناورات قصيرة لكسب الوقت، غيرت الحكومة الكينية لهجتها في التعامل مع المظاهرات، حيث حظرت الاحتجاجات، واعتبرتها غير قانونية، كما وصف الرئيس الكيني مطالب المعارضة بالابتزاز، وأنها تسعى إلى تعطيل الحكومة وأجندتها التنموية، كما أعلن “أننا لن نقبل الفوضى في بلادنا، ولن نسمح بالمظاهرات، ولن نسمح لزعيم المعارضة والرئيس السابق كينياتا بأخذ البلاد رهينة، عبر التسبب في العنف والفوضى”.
أهداف المعارضة ومستقبل كينيا
تسعى المعارضة إلى ممارسة الضغط على الحكومة عبر توظيف قانون الضرائب، وذلك طمعا في تقديم تنازلات سياسية، عبر الأجندة الاقتصادية وقضايا المهمشين الذين خذلهم تحالف الرئيس وليام روتو.
وربما تذهب المعارضة أبعد من ذلك عبر طرح فكرة سحب الثقة من حكومة روتو ووضعها أما خيارات صعبة، قد تصل إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة، وعينها على استثمار الفرصة التي لم تخطط لها وقد لا تتكرر مرة أخرى.
يأتي ذلك في الوقت الذي عجزت فيه الحكومة أكثر من مرة عن دفع رواتب الموظفين، إلا بعد الاقتراض من مؤسسات خارجية.
وفي أواخر حكم الرئيس السابق كينياتا، كان 72% من الكينيين يقولون إن كينيا في الاتجاه الخاطئ، وفق صحيفة “أوبيرا نيوز”، فهل يمنح الكينيون فرصة لممثل الطبقات الفقيرة أم تعصف به جماعات المصالح التي ظلت تحكم أكثر من 60 سنة؟ أم يذهب في تسوية مع تحالف المعارضة بقيادة أودينغا وتمر العواصف كما حدث من قبل؟