الهدنة الإنسانية في غزة.. لماذا غابت تركيا؟
إسطنبول- مع إعلان تفاصيل الهدنة الإنسانية في قطاع غزة ودخولها حيز التنفيذ صباح أول أمس الجمعة نتيجة جهود قطرية مصرية أميركية، تساءل البعض عن طبيعة وتفاصيل الدور التركي في صناعة الهدنة.
فبينما يؤكد مسؤولون في الحكومة التركية والحزب الحاكم على أهمية الدور التركي، يقول معارضون إن هناك عديدا من الأسباب التي لم تُتِح لأنقرة العمل بفاعلية في الحرب الحالية، في حين يذهب محللون إلى رفض قوى غربية لزيادة النفوذ التركي في فلسطين.
في هذا السياق، حذر النائب عن حزب العدالة والتنمية التركي حسن توران من تجاهل “الموقف التركي الرائد في القضية الفلسطينية، الذي حافظت عليه بلاده نحو قبلة المسلمين الأولى وميراث الأجداد، ودفعت لأجله الأثمان”.
وقال توران -وهو أيضا رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية التركية الفلسطينية- إن “الدبلوماسية التركية، عبر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، اتخذت موقفا متقدما ومخالفا لحلف شمال الأطلسي (ناتو) من قلب ألمانيا، وفي منابر دولية أخرى دفاعا عن فلسطين، ووزير خارجيتنا هاكان فيدان أعلن أن إسرائيل منظمة إرهابية وأن هناك لصوصا في فلسطين، وليسوا مستوطنين إسرائيليين”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد توران “بذلك تكون طورت تركيا مصطلحات جديدة أسهمت في دعمها للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية”.
وعن جهود التفاوض والهدنة، قال إنه “لا طاولة في المنطقة بلا تركيا، وطاولة لا توجد فيها تركيا صاحبة الوزن والموقف الموثوق هي طاولة ناقصة ومهترئة”، مضيفا “إن لم توجد تركيا بشكل مباشر، فهي حاضرة بمواقفها وأفكارها بشكل غير مباشر”.
وكشف توران عن أنه قبل الهدنة بأيام، تقدمت عديد من الدول إلى بلاده بشأن تبادل الأسرى، وأُرسلت رسائل إلى الرئيس التركي، متابعا “بعد ذلك، قام رئيسنا الموقر بحشد وتوجيه الجهات المختصة في دولتنا ومناقشة ما يمكن القيام به بشأن تبادل الأسرى عبر قطر ومصر، ولاحقا خلال اجتماعات الوفود الأميركية والإسرائيلية والمصرية في قطر، تم التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار لمدة 4 أيام”.
وحذر النائب توران قائلا “من غير المجدي تجاهل جهد تركيا الدولي لأجل القضية الفلسطينية، والانتقال إلى مرحلة لا يكون لتركيا فيها أي دور في القضية الفلسطينية”، معتبرا أن “مثل هذه الادعاءات تأتي لصرف انتباه الرأي العام العالمي عن دور تركيا الفاعل والقيادي في القضية الفلسطينية، وتشويه الدو الذي تلعبه تركيا حاليا”.
أسباب الفشل
في هذا السياق، قالت سيما سيلكين أون -النائبة في البرلمان التركي عن حزب المستقبل المعارض- إن تركيا “بذلت جهدا كبيرا لتحقيق وقف إطلاق النار منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع تسطير مواقف تذكّر الجميع أن أصل المشكلة يعود للماضي العميق وتفاعلاته”، مؤكدة أنه “في بلدنا الوقوف إلى جانب فلسطين في قضيتها العادلة يعتبر رد فعل وطنيا وسياسة دولة، مستقلة عن الأحزاب والتفاصيل العملية والزمنية”.
وفي حديثها للجزيرة نت، لفتت البرلمانية التركية إلى أن الآونة الأخيرة شهدت “مساعي إسرائيلية لتحقيق مكاسب وقبول شعبي في المنطقة عبر الدبلوماسية، وخُتمت بالفشل وخيبة الأمل”، متابعة أن “المؤسسات الإعلامية التركية تركز على متابعة إسرائيل وفضح أكاذيبها، وهذا يسهم في شعور الجانب الإسرائيلي بالسلبية تجاه تركيا وأدوارها المتوقعة”.
وأوضحت أن من أسباب ما وصفته بـ”فشل محاولات تركيا” لتصبح طرفا فاعلا على الطاولة في عملية وقف إطلاق النار هو أن “موقف تركيا من الوجود الأميركي في المنطقة كان الأقوى، لكن تدخل تركيا -بصفتها عضوا في الناتو بينما تحمل موقفا مخالفا تماما لتوجه وأعضاء الناتو- من شأنه أن يقلب معادلات بالكاد تكون حاضرة وقائمة”.
بالإضافة للأسباب السابقة -حسب البرلمانية- فإن هشاشة الاقتصاد التركي من أهم الأسباب -وربما أهم الأسباب- التي أدت إلى ذلك، متوقعة أن يكون “الدور النشط والرئيسي لتركيا سيكون في إعادة إعمار غزة بعد التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار”.
طرق مسدودة
من جانبه، أكد الكاتب والمحلل السياسي التركي رمضان بورصا أن الإجابة عن سؤال الدور التركي في الهدنة الإنسانية بغزة يصف بدقة معركة طوفان الأقصى، موضحا أن “المعركة ليست حربا بين غزة ونظام الاحتلال الإسرائيلي، إذ يعتقد نظام الاحتلال أن السيطرة على غزة هي الخطوة الأولى للسيطرة على إسرائيل الكبرى/ الشرق الأوسط الجديد”.
وأوضح بورصا أن “أميركا وإسرائيل ودولا غربية أخرى ترفض زيادة النفوذ التركي في الأراضي الفلسطينية، كما لا تريد إسرائيل والولايات المتحدة أن تقوم تركيا -صاحبة الجذور التاريخية العثمانية- بدور فعال في القضية الفلسطينية من خلال العمل كوسيط أو ضامن”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى بورصا أن طرح مشروع أو خطة الضامن كمشروع ونظام جديد للتعامل مع القضية الفلسطينية، على لسان وزير الخارجية التركي في أول أيام طوفان الأقصى، تسبب في قلق للعديد من الأطراف الذين استنتجوا أن مشروعا تركيا ما عمل عليه ويسعى لتطبيقه ليكون بديلا عن مشاريع دولية أخرى.
وتابع “تمت مناقشة اقتراح الضامن التركي في الصحافة الغربية والغرف الدبلوماسية، وقد ذكرت مصادر دبلوماسية أن هناك بعض التحفظات على مقترح تركيا، خاصة من قبل الدول الغربية”.
وأوضح المحلل السياسي أن فكرة الضامن التركية تبيّن أن تركيا لديها خطة ومسارات مدروسة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو ما أزعج الغرب، خاصة مع دفاع تركيا عن حماس وعدم قبولها فكرة وصفها بالإرهاب، مختتما بالقول “المشكلة الحقيقية هي أنه لا يُطلب أو لا يُسمح لتركيا أن تنشط في القضية الفلسطينية”.
وفي السابع من الشهر الجاري، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن بلاده طرحت فكرة نظام تكون فيه ضامنة للأطراف من أجل إحلال السلام الدائم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.