هل تنجح تحركات الجزائر في منع تدخل عسكري بالنيجر؟
الجزائرـ تسابق الجزائر زمن الأحداث في النيجر، لإبعاد شبح الحرب خلف حدودها الجنوبية الشاسعة، تفاديا لتكرار سيناريو انفلات الأوضاع الأمنية في خاصرة رخوة بمنطقة الساحل الأفريقي، مثلما وقع في أعقاب سقوط شمال مالي عام 2012 وقبلها السلطة المركزية في ليبيا عام 2011.
فبعد أن أعلنت الجزائر أنها لم تستجب لطلب فرنسي لعبور أجوائها من أجل الهجوم على النيجر، نفى الجيش الفرنسي، تقديم مثل هذا الطلب، لترُد الجزائر بأنها رفضت بالفعل هذا الطلب، وهو الذي كان يتضمن تحليق 4 طائرات مقاتلة وطائرة تزويد جوي في أجوائها باتجاه النيجر.
جولة مشاورات
وفي خطوة لاحقة، كلف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف، بجولة دبلوماسية عاجلة نحو دول غرب أفريقيا، تشمل نيجيريا وبنين وغانا، موازاة مع إيفاد أمين عام وزارة الخارجية لوناس مقرمان إلى النيجر.
وخلال زيارته لنيجيريا، أوضح عطاف أنه تم الاتفاق، على ضرورة تنسيق الجهود المبذولة من قبل البلدين، بهدف “تعزيز الزخم الدولي والإقليمي وتشجيع التفاف الجميع حول المسار السياسي والسلمي لحل الأزمة القائمة”، مشيرا إلى أن الرئيس تبون وضع تصورا واضحا لحل الأزمة “ودافع عنه بكل حزم وعزم”.
وفي محطته الثانية، أجرى عطاف، صباح أمس الجمعة، محادثات مع وزير خارجية بنين باكاري أجادي أوشلغون، حول سبل التهدئة والعودة إلى النظام الدستوري في النيجر، لينهي الوزير الجزائري جولته اليوم السبت في غانا، بلقاء رئيس غانا، نانا أكوفو أدو، الذي “أعرب عن تشجيعه لدور الجزائر المهم لتقديم مساهمة فعلية لوضع حد للأزمة”، بحسب بيان رسمي.
ملامح دبلوماسية الجزائر
وعن خلفيات المسعى الجديد للجزائر باتجاه دول “إيكواس” تحديدا، يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر إدريس عطية، إن الجولة الدبلوماسية تستهدف “كبح خيار التدخل العسكري الذي تسعى إلى فرضه المجموعة بالوكالة عن فرنسا، كون نيجيريا، وبنين وغانا الأكثر تحمسًا له”.
وأوضح عطية في حديث للجزيرة نت، أنّ الجزائر استكملت المرحلة الأولى بتأكيد موقفها الرافض بشدة للتدخل العسكري، وهو ما خلق تذبذبًا وتضاربًا في مواقف دول “إيكواس” بعد شهر من الانقلاب، خاصّة عقب إعلانها منع فرنسا من استعمال مجالها الجوي.
وبحسب أستاذ العلاقات الدولية فإن “محتوى الوساطة الدبلوماسية التي تقودها الجزائر قائم على قطع الطريق أمام التدخل الخارجي”، معتبرا أنّ الجزائر تحمل برنامجًا واضحًا ودقيقًا لوساطتها الدبلوماسية، لتجنب التدخل العسكري، وتقليص المرحلة الانتقالية، والتوافق على مستقبل الرئيس محمد بازوم.
ومن جانب آخر، يرى الخبير في شؤون الأمن والساحل الأفريقي أحمد ميزاب، أنّ الجزائر لا تلعب دور الوسيط، بل المحرك لبلورة تصور مشترك بين كل الأطراف، لتجنب أسوأ السيناريوهات والحيلولة دون انهيار معادلة الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأوضح ميزاب في حديث للجزيرة نت، أنّ المسار الجزائري مبني على 4 مرتكزات وهي: الاتفاق على أن الحل لن يكون إلا سياسيّا عن طريق الحوار، وأهمية العودة إلى المسار الدستوري غير المقيد، والحفاظ على مكسب الديمقراطية، مع تجنيب النيجر التدخل العسكري.
ومن جهته، يعتقد المتخصص في الدراسات الإستراتيجية عامر مصباح، أن الحل الدبلوماسي الجزائري قائم عمليا على إقناع الحكومة الجديدة في النيجر والأطراف الإقليمية بخطورة تصعيد الأزمة الأمنية إلى نزاع إقليمي مسلح، مع الحرص على العودة إلى الديمقراطية والعمل بالدستور، وكذا أهمية الشراكة الإستراتيجية الإقليمية لمواجهة التهديدات المشتركة.
وقال مصباح في حديث للجزيرة نت، إن هناك تطورات أمنية مساعدة على نجاح الدور الجزائري، يتقدمها الاختلاف الدولي حول فعالية الحل العسكري في أزمة النيجر، والتباين الإقليمي في وجهات النظر، موازاة مع تنامي اتجاه عام لدى الرأي المحلي مناهض للحرب، وأخيرا تنامي الأنشطة الإرهابية، تلك التي كانت في معظمها نتيجة للتدخلات العسكرية الخارجية.
لكن الجهود الدبلوماسية للجزائر لا يمكن أن تثمر وفقا لمصباح، إلا عبر تقريب وجهات النظر بين الأطراف، بشكل “يقلص خيار الحرب ويدعم الحل السلمي، على افتراض أن ذلك يمثل الحل الأكثر ربحًا، الأقل كلفة، الأكثر أمنًا وضمانًا لعدم انهيار الأمن الإقليمي لهاوية الفوضى الشاملة”.
أوراق رابحة
ولأجل ذلك، فإنّ الجزائر تملك عدة أوراق رابحة، في تقدير هؤلاء الخبراء، للتوصل إلى تحقيق إجماع ولو نسبي للحل السياسي، رغم قرْع طبول الحرب في كل مكان، في ظل ضغوط خارجية تزداد كثافة بالدفع نحو الخيار العسكري.
ويرى الخبير أحمد ميزاب أن بلاده تمتلك المصداقية والموثوقية، خاصة في المحيط الأفريقي، ولها تجارب ناجحة في تفكيك الألغام بالمنطقة، منها أزمة مالي والصراع الإريتري الإثيوبي وغيرها.
كما أنّ الطرح الجزائري واقعي وعقلاني، من وجهة نظر المتحدث، فهو “يسمّي الأشياء بمسمياتها ويحقق الإجماع حيث الطرح والمعالجة وقد يشكل نقطة توافق”.
نفس الرؤية يشاطره فيها المحلل إدريس عطية، معتبرا أن “الجزائر تقف على نفس المسافة بين الخصوم في النيجر، ومقاربتها تحظى بترحيب واسع من قبل المجلس العسكري”.
ويؤكد عطيّة أن الجزائر تقترب من إجهاض التدخل العسكري، بعد تحييد بعض الأطراف الداعية للعملية، خاصة بعد إعلان مالي وبوركينافاسو وقوفهم إلى جانب النيجر.
ويبرز المحلل أهمية موقف الاتحاد الأفريقي، مشيرا إلى تعليق عضوية النيجر وتجميد نشاطاتها في هياكله، مقابل تأييده لمقاربة الجزائر الدبلوماسية، إلى جانب دعم الولايات المتحدة الأميركية.
وربط أحمد ميزاب تحقيق خطوات متقدمة بمدى “حياد بعض الأطراف الخارجية التي تعتبر نفسها متضررة، وترى في نهج العمل العسكري والفوضى خيارًا إستراتيجيّا لاستعادة مناطق النفوذ”، في إشارة منه إلى الموقف الفرنسي.