الضغوط الدبلوماسية والتدخل العسكري.. انقلاب النيجر يضع “إيكواس” أمام اختبار صعب
مع تصاعد الأزمة السياسية في النيجر إثر الانقلاب العسكري، اتجهت الأنظار إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بوصفها المعنية أكثر من غيرها بالأزمة، ونظرا لتاريخها في أزمات وانقلابات مماثلة شهدت تدخلات دبلوماسية وعسكرية من المجموعة. وهو ما يطرح تساؤلات بشأن قدرة المجموعة على حل أزمة النيجر سواء بالعمل الدبلوماسي أو التدخل العسكري.
ويصف خبراءٌ المجموعة -المعروفة اختصارا بـ”إيكواس” (ECOWAS)- بأنها أكثر المنظمات الإقليمية في أفريقيا تحقيقا لأهداف التكامل الإقليمي في مختلف المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية. وجعلت المجموعة تحقيق السلم والأمن الإقليميين في قائمة أولوياتها بوصفهما الركيزة الأساسية في تحقيق النهضة الاقتصادية والتماسك الاجتماعي، وكرست جهودا ملموسة في سبيل ذلك.
أولوية الأمن لم تأت من فراغ، حيث شهدت جميع دول المجموعة الـ15 انقلابات عسكرية منذ استقلالها، ما عدا دولتي الرأس الأخضر والسنغال، ولما كان الأمر مسببا لاضطرابات مستمرة، فكان لا بد من البحث عن مخرج ومعالجة تستجيب لهذا التحدي، لذلك أصدرت المجموعة عام 1999 بروتوكولا يتعلق بآلية منع النزاعات وإدارتها وحلها وحفظ السلم والأمن، واستحدث البروتوكول نصًا يجيز للآلية التدخل في الدول الأعضاء في حال وقوع تغيير غير دستوري لحكومة منتخبة.
تدخلت المجموعة عبر مساع دبلوماسية عندما اندلعت حرب أهلية في ليبيريا عام 1989 أدت إلى تسوية سياسية في نهاية الأمر، وعام 1991 تدخلت دبلوماسيا في سيراليون بسبب الأزمة السياسية، وعندما لم تفلح تلك الجهود السلمية تدخلت عسكريا لتصل في النهاية إلى تسوية سياسية، كما تدخلت عسكريا وبشكل محدود في غينيا بيساو عندما اندلع صراع مسلح بين فرقاء السياسية، وقادت الوضع إلى تسوية سياسية، وفي دولة ساحل العاج تفاعلت الإيكواس مع النزاع دبلوماسيا وتدخلت عسكريا في نطاق محدود.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، أعلنت المجموعة إنشاء قوة عسكرية جديدة للتدخل من أجل مواجهة الانقلابات وفرض الأمن ومحاربة الإرهاب، في حال وقوع تغيير غير دستوري للحكم، على أن تتألف القوة من 5 آلاف جندي بتكلفة سنوية قدرها 2.3 مليار دولار لنشر القوات عند الطلب، وحددت الإيكواس حالات التدخل، وهي استعادة النظام الدستوري والعودة للحكم المدني، أو في حالات التطرف والإرهاب.
سياقات التدخل
من خلال تتبع الطرق التي عالجت بها إيكواس حالات الانقسام السياسي أو النزاع المسلح، فإن تدخلها عسكريا حدث في حالات الصراع المسلح بين طرفين، مما تطلب وجود طرف ثالث، أما في حالات الانقلابات التي تخلو من نزاع داخلي، فقد عمدت “إيكواس” إلى استخدام الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية، لمحاصرة الانقلابات وإعادة الأوضاع إلى الحكم المدني.
وفي حالة مالي، سلكت إيكواس المسارين الدبلوماسية والعسكري، فعند تمرد الشمال كانت الإيكواس حاضرة بدعم القوات الدولية التي تشكلت بقوة عسكرية من المجموعة، ولكن بعد حدوث الانقلاب رفضت إيكواس الانقلاب، وفرضت عقوبات اقتصادية قاسية على المجلس العسكري وأغلقت دول الجوار حدودها معها، وأوقفت التدفقات المالية والتجارية، وطالبت المجلس العسكري تعيين حكومة انتقالية مدنية.
وبالفعل، أعلن المجلس العسكري التوصل إلى اتفاق بشأن ذلك، وفي يوليو/تموز 2022 قررت المجموعة رفع العقوبات عن مالي بعد اقتراح العسكريين قانونا وخريطة انتخابات مدتها 24 شهرا.
بعد الانقلاب الثاني في بوركينا فاسو، تدخلت إيكواس ووقعت مذكرة تفاهم بشأن الرصد والتقييم المشترك مع سلطات بوركينا فاسو، مع التزام السلطة الانقلابية بعقد الانتخابات في يوليو/تموز 2024، وهنا نلاحظ أن إيكواس لم تعاقب بوركينا فاسو، ولكن تم التوصل إلى تسوية مع السلطات على جدول زمني لإعادة النظام الدستوري في غضون 24 شهرا، بعد رفض المجموعة مقترح المجلس العسكري بأن تكون المهلة 36 شهرا للعودة للحياة الدستورية.
اختبار النيجر
وقبل أن تعيد المجموعة الأوضاع إلى طبيعتها في مالي وبوركينا فاسو، باغت انقلاب النيجر المنطقة ووضع مخزون التجارب والقرارات على المحك.
وفي اجتماع طارئ أمس الأحد، منحت المجموعة أسبوعا واحدا لسلطة الانقلاب من أجل إعادة الرئيس المنتخب محمد بازوم إلى موقعه وإنهاء الانقلاب، كما فرضت عقوبات مالية على قادة الانقلاب وجمّدت المعاملات التجارية والمالية بين دول المجموعة والنيجر، وفرضت حظر سفر على الضباط المتورطين في الانقلاب، وحذرت المجوعة من استخدام كافة الإجراءات -بما في ذلك استخدام القوة- لإعادة النظام الدستوري، كما أغلقت دول المجموعة جميع الحدود البرية والجوية مع النيجر.
ورغم التهديدات التي أطلقتها المجموعة، فإن تدخلها العسكري رهين بموقف الرئيس محمد بازوم، فهو لا يزال رافضا للانقلاب، لكن يبدو أنه معزول من أي قوة صلبة تعطي مسوغا للإيكواس للتدخل، فضلا عن أن القوة التي تعهدت بتشكيلها للتدخل في مثل هذه الحالات لم تنشأ بعد، فلا تملك المجموعة غير العقوبات السياسية والاقتصادية والعزل الدبلوماسي، والتفاوض مع سلطة الانقلاب على إعادة الحكم الدستوري ولو بشكل مؤقت، وربما بتدخل حلفاء وفاعلين كبار.
الاتحاد الأفريقي الحاضر الغائب
بعيدا عن قدرات الإيكواس، يعد الاتحاد الأفريقي المسؤول القاري المعني بمعالجة مثل هذه الاختلالات، لكن بسبب عجز الاتحاد عن مراجعة المادة الخاصة “بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء واحترام السيادة الإقليمية لها” يقف عاجزا عن إيجاد الحلول الجذرية لأزمة الانقلابات المتكررة.
وحاليا لا يملك الاتحاد الأفريقي غير تجميد عضوية الدولة ومنعها من المشاركة في أنشطة الاتحاد، ويمهل الدول التي يجري فيها تغيير غير دستوري 6 أشهر للعودة للحياة الدستورية، حتى لو أصبح قائد الانقلاب رئيسا للدولة بعد استبدال البزة العسكرية بلباس مدني.
لذلك، لا يزال الاتحاد الأفريقي وذراعه العسكري مجلس السلم والأمن الأفريقي يواجهان مشكلة في التعامل مع المؤسسات العسكرية في أفريقيا، بسبب تصدر العسكر للمشهد بزي مدني، وهو ما دفع لظهور دعوات عدة لإجراء تعديلات جذرية في قانون الاتحاد بشأن التدخل في حال الانقلابات العسكرية والتغييرات غير الدستورية.