الاخبار العاجلةسياسة

هل يحسم قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية سجال التعديلات القضائية؟

القدس المحتلة- عكست مداولات المحكمة العليا الإسرائيلية بشأن التعديلات التي تجريها حكومة بنيامين نتنياهو على قانون القضاء مستوى الصدام بين سلطات الحكم التشريعية والتنفيذية والقضائية، حيث تهدف هذه التعديلات إلى إلغاء “ذريعة المعقولية” وتقويض صلاحيات هذه المحكمة.

ويرى المحللون أنه -وإن بدا أن المحكمة العليا تعكس حالة من التوازن بين الأيديولوجيات الليبرالية والمحافظة- لكنها لا تعكس ولا تمثل كافة الأطياف السياسية وكافة شرائح المجتمع الإسرائيلي والتعداد السكاني، إذ لا يوجد بالمحكمة سوى قاضييْن يهوديين من أصول شرقية، علماً بأن اليهود الشرقيين يشكلون 50% من تركيبة هذا المجتمع، ويشكل المتدينون “الحريديم” 13% من المجتمع اليهودي، ولكن يوجد قاضٍ حريديٌ واحد.

إضافة لذلك، يشكل العرب (الفلسطينيون) ما نسبته 21% من التعداد السكاني، ويمثّلهم قاض واحد فقط. بينما سكان المستوطنات الذين يشكلون ما نسبته 8.5% من السكان لديهم قاضيان منتدبان، بينما النساء اللواتي يشكلن أكثر من 50% من السكان يتقلدن 6 مقاعد بالمحكمة العليا.

وتؤجج تركيبة المحكمة العليا عمق الشرخ بين سلطات الحكم والمجتمع الإسرائيلي، وجاء تفاقم الأزمة الدستورية مؤشرا عليها، وهو ما عبر عنه غالبية قضاة هذه المحكمة المؤلفة من 15 قاضيا، بتحفظهم على التعديلات القضائية، حيث دلت مداخلات 8 قضاة منها على معارضتهم للتعديلات القضائية ولتقويض صلاحيات المحكمة.

epa06291106 Esther Hayut chats with friends outside the Jerusalem residence of Israeli President Reuven Rivlin, 26 October 2017 prior to the start of a ceremony when she is sworn-in as the new Israeli Supreme Court President. Hayut is to serve for a six-year term and replaces Chief Justice Miriam Naor who served on the bench for 38 years and is retiring. EPA-EFE/JIM HOLLANDER
القاضية إستير حيوت تترأس المحكمة العليا الإسرائيلية وتنتمي للمعسكر الليبرالي (الأوروبية)

المعسكر الليبرالي

استمرت المداولات في المحكمة العليا على مدار 13 ساعة، بتوجيه من رئيستها القاضية إستير حيوت التي تتصدر المشهد القضائي، لكنها ستنهي منصبها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بعد 20 عاماً من أداء مهامها.

وتقود حيوت ما يوصف بـ “المعسكر الليبرالي” بهيئة المحكمة العليا، ويضم 8 قضاة بينهم الرئيسة، بحسب تقديرات صحيفة “يديعوت أحرونوت” التي تشير إلى أن معتقداتهم علمانية، وذات توجه سياسي ما بين اليسار الصهيوني ومعسكر المركز بالخارطة السياسية الإسرائيلية، وغالبيتهم من أصول يهودية غربية (الأشكناز) باستثناء قاضٍ عربي (فلسطيني).

ووفقا لتقديرات مقدمي الالتماس، فإن حيوت تؤيد إلى جانب 7 من قضاة المحكمة شطب التعديلات على “قانون أساس: القضاء” ورفض إلغاء “حجة المعقولية” يدعمها بذلك كل من يتسحاق عَميت الذي سيخلف حيوت، وعنات برون التي ستنهي مهام منصبها الشهر المقبل، إضافة إلى روت رونين وعوفر غروسكوبف وعوزي فوغلمان ودافنا باراك-إيرز، وأخيراً الفلسطيني خالد كبوب.

وستعمل حيوت على تجنيد أغلبية شاملة وإقناع 3 قضاة آخرين، من أجل ضمان أغلبية ساحقة لشطب القانون والتعديلات للحد من صلاحيات العليا، حيث بدت “غير متحمسة” لشطب القانون بتأييد 8 قضاة مقابل 7 بين معارض أو ممتنع، وستبذل جهوداً لإقناع بعض القضاة للتصويت لصالح شطب القانون، خاصة من بدت مواقفهم ضبابية أو أبدوا تحفظات على التعديلات ووجهوا انتقادات للحكومة.

A protester in support of a judicial overhaul holds a sign depicting President of the Supreme Court of Israel Esther Hayut and Israeli Prime Minister Netanyahu with the words, "We chose you, not her. Rule of the people, not the judges" on the day that Israel's Supreme Court is set to discuss petitions against new legislation that Prime Minister Benjamin Netanyahu's religious-nationalist coalition passed as part of a plan to overhaul the judiciary, outside Israel's Supreme Court in Jerusalem September 12, 2023. REUTERS/Amir Cohen
الساحة الإسرائيلية شهدت انقساماً الأشهر الأخيرة بسبب التعديلات القضائية التي أقرتها الحكومة مؤخراً (رويترز)

المعسكر المحافظ

في المقابل، يحمل “المعسكر المحافظ” معتقدات ذات توجه ديني وتوراتي، وأيديولوجية تتجه إلى معسكر اليمين بالخارطة السياسية الإسرائيلية، متمثلاً بـ 7 قضاة هم: غيلا كنافي- شتاينيتس التي التزمت الصمت خلال المداولات ولم تشارك بأي مداخلة، ياعيل فيلجر خريجة معهد ديني توراتي، بالإضافة إلى كل من يحيئيل مائير كاشير، يوسف ألرون، إليكس شطاين.

وينضم إليهم أيضاً القاضي نوعم سولبرغ الذي يقطن مستوطنة “غوش عتصيون” بالضفة الغربية، ويدعم تقليص صلاحيات العليا ويعارض الاستعانة بـ “حجة المعقولية” من أجل إلغاء قرارات الحكومة، والقاضي دافيد مينتش الذي يقطن مستوطنة “دوليب” بالضفة، ويعارض إلغاء المحكمة لأي قانون أساس يشرعه الكنيست والحكومة.

ورغم التحفظات التي أبداها غالبية القضاة من المعسكر “المحافظ” خلال المناقشات على التعديلات القضائية، فإن موقفهم النهائي من إلغاء “حجة المعقولية” وشطب “قانون أساس: القضاء” مبهم وضبابي.

An aerial view shows Israel's Supreme Court on the morning it is set to discuss petitions against new legislation that Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu's religious-nationalist coalition passed as part of a plan to overhaul the judiciary, in Jerusalem September 12, 2023. REUTERS/Ilan Rosenberg
المحكمة العليا الإسرائيلية تعتبر الهيئة القضائية الأعلى ومقرها القدس قرب مبنى الكنيست (رويترز)

تباين وتوازن

وحيال هذا التباين بالمواقف لدى قضاة المحكمة العليا، وجهل الجمهور الإسرائيلي الواسع بالفلسفة القانونية، والأدبيات القضائية لكل واحد من القضاة، قد تجد هيئة المحكمة نفسها منقسمة على ذاتها دون أغلبية ساحقة للقرار الذي ستتخذه بشأن الالتماسات، رغم الاعتقاد السائد أنها ذات أغلبية ليبرالية ويسارية، إذ بدا “التيار المحافظ “من القضاة أكثر حضورا بالمشهد عما كان عنه بالسابق.

وقد تعزز حضور “التيار المحافظ” مؤخراً، وهو الذي كان غالباً ما يشكل حالة من التوزان في الالتماسات التي تتعلق بالعلاقة بين “الدين اليهودي والدولة” وتجنيد اليهود الحريديم، والقضايا المصيرية والحساسة بالمجتمع الإسرائيلي، خصوصاً عندما تتعلق المناقشات بـ “يهودية الدولة” أو السياسات الإسرائيلية الاحتلالية والاستيطانية بالضفة والقدس المحتلتين.

وحيال ذلك، رجحت تقديرات صحيفة “هآرتس” أن تعزيز الأيديولوجية المحافظة -لدى القضاة بالمحكمة العليا- من شأنه أن يحول دون تكوين أغلبية ساحقة للتيار الليبرالي الذي يدفع نحو شطب التعديلات على “قانون أساس: القضاء” والإبقاء على “حجة المعقولية”.

وتعتقد الصحيفة أن ذلك يشير إلى أن تركيبة هيئة المحكمة -المؤلفة من 15 قاضيا- تعكس حالة من التوازن على المستوى السياسات والأيديولوجيات بالمجتمع الإسرائيلي، وهو ما يدحض مزاعم معسكر اليمين الإسرائيلي أن جهاز المحاكم والمحكمة العليا على وجه الخصوص ذات توجه ليبرالي ويساري وعلماني.

ترحيل الأزمة

من السابق لأوانه تقييم ما ستصدره هيئة المحكمة العليا، المنقسمة بالأساس بين أيديولوجيات ليبرالية ومحافظة، بحسب ما خلص إليه تقدير موقف صادر عن مركز أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب.

وأشار المركز إلى أنه من الممكن أن يتم تقديم الحكم بحلول منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، حيث يتوقع أن تصدر المحكمة قرارها، حتى لو تم التوصل إلى حل وسط بين الحكومة والمعارضة يتضمن تنقيح وتعديل القانون.

ومع ذلك، يؤكد مركز الأبحاث أن “سبب المعقولية ليس جوهر الخلاف الكبير الذي يقسم إسرائيل ويعمق شرخ المجتمع الإسرائيلي” ويعتقد أن القرار الذي سيتم اتخاذه من قبل المحكمة العليا، سواء بالموافقة على التعديل أو رفضه، ينبغي ألا ينظر إليه على أنه نهاية العاصفة السياسية والاجتماعية، بل عكس أزمة دستورية تم ترحيلها بعدم صياغة دستور لإسرائيل حتى الآن.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى