في غياب فتح.. هل تنجح “اللجنة الوطنية” في إنهاء الانقسام الفلسطيني؟
غزة- بمشاركة 8 قوى سياسية رئيسية في قطاع غزة، أبرزها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتيار الإصلاح الديمقراطي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بزعامة النائب محمد دحلان، أُعلن اليوم الاثنين عن انطلاق “اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية”، في خطوة متقدمة لحالة التنسيق والتعاون بين الطرفين.
وتمثل اللجنة الجديدة شكلا أكبر وبمشاركة أوسع من قوى سياسية فاعلة عن “اللجنة الوطنية الإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي”، التي كانت أبرز أشكال العمل المشترك بين حماس” و”تيار دحلان” منذ وقوع الانقسام الداخلي في منتصف عام 2007، وقدمت مساهمات كبيرة في جوانب حياتية مختلفة على مدار 5 أعوام.
انطلاقة جديدة
وفي مشهد ارتبط في أذهان الفلسطينيين بلقاءات المصالحة المتكررة، ولكن هذه المرة في غياب حركة “فتح” التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، اصطف ممثلون عن 8 فصائل في غزة للإعلان عن انطلاق “اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية”.
وتضم اللجنة في عضويتها إلى جانب حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و”تيار دحلان”، حركة الجهاد الإسلامي، والجبهتين “الشعبية” و”الديمقراطية” لتحرير فلسطين، وحركة المبادرة الوطنية والقيادة العامة ومنظمة الصاعقة.
وقال رئيس اللجنة القيادي في “تيار الإصلاح الديمقراطي” الدكتور أسامة الفرا -خلال مؤتمر الإعلان عن اللجنة- إن “أبواب اللجنة مفتوحة، ويدها ممدودة، لكل مكونات شعبنا وكافة مؤسساته الوطنية، انحيازا لهموم شعبنا، ووضع المعالجات اللازمة، والتدخل الطارئ، لتعزيز صموده في مواجهة التحديات التي تعترض مسيرتنا الوطنية”.
وستنطلق اللجنة بسلسلة من المشروعات الإغاثية والتنموية، بهدف تعزيز الشراكة الوطنية، وتمكين المجتمع من مواجهة ظروف الحصار الذي يفرضه الاحتلال، والعمل الجماعي لتجاوز آثار الانقسام وتداعياته، عبر استئناف مسار المصالحة المجتمعية وجبر الضرر عن عوائل ضحايا الانقسام.
وأوضح الفرا -للجزيرة نت- أن اللجنة لم تتواصل مع فتح التي يتزعمها الرئيس عباس “لأننا جزء من فتح، وأغلب ضحايا حركة فتح خلال الانقسام مقربون من تيار الإصلاح، وسنكون سعداء لو جاءت السلطة لمشاركتنا هذا الجهد”.
من جانبه، قال المتحدث باسم “حماس” حازم قاسم إن التيار هو أحد المكونات الأساسية التي لها حضور في الحالة الفلسطينية، خاصة في غزة، “وجميعنا في حماس وكل القوى نصطدم بتعنت رئيس السلطة (أبو مازن) وتعطيله لاتفاقات المصالحة عموما، ومنها مسار المصالحة المجتمعية وهو أحد بنود اتفاق المصالحة بالقاهرة 2011”.
وأضاف -للجزيرة نت- أن لهذه اللجنة مهام محددة، أبرزها إنجاز مسار المصالحة المجتمعية، وتنفيذ مشاريع تنموية وإغاثية، تعزز من صمود غزة في ظل الواقع الصعب الذي تعيشه منذ سنوات طويلة.
ورداً على سؤال الجزيرة نت إن كانت اللجنة ستتحول لاحقاً إلى لجنة حكومية تدير شؤون غزة، أكد الفرا أنها “ليست بديلاً عن أحد وأن مهامها محددة، ولن تكون لجنة لإدارة غزة، وتحرص على التفاعل مع كل المؤسسات والهيئات الرسمية والأهلية”.
مصالحة مجتمعية
منذ بضعة أعوام، وإثر التقارب الملحوظ بين “حماس” و”تيار دحلان” وتطور العلاقة بينهما، توافق الطرفان على تأسيس لجنة خاصة مهمتها إنجاز ما تعرف بـ “المصالحة المجتمعية” ومعالجة تداعيات مرحلة الاقتتال الداخلي عام 2007 وما يتعلق بها من ضحايا.
ويقول الناطق باسم التيار عماد محسن للجزيرة نت إنه خلال الفترة ما بين 2017 و2019، نجحت “اللجنة العليا للمصالحة المجتمعية” في “جبر الضرر” لصالح 173 عائلة من ضحايا الانقسام، وتكفل تيار الإصلاح الديمقراطي بتوفير نحو 8 ملايين دولار لمعالجة ملفات هذه العائلات بواقع 60 ألف دولار لكل ضحية.
وتُعتبر المصالحة المجتمعية أحد بنود اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة عام 2011، وبحسب الفرا، فإن أحداً لم يتحرك منذ إنجاز المرحلة الأولى عام 2019 لاستكمال هذا المسار، مشيرا في هذا الصدد إلى أن “اللجنة العليا للمصالحة المجتمعية ستعمل على تفعيل المرحلة الثانية لجبر الضرر عن نحو 100 أسرة فقدت أبناءها خلال أحداث الانقسام الداخلي”.
وبموازاة هذا المسار، ستعمل اللجنة على تنفيذ مشاريع إغاثية وتنموية طارئة لإسعاف الفقراء والمحتاجين في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة، وترميم 100 منزل من بيوت الفقراء والفئات المهمشة.
ويقدر الناطق باسم التيار كلفة معالجة المرحلة الثانية من المصالحة المجتمعية بنحو 5 ملايين دولار، وتندرج في سياق الدعم المتواصل منذ سنوات الذي يقدر بعشرات ملايين الدولارات لقطاعات حيوية لدعم سكان غزة في مواجهة تداعيات الحصار والانقسام.
وقال محسن “نتطلع إلى المزيد من الشراكات الوطنية، ونأمل أن تتحول كل مسارات الفعل نحو شراكة سياسية تُفضي إلى وفاق وطني ومصالحة وطنية واتفاق على برنامج نضالي وكفاحي موحد، وآليات تعزز قضيتنا الوطنية في كل المحافل”.
مسار سياسي
وبرأي الفرا، فإن تحقيق “العدالة الانتقالية” إثر إنجاز نحو 50% من ملفات ضحايا الانقسام، يساهم في تذليل العقبات أمام انطلاقة حقيقية لتحقيق المصالحة السياسية، على اعتبار أن الكل يُجمع أن “ملف المصالحة المجتمعية هو الأهم والأكثر تعقيدا”.
ولا تتوفر إحصائية دقيقة عن أعداد ضحايا مرحلة الاقتتال الداخلي التي أفضت إلى سيطرة “حماس” على غزة عام 2007، وبداية مرحلة الانقسام الداخلي.
وأكد الفرا أن معالجة هذا الملف “توفر بيئة صحية وخصبة لإنجاز المصالحة الوطنية، وهو إنجاز ينبغي أن يدفع الجميع نحو مداواة الجراح، بعدما تأكد أن لا طرف بإمكانه أن ينهي الآخر، وأن مجابهة التحديات التي نواجهها بحاجتنا جميعا”.
بدوره، أكد المتحدث باسم حماس إن الحركة تحرص على “مد جسور العلاقة وتعزيز الجبهة الداخلية مع كل المكونات الفلسطينية، عبر تفكيك المشكلات ومعالجة آثار الانقسام”.
ورأى قاسم في تشكيل اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية، “صورة بارزة للعمل الوطني المشترك، بمشاركة واسعة من قوى سياسية فاعلة في غزة، الأمر الذي يساهم في تعزيز صمود الفلسطينيين”.
وبشأن آلية معالجة ملفات المصالحة المجتمعية، أوضح قاسم أنه تم “قطع شوط كبير في المرحلة الأولى، بالتنسيق مع تيار الإصلاح الديمقراطي، وسيتم في المرحلة الثانية استكمال المسار بالتواصل مع الأطراف، وتعويض ذوي الضحايا ماديا ومعنويا، وتوقيع سند صلح نهائي يخلي المسؤولية القانونية والعشائرية”.