كيوم العبور وانتصارات أكتوبر.. “طوفان الأقصى” له ما بعده
غزة – بشكل مباغت وتحت غطاء كثيف من الصواريخ، فاجأت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الاحتلال الإسرائيلي بعملية عسكرية أطلق عليها قائد أركان المقاومة محمد الضيف اسم “طوفان الأقصى”.
في ساعة مبكرة من صباح اليوم السبت، وهو يوم إجازة رسمية في إسرائيل، استيقظ سكان قطاع غزة على أصوات إطلاق رشقات كثيفة من صواريخ المقاومة، سرعان ما اتضح أنها للتغطية على حدث أكبر تمثّل في اقتحام عشرات المقاومين السياج الأمني من عدة محاور، واجتياح مستوطنات ومواقع عسكرية فيما تعرف بـ”مستوطنات غلاف غزة”.
وبشكل كثيف، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا ومشاهد عدة تُظهر رجال المقاومة وهم يجتاحون المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغزة برا بالسيارات والدراجات النارية، وجوا من خلال المظلات، وتمكّنهم من قتل وجرح وأسر أعداد -غير معلومة بعد- من جنود الاحتلال ومستوطنيه.
وفي واحدة من إطلالاته النادرة المرتبطة بأحداث كبرى، ظهر محمد الضيف في تسجيل صوتي للإعلان عن عملية “طوفان الأقصى”، كاشفا أن المقاومة نجحت في الدقائق الأولى من إطلاق حوالي 5 آلاف صاروخ نحو مواقع ومطارات وتحصينات للاحتلال الإسرائيلي.
وحثّ الضيف، في كلمته المقتضبة، الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل على الانتفاض، في حين دعا المقاومة في ساحات عربية تعرف باسم “محور المقاومة” إلى الالتحام مع المقاومة في فلسطين.
وقارنت أوساط فلسطينية وإسرائيلية بين هذه العملية وحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 من حيث التوقيت وعنصر المفاجأة، باختيار كتائب القسام يوم السبت، وهو يوم إجازة رسمية لدى إسرائيل وآخر أيام ما يسمى “عيد العُرش”، لشن هذه العملية المباغتة.
دلالة التوقيت
بدا لافتا التخطيط المحكم للمقاومة الفلسطينية باستخدام أساليب متنوعة برا وبحرا وجوا في تنفيذ مخطط معد له مسبقا، ووضع الناطق باسم حماس في غزة حازم قاسم هذه العملية من حيث توقيتها وما حققته حتى اللحظة في سياق “القدرة الكبيرة للمقاومة على الإبداع في اختيار التوقيت المناسب والفعل المباشر لأخذ زمام المبادرة”.
وقال قاسم للجزيرة نت إن توقيت العملية مرتبط بـ”التكتيكات العسكرية للمقاومة في سياق الرد الطبيعي على جرائم الاحتلال بحق الأقصى والمسرى، فلم يعد مقبولا السكوت عن المشاهد اليومية لإجرام الاحتلال وقطعان المستوطنين في القدس وباحات المسجد الأقصى المبارك”.
ومن شأن هذه العملية -وفقا لقاسم- أن “تغير من قواعد الاشتباك مع الاحتلال وتفرض قواعد جديدة، بالنظر إلى حجم الإنجازات التي حققتها المقاومة وستتضح تباعا، وحجم الخسائر الكبيرة لدى العدو”.
ولا يستبعد قاسم ردودا عنيفة لدولة الاحتلال إثر الضربة “الموجعة” التي تلقتها من المقاومة، وقال إن “الاحتلال لم يتوقف يوما عن ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، والمقاومة سيكون لها كلمتها”.
وكرر قاسم ما ورد على لسان محمد الضيف، في كلمته الصوتية، بأن قيادة كتائب القسام “قررت وضع حد لكل جرائم الاحتلال، وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسبة”.
ظلال أكتوبر المجيد
في هذا السياق، استخدم الخبير في الشؤون العسكرية اللواء المتقاعد يوسف شرقاوي لفظة “مذهلة” لوصف عملية كتائب القسام، وقال إنه يتفق مع مراقبين إسرائيليين شبهوها بمصيبتهم في “حرب أكتوبر” 1973 من حيث التوقيت وعنصر المفاجأة، ونجاح الجيش المصري في تدمير واجتياح ما كان يسمى بـ”خط بارليف” الحصين على امتداد قناة السويس.
وقال شرقاوي، للجزيرة نت، إن المقاومة في غزة أعادت في الذكرى الـ50 لانتصار أكتوبر/تشرين الأول 1973 مشاهد الفخر والعزة عبر التخطيط المحكم والمباغت لعملية “طوفان الأقصى”، وتضليل المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية عبر اختيار التوقيت المناسب، والتنوع في استخدام أساليب القوة، برا وبحرا وجوا.
ورأى في مشاهد المقاومين وهم يتجولون في شوارع مستوطنات غلاف غزة، ومشاهد الدبابات تحترق وجنود الاحتلال في قبضة رجال المقاومة، حدثا غير مسبوق وله ما بعده، سواء بالنسبة لإسرائيل أو المقاومة. وقال إن “قطف ثمار هذه العملية النوعية بحاجة إلى تفعيل الجبهة الشمالية (لبنان) إلى جانب جبهة المقاومة في غزة”.
وما لم يتم استغلال هذه اللحظة الفارقة في تاريخ المواجهة مع الاحتلال، وتتحرك جبهات المقاومة الأخرى لإسناد جبهة غزة، فإن عملية “طوفان الأقصى” ستنتهي مثل غيرها من جولات المواجهة السابقة، وسيسجلها التاريخ بوصفها واحدة من “أنجح عمليات الكوماندوز في سجل النضال الوطني الفلسطيني”، بحسب تعبير الخبير العسكري.
وإحدى أهم النتائج الآنية التي قرأها اللواء المتقاعد لعملية “طوفان الأقصى” تتمثل في ضرب الجبهة الداخلية للاحتلال وزعزعة الثقة في المنظومة العسكرية والأمنية، حيث أثبتت هشاشة هذه المنظومة عبر النجاح الباهر لبضع عشرات من المقاومين بأسلحة خفيفة في السيطرة على مستوطنات ومواقع عسكرية، انطلاقا من القطاع الصغير والمحاصر والمراقب على مدار الساعة بالطيران وبأحدث التقنيات.
مواجهة لها ما بعدها
ولتوقيت العملية دلالات مهمة، برأي الخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية إبراهيم حبيب، يحددها بعاملين أساسيين:
- نجاح المقاومة في التمويه والمباغتة وتضليل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
- اختيار تاريخ العملية له دلالة رمزية لدى العمق العربي والإسلامي لارتباطه بانتصار أكتوبر المجيد، وكأن المقاومة تريد أن تستنهض الأمة من جديد وتذكرها بأمجادها.
وبهذه العملية النوعية ونتائجها التي يبدو أنها ستصيب العدو بالذهول عندما يفيق من صدمته، يقول حبيب للجزيرة نت إن المقاومة فرضت قواعد اشتباك ووقائع ميدانية جديدة، وقد نجحت في أن تعكس المعادلة القائمة منذ 100 عام بأن الاحتلال وحده هو من يفرض ويحدد قواعد الاشتباك.
ويعتقد الخبير الأمني والإستراتيجي أن ما قبل السابع من أكتوبر لن يكون كما بعده، فاليوم هو يوم فارق في تاريخ الصراع، والمشاهد غير المسبوقة لهروب المستوطنين من غلاف غزة ستصبح اعتيادية، والمقاومة ستفاوض هذه المرة من موقف قوة ويدها هي العليا.
ولفت إلى أن قائد أركان المقاومة حدد في كلمته 4 ملفات أساسية تشكل ملامح ما بعد المعركة الحالية، وهي: الأقصى والانتهاكات فيه، والاقتحامات اليومية، والأسرى، وضرورة التوصل إلى حل جذري، متوقعا أن صفقة تبادل أسرى ستفرض بالقوة وتسفر عن تبييض السجون من الأسرى كافة.
وفي الملفين الآخرين، قال حبيب إن المقاومة ستضع حدا لاقتحامات الضفة الغربية والتهويد والاستيطان، وفي ملف حصار غزة يتوقع الخبير الأمني والإستراتيجي أن الحل هذه المرة لن يكون بكسر الحصار، وإنما الحديث سينتقل إلى توسعة حدود القطاع على حساب أراضي في “غلاف غزة” بالداخل المحتل.