بالصور.. قبل زلزال الحوز كان هنا دوار يسمى إمكدال
إمكدال- تتشابه قصص سكان دواوير (قرى) الحوز جنوبي مراكش، ليس فقط لأن الزلزال ضرب المنطقة كلها بعنف في توقيت واحد، ولكن لأن جغرافيتها أيضا تكاد تكون متطابقة، إذ إن الدواوير الصغيرة معلقة في جبال الأطلس الشاهقة، فضلا عن أن جل المنازل مبنية بالطين والأحجار، وبعيدة عن الطرق الممهدة.
غير أن ما يميز دوار إمكدال نسبيا (نحو 75 كيلومترا جنوبي مراكش) هو وقوعه في منحدر شديد بجبل شاهق؛ بيوته الطينية -المهدمة حاليا- مشتتة في حضن الجبل هناك وهنالك، وتفصلها طريق ضيقة عن بيوت طينية مشتتة هناك في الأسفل، تغطيها الأشجار فلا تكاد تُرى، ويصعد منها أناس يبدو على وجوههم الحزن والإرهاق الشديدين.
إمكدال كان قريبا جدا من مركز الزلزال، حيث لا يفصله عن دوار إغيل سوى 34 كيلومترا، وهي مسافة ليست بالكبيرة بالنظر إلى الزلزال الذي أحس به سكان بعض المناطق جنوبي إسبانيا.
الزلزال الذي بلغت قوته 7 درجات على سلم ريختر هدم كل بيوت الدوار تقريبا، وخلف عددا من القتلى والجرحى، وقد يبدو عددهم قليلا بالنسبة لمن يسمع الأرقام المتضاربة لأول مرة، لكنه عدد كبير بالنسبة إلى سكان الدوار؛ ليس فقط للارتباط العاطفي بالضحايا، ولكن لأن عدد سكان الدوار قليل ويعد بالعشرات.
طين وأحجار
هذه البيوت المهدمة لطالما كانت ملجأ لساكنيها من البرد والأمطار والثلوج خلال فصل الشتاء، ومن الحر في فصل الصيف إذ إنها مبنية بأحجار الجبل نفسه، وهي أحجار تضمن -مع الطين- تكييفا طبيعيا للسكان، فيستمتعون بالحرارة شتاء، وبالبرودة صيفا.
لكن الآن بعد الزلزال، كل شيء تغير، ويستحيل أن تعود الحياة إلى ما كانت عليه من قبل، إذ أخبرنا بعض السكان أنهم سيتبعون نصائح مهندسي الدولة لبناء بيوت تناسب منطقة صارت تعرف الآن جيدا هذا الضيف المخيف الذي قد يحل في أي لحظة، ومن دون سابق إنذار.
“الأمر ليس بأيدينا الآن، سنبني بيوتنا من جديد حسب ما يقرره المهندسون”، يؤكد يونس وهو أحد سكان الدوار، مضيفا أنه حتى ما تبقى صامدا من بيوت لا يستطيع أحد العيش فيها، بله الدخول إليها، لأن الشقوق تملأ جنباتها، وقد تسقط على أصحابها في أي وقت.
ويوضح يونس للجزيرة نت أن انهيار البيوت الطينية خلف مآسي عدة بالدوار، حيث لقي كثيرون مصرعهم، أغلبهم أطفال ونساء كانوا نائمين عندما ضرب زلزال الحوز بعنف قرب الساعة 11 ليلا.
حكاية حزينة
“كان هنا دوار اسمه إمكدال” يحاول يونس ومن معه أن يوضحوا لنا، مبرزين أن صدمة فقد الأحباب، وتهدم البيوت، والعيش حاليا بين الأشجار يجعل من تبقى حيا يعيش حالة من الحيرة والتيه، إذ لم يستوعب كثيرون ما حصل حتى الآن.
الهزة الأرضية العنيفة لم تقف عند الجغرافيا، بل امتدت إلى أعماق نفوس السكان الذين تحطمت أشياء كثيرة داخلهم، وتحتاج إلى وقت طويل ورعاية صحية لإعادة بنائها من جديد.
يقف يونس وبعض سكان إمكدال أسفل الطريق يجمعون ما يقدم إليهم من مساعدات، ثم يوزعونها بشكل عادل ومنظم على من تبقى حيا من الأسر والعائلات.
وأغلب المساعدات حاليا تشمل الأغطية والملابس ومختلف أنواع الأغذية المعلبة، وزيوت الطهي، وبينها زيت الزيتون الذي يعد من أساسيات إفطار المغاربة في كل البلاد.
تشتت الأسر والبيوت المهدمة فوق الجبل يجعلان الأمر مستحيلا على السيارات الوصول إليها، لذلك يلجأ السكان إلى ما توفر من دواب لإيصال المساعدات إلى المتضررين.
كما تستغل تلك الدواب لنقل من يصل من أطباء وممرضين الذين يحرصون على زيارة المناطق النائية، وتوفير العلاج للمصابين بإصابات خفيفة إلى متوسطة من الذين يحتاجون إلى رعاية طبية في عين المكان.
أما الذين أصيبوا بإصابات خطيرة، فقد نقلوا منذ الساعات الأولى التي تلت الزلزال إلى مستشفيات مدينة مراكش.
وترابط سيارات الوقاية المدنية بالقرب من دوار إمكدال للمسارعة إلى نقل المصابين إلى المستشفيات القريبة، سواء تعلق الأمر بمستشفى مدينة تحناوت الذي خصص لاستقبال الحالات الخفيفة، أو مستشفى مدينة مراكش الذي خصص لاستقبال الحالات الخطرة والحرجة.
وجل إصابات المتضررين بإمكدال تتلخص في الكسور المختلفة والرضوض التي سببها انهيار البيوت على رؤوس قاطنيها، الذين كان جلهم نائمين عندما ضرب زلزال القرن.
وكما حدث في دواوير إغيل، وتنزيرت، وأغبار، وقرى أخرى، كان جل القرويين نائمين، أو يستعدون للنوم، قبل أن يفاجئهم الزلزال.
ففي أحضان جبال الأطلس المرعبة، يكون مغيب الشمس إيذانا بضرورة العودة إلى البيوت، لتناول ما تيسر على العشاء والنوم باكرا، ثم الاستيقاظ فجرا قبل شروق الشمس، لبدء يوم عمل شاق.
نحتاج خياما
يشرح لنا يونس والحسين ومن معهما أن الدوار في حاجة ماسة حاليا للخيام، “فقد وصلنا الغذاء والغطاء واللباس، لكن نحن في حاجة ماسة إلى خيام لنتفادى المبيت في العراء”.
يضاف إلى ذلك أن فصل الشتاء قريب، والبرد هنا شديد ليلا، والقرويون مرعوبون من أن تلسعهم قسوة البرد والأمطار والثلوج هنا -وهم يعرفون تفاصيلها جيدا- إن لم تصلهم خيام ووسائل أخرى تقيهم شر ما هو قادم.
بدا سي الحسين صامتا ونحن نهم بمغادرة إمكدال، ولم يكد ينبس ببنت شفة، غير أن نظراته الحزينة والتجاعيد العميقة على جبينه حكت كثيرا عن مأساة زلزال دمر دوارا يسمى إمكدال بأعماق جبال الأطلس الشاهقة، يحاول الآن أبناؤه لملمة شتاتهم والاجتهاد لتجاوز آثاره، وبعث روح الأمل من جديد في وجه نفوس حزينة متعبة مرهقة حائرة.