روسيا تواصل مطاردة الشذوذ وتحظر “الحركة الدولية للمثليين”
موسكو- وجهت روسيا ضربة مزدوجة لمنظمات الشذوذ الجنسي، بعد أن سنت قانونا جديدا بحظر أنشطة هذه المنظمات على كافة الأراضي الروسية، وإدراجها ضمن قائمة المنظمات المتطرفة، في حلقة جديدة من مسلسل الحرب على ما تصفه روسيا بالتوجهات الجنسية غير التقليدية والمنافية للقيم الاجتماعية.
فبناء على طلب من وزارة العدل، أعلنت المحكمة العليا أن “الحركة الدولية للمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية” هي منظمة متطرفة، وأكدت أنه تم رصد مؤشرات ومظاهر تؤكد هذه التوجهات.
ورغم أن قرار حظر الحركة دخل حيز التنفيذ الفعلي، فإن المسؤولية عن انتهاكه ستصبح نافذة مع حلول 10 يناير/كانون الثاني 2024.
يأتي ذلك بعد نحو عام من اعتماد مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، قانونا يحظر الدعاية للشذوذ ومزدوجي الميل الجنسي والتأثير على الهوية الجنسية للأطفال وإعادة تحديد الجنس، وغيرها من التوجهات التي تعتبر روسيا أنها تحمل تأثيرات خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع.
ومنذ نهاية عام 2022، فرضت روسيا مسؤولية إدارية وجنائية على “الدعاية للعلاقات الجنسية غير التقليدية، والولع الجنسي بالأطفال، وتغيير الجنس بين الأشخاص من كافة الأعمار”، وقبل ذلك، كان القانون يقتصر فقط على الدعاية للشذوذ بين القاصرين.
بالإضافة إلى ذلك، جرى تشديد العقوبات على مثل هذه الدعاية بين القاصرين، في حين أن القوانين في السابق كانت تحظر الدعاية للشذوذ فقط بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما.
حصان طروادة
في هذا السياق، يقول الباحث بالشؤون الاجتماعية فلاديمير كوشول، إن “المتطرفين من مجتمع المثليين، بحجة اتباع قيمهم، يروجون لأعمال غير قانونية، يتم من خلالها استغلال انجذاب الأشخاص من مجتمع المثليين بسهولة إلى الأنشطة المتطرفة، ويصبحون حاملين للمشاريع الأيديولوجية المقابلة وما إلى ذلك”.
وأضاف كوشول للجزيرة نت، أن الأجهزة المختصة ألقت القبض في فترات مختلفة على منتمين لهذه الحركة بسبب نشر رموز نازية، وتبرير الأيديولوجية النازية، مؤكدا أنهم يدركون أنهم يقومون بأنشطة متطرفة، لكنهم يحاولون “يائسين” إخفاء ذلك، بحسب وصفه.
وتابع أنهم يحاولون تدمير القيم العائلية التقليدية التي تشكلت عبر الأجيال، ويدعون إلى إثارة الاضطرابات الجماعية، والتحريض على الكراهية الدينية والعرقية وغيرها.
ويعتبر كوشول أن “حركة المثليين تسهم في تشكيل صورة سلبية عن البلاد، من خلال تقديم ما يسمى بالتقارير حول انتهاك حقوق المثليين، فضلا عن محاولات لتشويه سمعة القوات المسلحة الروسية”.
كما لفت إلى أن المصدر الرئيسي لتمويل هذه الحركة هو المؤسسات الغربية، ولا سيما في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى والسويد.
تحذيرات
لكن القرار لم يمر دون طرح تساؤلات حول ما إذا كان سيؤدي إلى ممارسات يمكن أن تمس الحقوق العامة للمثليين كمواطنين، وهو الشيء الذي تحدثت عنه مواقع ناطقة بالروسية، واتهم بعضها السلطات باستخدام الحملة الجديدة ضد الشذوذ في سياق الدعاية الانتخابية للرئيس فلاديمير بوتين، ولا سيما أنه لا يوجد هيكل تنظيمي لهذه الحركة.
وتحدثت بعض هذه المواقع عن أن “ملاحقة” المثليين اكتسبت زخما في روسيا “في حين كان يكفي أن يعاقب الكرملين شخصا واحدا علنا لإثارة خوف الآخرين، إلا أن الأساليب تغيرت اليوم”.
ووفقا لمواقع تتبنى نفس الرؤية -كموقع “سفوبودا أورغ”- هناك ما يقرب من العشرات من المحاكمات كل أسبوع في روسيا، حيث يمكن الذهاب إلى السجن بسبب مقطع فيديو خاص على “تيك توك”، بعدما أصبحت “رهاب المثلية بمثابة إستراتيجية للسلطة على جميع المستويات”، حسب رأي هؤلاء.
لكن الخبير القانوني ألكسندر نيكيشين أكد أنه لا يوجد حديث عن فرض رقابة أو تدخل حكومي في الحياة الشخصية للمواطنين، وأن قرار المحكمة العليا ضروري للامتثال للحظر المفروض على الدعاية العدوانية للشذوذ، وتجنيد أعضاء جدد في الحركات التي ينتمون إليها.
وتابع في حديث للجزيرة نت بأن الخطب التي يلقيها نشطاء حركة المثليين في المؤتمرات الدولية أو المنشورات التي تدعو للترويج إلى ما بات محرمًا في التشريعات الروسية يمكن أن تؤدي إلى رفع قضية جنائية تتعلق بالانتماء لمنظمة متطرفة.
ويلفت في هذا السياق إلى أنه سيتم بناء على القانون الجديد، توجيه تهم الانتماء لمنظمة متطرفة لأعضاء المجموعات التي تروج وتشجع العلاقات الجنسية غير التقليدية، والتي تقضي بالسجن لمدة تصل إلى 6 سنوات للأعضاء، وإلى 10 سنوات للمؤسسين.
أصداء خارجية
بموازاة ذلك، وصلت تأثيرات الحرب المتدرجة التي بدأتها روسيا منذ نحو عقد من الزمان ضد حركات الشذوذ، ومن أجل حماية الأطفال من الدعايات الضارة إلى دول مجاورة، حيث عمل ناشطون في المجر على سن قوانين تحظر الدعاية للشذوذ في المدارس، مشيرين إلى ضرورة الاستفادة من التجربة الروسية في تحصين المجتمع تشريعيا ودعائيا لمواجهة حملة الترويج للقيم غير التقليدية.
أما في بولندا، ومع وصول المحافظين إلى السلطة، انخفض مستوى التسامح تجاه الشذوذ خلال العام الماضي، وذلك وفقا للباحثة في الدراسات الاجتماعية لشرق أوروبا بولينا غيور غيدزه، التي تؤكد للجزيرة نت وجوب الفصل في كل الأحوال بين اعتبارات التحالف السياسي والعسكري مع الغرب، وأخذ مسافة دقيقة وصارمة تجاه القيم التي يسعى للترويج إليها في البلدان السلافية بشكل خاص.