سجال حول صلاحيات اليونيفيل جنوب لبنان.. ما سيناريوهات تجديد ولايتها؟
بيروت- ساعات قليلة تفصل لبنان عن قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بالتمديد السنوي لقوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة جنوب لبنان (اليونيفيل)، وسط توجّس رسمي من عدم التجاوب مع مطلب بيروت، الرافض منح اليونيفيل صلاحية التحرك دون مواكبة الجيش اللبناني، أو التنسيق معه.
ورغم مواكبة لبنان التجديد لليونيفيل منذ تأسيسها سنة 1978، لكنه اختبار مشحون بالأبعاد السياسية والأمنية، نظرا للواقع الحدودي الحساس بين لبنان وإسرائيل، ودور حزب الله العسكري في تلك المنطقة.
وعكس ذلك موقف أمين عام حزب الله حسن نصر الله، الرافض لصيغة التمديد الحالية، مشكّكا بالدور الحيادي لمجلس الأمن، “الذي لا يرى خروقات إسرائيل البرية والجوية والبرية، ولذلك يريدون اليونيفيل جواسيس عند الإسرائيليين”.
فما قصة تعديل مهام اليونيفيل؟
اعتادت الحكومة اللبنانية سنويا على مطالبة مجلس الأمن بالتجديد لولاية اليونيفيل، بلا تعديلات على مهامها ومناطق انتشارها. لكن في 31 أغسطس/آب 2022، فوجئ لبنان بفرض تعديلات لأول مرة على قرار التمديد، تقضي بمنحها حق القيام بمهامها بصورة مستقلة، وتسيير الدوريات المعلن وغير المعلن عنها، دون مؤازرة أو إبلاغ الجيش اللبناني.
علما أن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 2006، واستنادا إلى قرار (1701) القاضي بوقف إطلاق النار، أوجب مرافقة الجيش دوريات اليونيفيل ضمن نطاق عملياتها بالقرى الحدودية جنوبا.
ومنذ العام الماضي، تتوالى التحذيرات اللبنانية من مخاطر تحرك اليونيفيل دون الجيش، وما قد ينتج عنه من احتكاكات وحوادث مع الأهالي. وتفاقم القلق بعد مقتل جندي إيرلندي وإصابة ثلاثة آخرين من اليونيفيل، أثناء تنقلهم بسيارة مدرعة في منطقة “العاقبية” جنوبا في 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، بينما سلّم حزب الله حينها مطلق النار للجيش.
وبالتوازي مع بحث مجلس الأمن تمديد اليونيفيل، يرى خبراء أن غالبية الدول الأعضاء بالمجلس، وعلى رأسها: الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، تجد في التعديل ضرورة لتمكين القوة الدولية من تنفيذ مهامها، في ظل تعزيز حزب الله لترسانته العسكرية جنوبا.
وفي توقيت لافت، فرضت واشنطن منتصف الشهر الجاري عقوبات على جمعية “أخضر بلا حدود”، واتهمتها بدعم وتغطية عمليات حزب الله على طول الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل.
الموقف الحكومي
رسميا، أكد وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، رفض بلاده لصيغة التمديد، “لأنها لا تشير لضرورة تنسيق اليونيفيل مع الحكومة ممثلة بالجيش اللبناني”.
ويترقب كثيرون نتائج مساعي بو حبيب في نيويورك، لإقناع دول القرار بضرورة العودة لصيغة تعاون اليونيفيل مع الجيش. ولا تفصح الخارجية اللبنانية عن كامل تفاصيل مساعيها، وقال مصدر فيها للجزيرة نت، إن مفاوضات بو حبيب سرية، وتمر بمرحلة شديدة الدقة، ونتائجها غير معروفة.
سيناريوهات التمديد
تتفق الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بو منصف، مع الخبير العسكري والإستراتيجي العميد الدكتور هشام جابر، في حديثهما للجزيرة نت، حول ترجيح عدم تراجع مجلس الأمن عن البند المُعدل، لكنهما يختلفان بقراءة مسارات وسيناريوهات التمديد.
من جهة، يأمل هشام جابر أن يقتنع مجلس الأمن بـ”مخاطر عمل قوات اليونيفيل بمعزل عن الجيش”. لكن الضغط الإسرائيلي برأيه أكبر من مساعي لبنان، “لأن إسرائيل من مصلحتها توسيع صلاحيات عمل اليونيفيل، ما قد يسهم مستقبلا بالكشف عن مواقع تسليح حزب الله”.
ويتوقع جابر أن يؤدي التمديد لإشكالات بين قوات اليونيفيل وأهالي القرى الجنوبية رغم حرصهم على وجودها، لأنهم سيرون أن خصوصيتهم مراقبة.
وفي يوليو/تموز الفائت، شهدت الحدود الجنوبية توترات أمنية كبيرة بعد إقامة الاحتلال الإسرائيلي لجدار وإنشاءات وسياج شائك، بالجزء اللبناني الشمالي لبلدة الغجر جنوبا، في خرق جديد للقرار (1701)، بينما نصب حزب الله خيمتين في مزارع شبعا المحتلة. ومن المتوقع أن يتطرق قرار التمديد لواقع هذه المنطقة.
ورأى خبراء حينها أن إسرائيل تحاول رفع التوتر بالبلدة لتحقيق مكاسب إضافية بورقة التجديد لليونيفيل. وهنا، يجد جابر أن مجلس الأمن لا يتعامل بتوازن بين لبنان وإسرائيل، و”يغض الطرف عن خروقاتها، بينما لا يسمح للبنان برفض بنود التعديل لعمل قوة أجنبية أممية على أراضيه”.
ورغم أهمية دورها لضمان قواعد الاشتباك، يرى جابر أن اليونيفيل منذ نحو أربعين عاما لم تستطع منع العدوان الإسرائيلي على لبنان، أو ضبط الخروقات التي توثقها. ويعتقد أن إسرائيل تريد السيطرة على جغرافيا لبنان الجنوبية. ويقول “إذا لم يتراجع مجلس الأمن عن بند تعديل عمل اليونيفيل، فعلى لبنان إرفاقه ببند موازٍ، لرفع مسؤوليته الرسمية عن أي إشكال يقع بين عناصر اليونيفيل وأهالي القرى الجنوبية”.
بعد فوات الأوان
من ناحية أخرى، ترى الكاتبة روزانا بو منصف، أن خطأ لبنان بدأ العام الماضي، حين لم يكترث لبند تعديل مهام اليونيفيل قبل إقراره للتنفيذ، نظرا لانشغاله بملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. وكحال ملفات كثيرة، ترى روزانا أن أحد أسباب الأزمة، اعتراض لبنان على القرارات والبنود بعد فوات الأوان.
ولسوء الحظ، حسب المحللة، فإن قرار التمديد العام الماضي، صدر بالإجماع في مجلس الأمن، ونادرا ما يحصل ذلك، ما يعقّد مسألة التراجع عن التعديل الجوهري.
وتقول، إن فرنسا حاملة القلم بملف التمديد لقوات اليونيفيل إلى جانب أميركا وبريطانيا، كونهم الدول الأكثر تأثيرا، وتشير إلى أن روسيا التي لا تأتي على ذكر تنديد تسلح حزب الله، ولا تخرج عن هذا الإجماع.
وتذكّر روزانا بأهمية وجود قوات اليونيفيل جنوبا، في ظل “الهدنة الطويلة والهشة” بين لبنان وإسرائيل. وتقول، إن وجودها حاجة دولية رغم كلفتها السنوية التي تفوق 800 مليون دولار، لأن لبنان في مشروع حرب دائمة مع إسرائيل. فـ”إذا كانت اليونيفيل لا تمنع الحرب، لكنها تلجم كثيرًا من الاستفزازات التي من شأنها إشعال الحرب وتفجير الوضع بالمنطقة”.
وبينما يجد هشام جابر أن ثمة نيات لتحويل قوات اليونيفيل لأشبه بقوات ردع، قد ينجم عن دورها إشكالات غير متوقعة، ترجح روزانا أن تزول الاعتراضات فور إقرار التمديد، الذي قد يراعي ببعض عباراته مسألة التنسيق مع الجانب اللبناني.
وتقول، “رغم التلويح بالإشكالات بين الأهالي واليونيفيل، فالقوة قد لا تتجاوز الخطوط الحمراء، طالما يُحكم حزب الله السيطرة على المنطقة، ولأن وجود اليونيفيل حاجة لمختلف الأطراف”.