بعضها تضاعف 200%.. إسرائيل توسع المستوطنات المخلاة بالضفة
نابلس- بعينه المجردة من داخل منزله يرقب المواطن الفلسطيني فطين صلاح عمليات البناء المتسارعة في مستوطنة “حومش” الإسرائيلية الجاثمة على أراضي قريته برقة والقرى المجاورة قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، ويوما بعد الآخر يشهد أيضا تغيرا ملحوظا ليس في البناء فحسب، وإنما بشكله والهيئة التي يشيد عليها.
وما يرصده صلاح يوميا يؤكد بشكل أو بآخر أن عجلة الاستيطان لم تتوقف أصلا، بل ازدادت دورانا منذ بداية العام الجاري، وتصاعدت على نحو أكبر مع وصول اليمين الإسرائيلي المتطرف للحكم.
وتعمق الاستيطان أكثر مع بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فاستهدف المستوطنات “المخلاة” كما هو الحال في “حومش”، وتلك التي شرعنتها حكومة الاحتلال (9 مستوطنات) في مارس/آذار الماضي، وثالثة تسعى لتثبيت قدم للمستوطنين عنوة فيها كـ”جفعات أفيتار” جنوب نابلس.
استيطان وتبعاته
وحيث يقطن أبو صلاح (55 عاما) في الجبل المقابل لحومش، يمكنه أن يسمع، ويرى جيدا حركة الاستيطان “النشطة جدا” حسب وصفه، التي تنفذها الآليات الضخمة من الجرافات ومضخات الأسمنت والرافعات الثقيلة، مما يؤكد أن “البناء الاستيطاني في حومش تضاعف بنسبة 200% منذ بدء الحرب على غزة”.
ويقول أبو صلاح للجزيرة نت “لم يكن في حومش سوى 30 كرفانا (بيتا متنقلا) منذ أعاد الاحتلال الاستيطان بها قبل عام، لكنها خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، زادت عن 80 كرفانا ومنشآت أخرى، ويتم بناء قواعد إسمنتية أرضية ضخمة فيها”.
ويضيف “بوتيرة متصاعدة وليل نهار يتواصل العمل داخل حومش، فبعد إضاءتها نصبت بها كاميرات للمراقبة وأسيجة، وعند مدخلها وضعت بوابة عسكرية”.
وتزامنا مع البناء بحومش ولضمان سلامة المستوطنين، صعد الاحتلال، وعلى نحو أكبر، ومنذ بدء الحرب إجراءاته العسكرية على القرى المحيطة بها، لا سيما برقة، وأغلق بالسواتر الترابية والحجرية مداخلها وطرقها، واعتقل أكثر من 15 شابا.
وأغلق الاحتلال المدارس بعد أن هاجمها، وأطلق الرصاص الحي صوب المعلمين والطلبة، بينما شن مستوطنوه عشرات الاعتداءات ضد الأهالي، ومنعوهم قطف ثمار زيتونهم وسرقوها.
ومثل حومش لم تنقطع زيارات المستوطنين واقتحامات الجيش عن مستوطنات شمال الضفة المخلاة في محاولة لتثبيت وجودهم بها.
وأخليت حومش كواحدة من خمس مستوطنات ومعسكرات للجيش بشمال الضفة الغربية هي غانيم وكاديم وسانور ودوتان بقرار إسرائيلي أحادي الجانب عام 2005، إضافة لمستوطنات غزة.
ورغم محاولات الأهالي العودة إلى أراضيهم في حومش وإقرار محكمة الاحتلال لهم بهذا الحق ولأكثر من مرة، فإن المستوطنين وبدعم من جيش الاحتلال ظلوا يقتحمونها، إلى أن عادوا إليها، وشيدوا مدرستهم الدينية فيها أواخر ديسمبر/كانون الأول 2021 بعد مقتل مستوطن على يد مقاومين فلسطينيين.
وشجعت مصادقة للكنيست الإسرائيلي على إلغاء قانون فك الارتباط في مارس/آذار الماضي، المستوطنين أكثر.
شرعنة وجود
ولجأ المستوطنون إلى طرق خبيثة لشرعنة وجودهم بمستوطنة “جفعات أفيتار” عبر دفن مستوطنة وطفلة قتلا بحادث سير بداخلها.
وأخليت أفيتار الجاثمة على أراضي جبل أبو صبيح ببلدة بيتا جنوب نابلس في يونيو/حزيران 2021 بموجب اتفاق تسوية بين بيني جانتس وزير الجيش الإسرائيلي السابق وقادة المستوطنين، على أمل العودة إليها بعد التحقق من ملكية الأرض، ليضع الجيش يده عليها بالكامل، ويحولها لنقطة عسكرية له، ويبقي على السماح للمستوطنين باقتحامها بين الفينة والأخرى.
ولم تستعر نيران البناء بهذه المستوطنات فحسب، بل رصدت عمليات التجريف ونصب الكرفانات في المناطق الشرقية والشمالية من مستوطنة “777” أو “جفعات أرنون” كما باتت تسمى بعد شرعنة الحكومة الإسرائيلية لها، والجاثمة على أراضي قرية يانون جنوب نابلس.
تكثيف القتل
وقابل تصعيد البناء الاستيطاني تكثيف المستوطنين اعتداءاتهم التي تجاوزت خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2070 اعتداء، تجلى أخطرها بالقتل المباشر والترحيل القسري للمواطنين.
ووفق بيان لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الرسمية، فإن المستوطنين قتلوا 9 فلسطينيين خلال الحرب على غزة، وهجروا 810 مواطنين، يتكونون من 100 عائلة من تجمعاتهم البدوية، لا سيما في شرق رام الله وبالأغوار الفلسطينية.
واعتبر مؤيد شعبان رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وفق بيان اطلعت عليه الجزيرة نت، أن دولة الاحتلال تستغل حرب الإبادة الجماعية بغزة لتنفذ مخططات لا تقل خطورة ودموية بالضفة الغربية، وأخطرها إعدامها المدنيين وعزلهم بمنظومة الأبارتهايد.
وحذر شعبان من تجاوز المستوطنين قوانين الحرب والطوارئ التي فرضتها دولة الاحتلال التي تعفيهم من المساءلة والمحاكمة بارتكاب المزيد من المجازر والمحارق، حسب وصفه.
ويؤكد تسليح أكثر من 26 ألف مستوطن إسرائيلي خلال الحرب على غزة وفق عبد الله أبو رحمة مسؤول العمل الجماهيري بهيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن إسرائيل ماضية بمزيد من ارتكاب “المجازر”.
ويقول أبو رحمة للجزيرة نت “إن تكثيف الاستيطان في المستوطنات المخلاة وغير القانونية أصلا جاء جراء استغلال الوضع العام، لا سيما الحرب وغياب الرقابة”.
ويضيف أبو رحمة أن المستوطنين يستغلون قانون الطوارئ وعسكرة الضفة عبر أوامر إطلاق النار المباشر التي تمكنهم وجيش الاحتلال من استهداف الفلسطينيين، وهو ما يجعل المواجهة الشعبية في حالة خطر، وقال “إنهم يعملون الآن، وعلى نحو أكبر على الدور الدولي وما يمكن أن يمارسه من ضغوط لوقف هذا الاستيطان”.