رغم وعود الإعمار.. مدن ليبية تصارع وحيدة تبعات العاصفة “دانيال”
درنة- بعد مرور نحو شهرين على الكارثة التي حلت بمناطق شرق ليبيا جراء السيول التي تسببت فيها عاصفة دانيال المتوسطية، لا تزال مناطق شرق البلاد في الجبل الأخضر تعاني تبعات الكارثة، رغم وعود السلطات المنقسمة بإعادة الإعمار وتقديم المعونات، مما يضع السكان وحدهم في مواجهة مخلفات الكارثة والأضرار التي تسببت بها.
ونظمت الحكومة المكلفة من البرلمان والجيش الليبي التابع للواء المتقاعد خليفة حفتر -الأسبوع الماضي- مؤتمرا لإعادة إعمار مدينة درنة والمناطق المتضررة بحضور رسمي ضعيف، شارك فيه اثنان من السفراء لدى ليبيا وعدد من الشركات الأجنبية والمحلية، في ظل غياب ممثلي الدول الكبرى وعدد من الدول الإقليمية.
وشهد المؤتمر -الذي انعقد ليومين في مدينتي درنة وبنغازي وبحضور حفتر- عروضا من الشركات المشاركة فقط، دون أن ينتج عنه أي خطوات تنفيذية نحو إعادة الإعمار.
يأتي هذا، بينما تعيش درنة المنكوبة حالة من الشلل والتضرر الكبير نتيجة الكارثة، حيث تعاني في جوانب حياتها اليومية وفي تلبية احتياجات الأسر النازحة وتأثر الخدمات الأساسية، في حين تشتكي سوسة من عدم التفات السلطات لها وغياب الدعم والمعونات الإنسانية، في الوقت الذي تشهد فيه البيضاء انتشارا للأمراض المعوية نتيجة تلوث عدد من آبار مياه الشرب.
وقال أحمد عبد العزيز أحد الناشطين بمدينة درنة “الدعم والمساعدات التي شهدتها المدينة عقب الكارثة مباشرة تراجعت إلى حد بعيد بعد مغادرة الفرق التطوعية والمنظمات القادمة من مناطق ليبيا، ومن خارج البلاد. الأعمال الحالية تنحصر في فرق تطوعية قليلة تعمل على تنظيف المنازل وإزالة المخلفات التي تسببت فيها الكارثة”.
روح مفقودة
وأضاف الناشط للجزيرة نت أن المدينة فقدت روحها، وأن الحياة فيها لن تعود إلى سابق عهدها في ظل التقاعس الملحوظ عن معالجة الأضرار التي حلت بها.
وتخلو المدينة -بحسب الناشط- من أي أعمال ونشاطات للجهات الرسمية الحكومية، مشيرا إلى وجود شركة مصرية واحدة تعمل على تنظيف المناطق المتضررة وسط المدينة، وتزيل المخلفات التي جرفتها السيول.
وتابع عبد العزيز أن عددا من المناطق المتضررة وسط المدينة تعاني انقطاعات للمياه وإشكاليات في شبكات الصرف الصحي، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء عن بعض المناطق، وأن عددا من أسر منطقة الجبلية وسط المدينة بدأت العودة تدريجيا إلى منازلهم بعد تنظيفها من الطمي وما جرفته السيول، إلا أنهم يتخوفون من أن تغرق منازلهم مجددا في حال هطول أمطار غزيرة مع دخول فصل الشتاء دون اتخاذ أي إجراءات من الجهات الرسمية.
وشهدت الأيام الماضية عودة تدريجية للدراسة في المناطق غير المتضررة تقتصر في أيامها الأولى على نشاطات ترفيهية للطلاب، إلا أن عبد العزيز يشير إلى وجود نقص في المعلمين لمواجهتهم صعوبات في التنقل إلى المدارس -التي أعيد تنسيبهم إليها مؤخرا- بعد الكارثة، بسبب بعد المسافة وانحصار حركة التنقل بين أوصال المدينة في طريق واحد ضيق.
وأشار عبد العزيز إلى أن الفصول الدراسية في المناطق غير المتضررة من المدينة تشهد تكدسا لأعداد الطلبة، وتصل أعدادهم في بعض الفصول الدراسية نحو 50 طالبا، بسبب تكدس النازحين في تلك المناطق.
نقص المساعدات
وفي تصريح للجزيرة نت، حذر محمد النفاثي مندوب الإغاثة بمدينة درنة -التابع لجهاز الاستثمار العسكري- من النقص الحاد بالمواد الإغاثية الغذائية والطبية، وأن محتويات السلال الغذائية لم تعد تكفي الأسر المحتاجة إلى المعونات، مشيرا إلى أن الكمية المتبقية في مخازن لجنة الإغاثة تسد حاجة المواطنين لأقل من شهر فقط.
وأوضح النفاثي أن السلع الغذائية التي أرسلت إلى درنة عقب الكارثة من الجهات المحلية والدولية والمتطوعين تسد حاجة المدينة لمدة عامين كاملين، وأن كل المساعدات جرى نقلها إلى مدينة الرجمة حيث مقر جهاز الاستثمار العسكري التابع للقيادة العامة لقوات حفتر، التي بدورها تتحكم في توزيع المساعدات على المناطق المتضررة.
وأضاف مندوب الإغاثة أنهم حذروا جهاز الاستثمار العسكري من قرب نفاد المساعدات الموجودة في مخازن الإغاثة بالمدينة، ولم تصلهم أي مواد إغاثية إضافية حتى الآن، موضحا أن انخفاض إرسال المساعدات تزامن مع صرف معونات مالية للأسر المحتاجة تقدر بـ 100 دينار لكل أسرة، وهي لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية لهذه الأسر حسب قوله.
ويبلغ عدد الأسر المستهدفة من المساعدات الإغاثية والطبية بمدينة درنة نحو 5 آلاف أسرة بحسب النفاثي.
وفي سوسة ثاني أكبر المدن المتضررة جراء الكارثة، يشتكي عدد من الأسر النازحة خارج المدينة من عدم حصولهم على مساعدات حتى الآن باستثناء بعض المستلزمات الأساسية البسيطة، بحسب عميد بلدية سوسة وائل أبريك.
إهمال ملحوظ
وقال أبريك للجزيرة نت إن الأسر النازحة تعاني مشقة توفير ثمن إيجار مسكن لهم في ظل التأخر المستمر للمعاشات التي يتقاضونها من الدولة، فضلا عن أن بعض النازحين لا يملكون معاشا أساسيا، وهم يعانون أكثر من غيرهم.
وأوضح عميد البلدية أن البنية التحتية المتهالكة أساسا بالمدينة لم تشهد سوى عمليات ترميم محدودة في الطرقات الرئيسة بمجهودات بسيطة، متخوفا من انهيار الطرق الترابية المستخدمة حاليا في حال هطول أمطار غزيرة مع دخول الشتاء.
ونتيجة الأضرار التي لحقت بعدد من المدارس العامة، لا تزال الدراسة متوقفة بالمدينة باستثناء عدد من المدارس الخاصة -بحسب أبريك- الذي حذر من وجود مشكلات في شبكات المياه ومحطة التحلية بالمدينة التي يرى أنها معرضة للانهيار في أي لحظة، مؤكدا أنهم لم يلمسوا أي خطوات فعلية جادة من كلتا الحكومتين في البلاد لمعالجة الإشكالات القائمة.
وفي مدينة البيضاء، قال الصحفي ربيع خليفة للجزيرة نت “رغم عودة الحياة الطبيعية بالمدينة، فإنها تشهد ازديادا ملحوظا في عدد الإصابات بالنزلات المعوية الحادة مقارنة مع الأعوام السابق نتيجة تلوث عدد من آبار المياه عقب الكارثة”.
وأضاف خليفة أن الجهات المختصة أغلقت عددا من آبار مياه الشرب بالمدينة بعد رصد تلوثها، مشيرا إلى أن الجهات المختصة وجهت تحذيرات للمواطنين باستبدال مصادر المياه بالمياه المعدنية مؤقتا حتى تتمكن من معالجة المشكلة.