الاخبار العاجلةسياسة

ربط أمينه العام بين زلزال الحوز والمعاصي… هل عاد العدالة والتنمية المغربي للوعظ؟

الرباط – أثار البيان الأخير لحزب العدالة والتنمية المغربي الجدل والنقاش بشأن تحوّل خطاب الحزب الإسلامي الذي قاد الحكومة لـ10 سنوات قبل أن تطيح به انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول 2021 وتعيده إلى المرتبة الثامنة في ترتيب الأحزاب.

وتضمن البيان كلمة للأمين العام للحزب عبد الإله بنكيران، ربط فيها بين زلزال الحوز والمعاصي والذنوب، مما أثار حفيظة أعضاء وقيادات تاريخية في الحزب، وأثار جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية.

قال بنكيران في كلمته التي تم تفصيلها في بيان الحزب، “الصواب هو أن نرجع أمة، ونتبيّن هل الذي وقع قد يكون كذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا ليس فقط بمعناها الفردي، ولكن بمعناها العام والسياسي”.

وأضاف أن “السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية، وإنما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي، وفي الحياة السياسية وغيرها”.

تحول في الخطاب

ربطُ بنكيران بين الزلزال والمعاصي والذنوب طرحَ أسئلة عن تغيّر خطاب حزب العدالة والتنمية، وما إذا كان ذلك يشير إلى عودته إلى الخطاب الديني الذي يستغل الدين في السياسة.

وواجه الحزب في التسعينيات وبداية الألفية الثالثة اتهامات باعتماد خطاب دعوي واستغلال الدين في السياسة، مما جعله يقوم بمراجعات فكرية، ويقدم نفسه بوصفه حزبا سياسيا بمرجعية إسلامية، وليس حزبا إسلاميا كما كان يُطلق عليه.

ودأب بنكيران على نشر مواعظ ودروس دينية أسبوعية في صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان الناشطون والرأي العام ينتظرون باهتمام الاستماع إلى مواقفه السياسية وآرائه في عدد من القضايا الحارقة والساخنة.

وينشر بنكيران بشكل دوري حلقات مصورة من سلسلة دينية عنوانها “آية استوقفتني” (بلغ عدد حلقاتها 82 حلقة)، وأخرى بعنوان “من دروس النبوة” (بلغ عدد حلقاتها 51 حلقة).

وفي العام الماضي، أعلن في لقاء حزبي أنه يفكر بجدية في المسألة التربوية داخل الحزب وفي إحداث لجنة تربوية موجهة للأعضاء، مما جعل كثيرين يؤكدون أن الحزب عاد إلى خطابه السابق الذي دخل به السياسة قادما من حركة التوحيد والإصلاح.

 

 

انتقادات داخلية

وأوضح بنكيران، في اتصال مع الجزيرة نت، أنه كان يتوقع مثل هذا النقاش لكن ليس بهذه الطريقة، وبخصوص ما ينشره على صفحاته في مواقع التواصل من دروس دينية، قال “تلك السلسلة أقول فيها تجربتي، وأبث للناس قناعاتي”.

ونفى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن يكون خطاب الحزب قد تغير، وقال “خطاب الحزب تحت قيادة بنكيران ما زال كما كان دائما”، وأضاف “هذه قناعاتي ولن أراجعها”.

وأعلن عدد من أعضاء الحزب وقادته السابقين رفضهم لما جاء في هذا البيان عبر تدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي.

وتزامن هذا الجدل مع إعلان أحد قادة الحزب وهو عبد القادر اعمارة -الذي شغل منصبا وزاريا مدة 10 أعوام- استقالته من الحزب عبر صفحته في فيسبوك.

وقال محمد يتيم، أحد القادة المؤسسين لحزب العدالة والتنمية وأحد أعضاء أمانته العامة السابقة، إن بلاغ الحزب “غير موفق وشارد وغير مناسب من عدة زوايا”.

وأوضح يتيم، في تدوينة على صفحته في فيسبوك، أن حزب العدالة والتنمية حزب سياسي، وكان من المفروض أن يتناول الموضوع من زاوية سياسية واجتماعية بالأساس، وأن يبتعد عن إثارة قضايا جدلية وكلامية.

وأضاف أن التذكير بالابتعاد عن المعاصي لما قد يرتبط بها من مفاسد اجتماعية أو لاحتمال أن تجلب سخط الرب يمكن أن يكون خطاب الواعظ والخطيب، لكن دون أن يجزم بأن هذه الكارثة الطبيعية هي عقاب من الله.

من جهته أعلن البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية عبد الصمد الإدريسي رفضه لتلك الفقرة في البيان والاختلاف مع مضمونها، وقال في تدوينة “هاته الفقرة الواردة في بلاغ الأمانة العامة الأخير لا أرى سبيلا لعدم إعلان رفضها والاختلاف مع مضمونها، سواء من حيث مدلولها وفهمها دينيا، بل حتى سياسيا”.

في حين انبرى قادة سابقون، مثل رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق للحزب سعد الدين العثماني ووزير التعليم السابق في حكومة الحزب الأولى خالد الصمدي، للرد على الفكرة التي جاءت في كلمة بنكيران، وقالوا إن الكوارث الطبيعية أقدار الله وابتلاءات لا يعرف أي إنسان مقصدها والحكمة من ورائها، لأنها من أمور الغيب.

 

 

من تسونامي إلى الزلزال

أعاد النقاش الدائر حول كلمة بنكيران، التي ربطت الزلزال بالذنوب والمعاصي، إلى الأذهان واقعة مماثلة تعود إلى عام 2005 حين أثار مقال نشرته جريدة التجديد المقربة من حزب العدالة والتنمية جدلا بشأن تسونامي الذي ضرب جنوبي شرقي آسيا.

وربط كاتب المقال بين تسونامي والسياحة الجنسية والشذوذ الجنسي في تلك المنطقة، مما أثار حينها انتقادات إعلامية وسياسية لاذعة للحزب والجريدة المقربة منه.

واعتبر أعضاء في الحزب أن كلمة بنكيران الأخيرة هي عودة إلى الوراء وانتكاسة في خطاب الحزب، الذي تقدم في أطروحته السياسية بعد عقود من النقاش الداخلي.

اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الأخير بالرباط / مصدر الصور: صفحة الحزب على فايسبوك
اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بالرباط (مواقع التواصل)

اتجاه معاكس

وقال الباحث في الحركات الإسلامية الدكتور بلال التليدي إن التفسير الديني المذكور في بيان الحزب بصورة احتمال “قد” يسير في اتجاه معاكس للمقترحات الفكرية التي تم التوصل إليها من قبل حزب العدالة والتنمية عام 2008.

وأوضح الباحث -للجزيرة نت- أن قيادات الحزب منهم بنكيران حددوا هوية الحزب بكونه حزبا سياسيا بمرجعية إسلامية بما يعزز قيم الاستقامة والنزاهة والتضحية من أجل الإصلاح وخدمة الوطن ومحاربة الفساد والرشوة التي تعرقل مسار التنمية وغير ذلك من المفاهيم ذات الارتباط بالسياسات العمومية.

وأضاف المتحدث ذاته “مع تولي عبد الإله بنكيران المسؤولية بعد الفشل الانتخابي الذريع، طُرحت إشكالية استعادة الحزب دوره، واختلف أعضاء الحزب بشأن الخيارات التي يمكن اللجوء إليها، وبدأ الأعضاء ينتظرون القراءة التي سيقدمها بنكيران من أجل استعادة الموقف، غير أنه خلال تتبع المؤشرات لوحظ أنه تبنى الأطروحة التقليدية نفسها”.

وأشار إلى أن هذه الأطروحة ترى أن الحزب ينبغي أن يبدأ من حيث انطلق أول لحظة أي من الخطاب الدعوي، مما يفسر -بحسبه- النشر الدوري لدروس دينية ومواعظ من قبل بنكيران على صفحاته في مواقع التواصل.

ووصف التليدي هذا الأمر بأنه “تحول مفصلي” و”انتكاسة فكرية” في أطروحة الحزب وخطابه ومسلكه السياسي، لافتا إلى أنه لم يسبق للأمين العام للحزب تصدر مواقع التفسير والتوجيه الديني.

ورجح أن يكون بنكيران قد عاش تحولات فكرية ونفسية أثرت في رؤيته السياسية، وأنه ربما يستشعر أهمية استعادة الخطاب الديني داخل الخطاب السياسي بما يخالف بشكل مطلق أطروحة النضال الديمقراطي، التي حددت الخيارات الفكرية والعلاقات المفترضة بين الدعوي والسياسي.

وذهب الباحث في الحركات الإسلامية إلى أن الفقرة التي أثارت الجدل في بيان الأمانة العامة تعبّر عن هذا المنحى الذي يحاول الربط بين الديني والسياسي، وهو ليس محل اتفاق، بل هو محل امتعاض من كثير من القيادات، بل من الجمهور العام داخل الحزب.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى